ابنا: قال عزيز الذي ارتدى ملابس الجيش وكان يضع مسدسا في حزامه في بغداد مقلدا صدام، "بالنسبة لي وللقيادة العراقية، لقد ولدنا في العراق وسنموت في العراق إما شهداء - وهو شرف عظيم - أو بصورة طبيعية". غير ان التاريخ اثبت فيما بعد، ان طارق عزيز وسيده ماتوا بإذلال بعدما وضعهم الشعب والعدالة في الزنازين.
عبر سنوات طويلة من الصراعات والأزمات والدماء في العراق في عهد صدام حسين كان طارق عزيز الدبلوماسي الذي يدخن السيجار، أحد ابرز المشاركين في جرائم الدكتاتور بحق الشعب العراقي، بل كان صوته هو الأعلى من غيره في تسويق المجرم الدكتاتور كزعيم مقبول، وفي ذات الوقت لعب دور الببغاء الذي ينقل مواقف صدام الارتجالية، والمتسمة بالرعونة الى العالم كما حدث مع الولايات المتحدة والكويت.
وفي الأشهر التي سبقت حرب الخليج عام 1991 عندما أجبرت القوات التي تقودها الولايات المتحدة قوات صدام على الانسحاب من الكويت، تصدّر وزير الخارجية، أشيب الشعر، الذي يتناول الكحول بشراهة، المشهد ورفض تقديم تنازلات في مواجهة الضغوط الدولية الكبيرة على بغداد، راضيا بانهيار البلاد وجوع الشعب إرضاء لسيده.
وفي لقاء مع وزير الخارجية الأمريكي آنذاك جيمس بيكر في محاولة أخيرة لتجنب تلك الحرب رفض عزيز بشدة قبول رسالة موجهة من الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب، إلى صدام بسبب ما وصفها بلهجتها المهينة.
وبعد 12 عاما احتشدت القوات الأمريكية مرة أخرى لشن حرب على صدام هدفها المعلن هذه المرة هو الإطاحة به. وأظهر عزيز التحدي والرعونة ذاتها التي تعلمها من سيده صدام.
وقال عزيز الذي ارتدى ملابس الجيش وكان يضع مسدسا في حزامه في بغداد مقلدا صدام، "بالنسبة لي وللقيادة العراقية، لقد ولدنا في العراق وسنموت في العراق إما شهداء - وهو شرف عظيم - أو بصورة طبيعية".
غير ان التاريخ اثبت فيما بعد ان طارق عزيز وسيده ماتوا بإذلال بعدما وضعهم الشعب والعدالة في الزنازين.
وفي كانون الأول عام 2003 اعتقلت القوات الأمريكية صدام وأعدم بعد ثلاث سنوات. وسلم عزيز نفسه للقوات الأمريكية بعد أسبوعين فقط من سقوط صدام وسجن لدوره في عمليات إعدام فضلا عن التهجير القسري للأكراد قبل أن يحكم عليه بالإعدام عام 2010 فيما يتصل باضطهاد أحزاب وشخصيات عراقية ومواطنين، في عهد صدام.
ولم ينفذ حكم الإعدام وأصيب عزيز بجلطة وهو في السجن وكثيرا ما اشتكى من تدهور حالته الصحية إلى أن توفي، الجمعة بعد إصابته بذبحة صدرية حادة في محافظة ذي قار بجنوب العراق.
ولد عزيز عام 1936 في بلدة تلكيف التي يغلب على سكانها المسيحيون قرب الموصل في شمال العراق ودرس الأدب الإنجليزي في جامعة بغداد قبل أن يبدأ العمل في الصحافة.
ويعود ارتباطه بصدام إلى فترة الخمسينيات عندما كان الاثنان في حزب البعث الذي كان محظورا آنذاك وكان يسعى للإطاحة بالنظام الملكي المدعوم من بريطانيا.
وبدعم من صدام أصبح عزيز رئيس تحرير جريدة "الثورة" الناطقة بلسان حزب البعث. لمع نجمه بينما أحكم صدام قبضته على العراق،
وبات أداة طيعة بيده وارتضى لنفسه ان يكون جزءا من الة القتل والدمار الصدامية.
وفي اعقاب الإطاحة بالنظام الملكي وسلسلة من الانقلابات التي شهدت استيلاء حزب البعث على المزيد من السلطة أصبح عزيز وزيرا للإعلام في السبعينيات.
وعندما تولى صدام الرئاسة في عام 1979 عين عزيز نائبا لرئيس الوزراء ليستمر بين قيادات الصف الأول بالحكومة لمدة ربع قرن الى أن سقط صدام.
ويعزى استمرار عزيز طويلا في ظل نظام حكم الفرد الوحشي في العراق إلى جذوره إذ كان ينتمي إلى أقلية مغلوبة على أمرها لا يمكنها أبدا أن تتحدى الرئيس. وكان من الممكن أن تؤدي أي بادرة على الخيانة الى الموت حتى بالنسبة لأكبر مساعدي صدام.
لكن عزيز بالغ في ولاءه لصدام بشكل مذل.
وعلى الرغم من أن عزيز مسيحي كلداني من خارج عشيرة صدام "السنية" في مدينة تكريت فإن ولاءه لم يكن محل شك. ولتجنب أي ريبة سمى ابنه الثاني صدام.
وساعد عزيز في كسب دعم الولايات المتحدة لبغداد في العدوان على الجمهورية الإسلامية الايرانية وفي الوقت نفسه نجح في إقامة علاقات اقتصادية مع الاتحاد السوفيتي.
لكن صعوده على الساحة الدولية بلغ ذروته عام 1990 عندما غزت القوات العراقية الكويت، وأصبح وجه الدبلوماسية الدولية العراقية التي لا تقدم تنازلات، وصار صوت الدكتاتور، الذي يجرأ على فعل أي شيء يطلب منه.
وكان عزيز يتحدث الانجليزية، وامتلك مهارات تفاوضية، على الرغم من إخفاقه في منع الحرب، لكنه عد مجرما في قتل العراقيين
عبر الجهد الدبلوماسي الذي اطال من عمر النظام.
وبعد هزيمة العراق في عام 1991 قاد عزيز في كثير من الأحيان الجانب العراقي في المفاوضات المتعثرة والصدامية مع مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة الذين أشرفوا على تفكيك أسلحة الدمار الشامل في العراق.
وبعد عمليات تفتيش متقطعة على مدى 12 عاما أرسل الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن القوات الأمريكية لمحاربة صدام مرة أخيرة متهما إياه بإعادة بناء ترسانة العراق من الأسلحة المحظورة.
وفي آذار 2003 حذّر عزيز من أن غزو العراق لن يكون "نزهة". وهو ما حصل بعد ان انضم البعثيون والصداميون.
---------
انتهى/125