ابنا: اسمه ولقبه وكنيته:
هو محمّد بن محمّد بن النعمان بن عبد السلام بن جابر بن النعمان بن سعيد بن جبير البغداديّ العكبري، كينته أبو عبد الله، واشتهر بالشيخ المفيد بعد أن عرف بـ ابن المعلم قبله، فوالده كان معلماً في واسط. وقد ذكر أن استاذه علي بن عيسى الرماني هو من أطلق عليه لقب المفيد فيما ذهب ابن شهر آشوب إلى القول بأنّ الإمام (ع) هو من أطلق عليه هذا اللقب.
دوره في ازدهار الفقه والأصول:
كتب الكرجي في تاريخ الفقهاء:
لم يكن الفقه رائجاً عند علماء الشيعة قبل الشيخ المفيد كما هو اليوم بين الفقهاء. فقد كانت الكتب الفقهية تنقل الأحاديث المروية عن الأئمة الأطهار (ع) كما هي، أي مع ذكر سلسة السند، ولم يعمد الفقهاء إلى التصرّف في نصّ الحديث أبداً، فحتى عندما كانوا ينقلون الحديث كانوا ينقلون معه سلسلة سنده، وهي المنهجية المعروفة بالفقه المنصوص. لكن هذه المنهجية تكاملت قليلاً بعض الشئ، وتمكن الفقيه من التصرّف والإجتهاد لحدّ ما ضمن إطار الأحاديث والإفتاء طبق مدلول ومضمون الأحاديث، فقد ألف كتاب الشرائع لإبن بابوية (والد الشيخ الصدوق) وكتابي المقنع والهداية للشيخ الصدوق على هذا المنوال. وشهدت تلك الفترة ظاهرة التمسك بظواهر الحديث. ولم يكن هناك رواج للإستفادة من عنصر العقل كعنصر من عناصر الاستنباط. بحيث أصبح هذا عائقاً أمام تكامل العلوم وازدهار العلماء. ومع بروز شخصية الشيخ المفيد، عمد إلى مواجهة هذا الجوّ من الجمود والذي هيمن على الساحة الفقهية آنذاك، فقام بتدوين أصول الفقه ليؤسس فقها جديداً وينطلق صوب اجتهاد صار يمثل الطريق الوسط بين المنهجية الحديثيّة التي تبنّاها الشيخ الصدوق والمنهجية القياسية التي ذهب إليها إبن الجنيد في الفقه.
دوّن الشيخ في البداية أصولاً في كتاب التذكرة بأصول الفقه لاستنباط الأحكام. وسار في هذا الخطّ كل من السيّد المرتضى في كتابه الذريعة والشيخ الطوسي في كتاب عدّة الأصول على ما ابتكره أستاذهما من منهج أصولي. يذكر أن الشيخ كان قد استلهم هذه المنهجية من أستاذه إبن أبي عقيل العماني...
وأعدّ الشيخ الطوسي مكانة كبيرة للعقل في منهجيته الاجتهاديّة واعتبر أن العقل هو الطريق للوصول إلى مفاهيم الكتاب والسنّة. بل ذهب إلى القول أنّ أيّ حديث يخالف أحكام العقل يعتبر حديثاً مرفوضاً.
وبنفس الصلابة التي وقف فيها الشيخ أمام نظرية التوقف على الحديث وقف أيضاً موقفاً صلباً أمام الذين اعتبروا القياس ملاكاً للاستنباط، لذلك انتقد بشدة أستاذه إبن الجنيد لاتباعه هذه المنهجية الاستنباطية. وردّ عليها ببرهان ثاقب وألّف كتباً في النقض على تأليفات إبن الجنيد. ومن تلك المؤلفات كتاب نقض رسالة الجنيدي إلى أهل مصر والنقض على ابن الجنيد في اجتهاد الرأي.
وفاته:
توفي ليلة الثالث من شهر رمضان ببغداد سنة 413 ، وصلى عليه الشريف المرتضى بميدان الأشنان الذي ضاق على الناس رغم سعته، حيث ازدحم الناس للصلاة عليه، وكثر البكاء عليه من قبل العوام والخواص. ذكر ابن كثير ذلك فقال: وكان يوم وفاته مشهوراً، شيّعه فيه ثمانون ألفاً من الشيعة. وكان دفنه في مقابر قريش بالقرب من ضريحَي الإمامين: موسى الكاظم ومحمّد الجواد عليهما السّلام عند الرِّجْلَين الشريفتين. وقبره اليوم واضح معلوم يُزار.
وفي الاحتجاج ذكر أبو منصور أحمد الطبرسيّ أن الإمام المهديّ عليه السّلام قد رثاه بأبيات، قال فيها:
لا صـوّتَ الـناعي بفقدكَ، إنّهُ***يومٌ على آل الرسولِ عظيمُ
إن كنتَ قد غُيِّبتَ في جَدَثِ الثَّرى*** فالعـدلُ والتوحيدُ فيك مُقيمُ
...............
انتهى / 278