ابنا:اسمها ونسبها وولادتها عليها السلام:
هي السيدة زينب بنت عليّ بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ... ابن اسماعيل بن ابراهيم خليل الرحمن (عليهم السّلام).
تلك نسبها وأمّا أمّها سيّدة نساء العالمين فاطمة عليها السلام بنت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
كانت ولادتها عليه السلام في المدينة يوم الخامس من جمادى الأولى في السنة الخامسة للهجرة،
ولمّا ولدت عليه السلام جاءت بها أمّها السيدة الزهراء عليه السلام إلى أبيها أمير المؤمنين عليه السلام،
وقالت: سمّ هذه المولودة.
فقال عليه السلام: ما كنت لأسبق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان في سفر له، ولمّا جاء وسأله الإمام علي عليه السلام عن اسمها. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما كنت لأسبق ربّي تعالى"، فهبط جبرائيل عليه السلام وقال له: "سمّ هذه المولودة: زينب، فقد اختار الله لها هذا الاسم".
ثمّ أخبره جبرائيل عليه السلام بما يجري عليها من المصائب، فبكى صلى الله عليه وآله وسلم ، وقال: "من بكى على مصائب هذه البنت، كان كمن بكى على أخويها: الحسن والحسين".
كنيتها وألقابها عليها السلام:
كنيتها: "أم كلثوم" و "أم الحسن".
و أشهر ألقابها الحوراء, أم المصائب, عقيلة الطالبيين، الغريبة, العالمة غير المعلمة, عابدة آل علي، الطاهرة.
و تلقب بالعقيلة، والعقيلة هي المرأة الكريمة على قومها العزيزة في بيتها، النفيسة والمخدرة.
وقد سُمّيت أم المصائب، وحق لها أن تسمّى بذلك ، فقد شاهدت مصيبة
وفاة جدّها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وشهادة أمّها السيدة الزهراء عليها السلام، وشهادة أبيها أمير المؤمنين عليه السلام، وشهادة أخيها الحسن عليه السلام، وأخيراً المصيبة العظمى، وهي شهادة أخيها الحسين عليه السلام، في واقعة الطف مع باقي الشهداء (رضوان الله عليهم).
كان أمير المؤمنين يرد الطالبين بزواجها وعندما تقدم عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وهو الكفؤ لعقيلة بني هاشم الذي لُقب بـ(بحر الجود)، وافق أمير المؤمنين على زواجه منها..
وللسيدة زينب خمسة أولاد، أربعة من الذكور هم علي، عون، محمّد وعباس، ولها عليه السلام ابنة تُدعى أم كلثوم.
عبادتها عليها السلام:
كانت السيدة زينب عليها السلام ثانية أمها الصديقة الزهراء عليه السلام في العبادة والتهجد والذكر, فكانت صوّامة قوامة, قانتة لله تعالى تائبة إليه, تقضي أكثر لياليها متهجدة تالية للقرآن الكريم, ولم تترك كل ذلك حتى في أشد الليالي ليلة الحادي عشر من محرم. وعن الفاضل النائيني البرجردي: أن الحسين عليه السلام لما ودع أخته زينب وداعه الأخير قال لها: "يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل".
دورها بعد كربلاء:
شهدت السيدة زينب عليها السلام كربلاء بكل مآسيها، حيث قُتل أبناؤها وأخوتها وأقمار بني هاشم أمام عينيها. ولكنها بقيت صابرة محتسبة عند الله ما جرى. ويبرز دورها (سلام الله عليها) في رعايتها للنساء وللأطفال، وقد برز دورها في محطات عدة:
خطبتها في الكوفة
قدمت قافلة السبايا إلى الكوفة بعد الإمام مقتل الحسين عليه السلام، ومعهم الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر إليهم، فصارت نساء الكوفة يبكين وينشدن، فسمعت السيدة زينب عليها السلام الإمام عليّ بن الحسين عليهما السلام يقول: إنّ هؤلاءِ النسوةَ يبكينَ، فمن قتلنا؟ !
فبدأت السيدة زينب عليها السلام خطبة بليغة نذكر منها:
"..أما بعدُ ، يا أهلَ الكوفةِ ، يا أهلَ الخَتَلِ والغَدْرِ والخَذْلِ. ألَا فلا رقأتِ العبرةُ ولا هدأَتِ الزفرة... تدرونَ ـ ويلَكُم ـ أيَّ كبدٍ لمحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم فَرَيْتُم ؟!
وأيَّ عهدٍ نَكَثْتُم ؟!
وأيَّ كريمةٍ لَهُ أبرزتُم ؟!
وأيَّ حرمةٍ لهُ هتكتُم ؟!
وأيَّ دمٍ لهُ سفكتُم ؟!
لقد جئتُم شيئاً إدّاً ، تكادُ السماواتُ يتفطَّرْنَ منهُ، وتنشقُ الأرضِ، وتخرُّ الجبالُ هداً ؟!"
خطبتها في مجلس ابن زياد:
حين سألها ابن زياد: كيفَ رأيتِ فعلَ اللهِ بأهلِ بيتكِ ؟!
فقالت: ما رأيتُ إلا جميلاً، هؤلاءِ قومٌ كَتَبَ اللهُ عليهمُ القتلَ، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمَعُ اللهُ بينَكَ وبينهُمْ فتحاجونَ إليهِ وتختصمون عندَهُ فانظرْ لِمَنِ الفلجَ يومئذٍ، ثكلتْكَ أمُّكَ يا بنَ مرجانة!!
وانتهى موقف السيدة زينب عليها السلام إلى فضح القتلة وتبيين مقام شهداء كربلاء وقرابتهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
تمنع الأطفال من أخذ الصدقة
" حينما دخلت قافلة السبايا إلى الكوفة كان أثر الإجهاد والإعياء والإرهاق واضحاً على الأطفال والصبية في القافلة، كما كانوا يعانون من الجوع... ولاحظت ذلك بعض نساء أهل الكوفة، فصرن يقدمن التمر والخبز إلى الأطفال والسبايا، لكن السيدة زينب عليها السلام رفضت ذلك ومنعت الأطفال عن تناول صدقات الناس قائلة:" إنَّ الصدقةَ حرامٌ علينا أهلَ البيت".
وفاتها:
توفّيت السيدة زينب عليها السلام في 15 رجب في دمشق الشام سنة 62هـ على أصحّ الأقوال، ودُفنت في ضواحي دمشق في قرية يقال لها راوية، ولها مزار يناسب جلالتها وعظمتها. وهناك قول أنها دُفنت في مصر، ولها هناك أيضاً مقام يؤمه الناس ويتبركون به.
قيل فيها:
- قال فيها ابن أخيها الإمام علي بن الحسين عليه السلام: "أنتِ بحمدِ اللهِ عالمةٌ غيرُ معلَّمةٍ وفهمةٌ غيرُ مفهَّمةٍ".
- يقول الإمام الخامنئي دام ظله: "مقارنةٌ مختصرةٌ بين زينبَ الكبرى وبينَ زوجةِ فرعون يمكنُ أن تجلي لنا عظمةَ مقامِ السيدةِ زينبَ الكبرى. زوجةُ فرعون حينما كانَتْ تحتَ ضغوطِ التعذيبِ الفرعوني قالت ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ﴾ والواقعُ أنها طلبَتِ الموتَ وأرادَتْ أنْ تفارقَ الحياة.
أما السيدة زينبُ عليها السلام فقدْ رأتْ بعينيها يومَ عاشوراءَ كلَّ أحبتها يسيرونَ إلى المذبح ويستشهدونَ، هجومُ الأعداءِ وهتكُ الحرماتِ ومسؤوليةُ رعاية الأطفال والنساء. مقابل كل هذه المصائب لم تقُلْ السيدةُ زينبُ عليها السلام (ربّ نجّني) بل قالت: "اللهمَّ تقبّلْ منا هذا القربان".
أم المصائب عليها السّلام
إذا نابك الدهر لا تعجب * فليس على الدهر من متعب
ولا تغترر بابتساماته * فبالناب يغدر والمخلب
وكن جلدا عند دهم الخطوب * فمن يرتدي الصبر لم يغلب
وإن دهمتك صروف الزمان * تذكر عقيلة آل النبي
تذكر مصائبها سلوة * وحمر الدموع عليها اسكب
فكل النوائب تسلى لدى * نوائب خير النسا زينب
وناهيك أرزاؤها في الطفوف * فمهما تحدثت لم تكذب
رزايا يحار لديها الصبور * احتمالا ومنها يشيب الصبي
وقد قابلتها بكظم الوصي * وصبر البتول وحلم الوصي
إلى أن قضت وهي حلف الاسى * بصبر لدى الدهر لم ينضب
فيا قلب ذب بعدها حسرة * ويا عين فيضي لها واسكبي
سُمّيت أم المصائب ، وحق لها أن تسمّى بذلك ، فقد شاهدت مصيبة وفاة جدّها النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وشهادة أمّها الزهراء ( عليها السلام ) ، وشهادة أبيها أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وشهادة أخيها الحسن ( عليه السلام ) ، وأخيراً المصيبة العظمى ، وهي شهادة أخيها الحسين ( عليه السلام ) ، في واقعة الطف مع باقي الشهداء.
السيدة زينب عليها السّلام والشعائر الحسينية:
قد اهتمت السيدة زينب (عيها السلام) بالشعائر الحسينية أكبر اهتمام، فعلاً وقولاً وتقريراً: فبكت، وأبكت، ولطمت وجهها، وضربت رأسها بمقدم المحمل حتى جرى الدم، وخطبت خطباً، وأنشأت أشعاراً، وعقدت مجالس العزاء والبكاء على الإمام أبي عبد الله الحسين عليه السلام .
ففي صبيحة عاشوراء حينما كانت عند ابن أخيها الإمام السجاد عليه السلام تمرضه، سمعت أخاها الإمام الحسين عليه السلام يقول: يا دهر أفٍّ لك من خليـل كم لك بالإشراق و الأصيل إلى أخر الأبيات.. يعيدها المرتين أو الثلاثة، فلم تمتلك نفسها أن وثبت وخرجت حتى انتهت إليه (عليه السلام) منادية: واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة، اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن، يا خليفة الماضين وثمال الباقين.. فنظر إليها الإمام الحسين عليه السلام وترقرقت عيناه بالدموع قائلاً لها: يا أُخيّة.. لو ترك القطا يوماً لنام، فقالت:يا وليتاه … ذلك أقرح لقلبي وأشد على نفسي، ثم لطمت.....
ولما كان اليوم الحادي عشر وأراد ابن سعد حمل النسوة والأسرى من آل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى الكوفة، طلبن النسوة أن يمروا بهن على مصرع أبي عبد الله عليه السلام والشهداء، فمروا بهن، فلما نظرن إلى القتلى صحن ولطمن الوجوه، وأخذت زينب (عليها السلام) تندب أخاها الحسين (عليه السلام) وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب: يا محمداه، صلّى عليك مليك السماء، هذا حسينك مرمَّل بالدماء، مقطَّع الأعضاء، وبناتك سبايا، و إلى الله المشتكى… ثم بسطت يديها تحت بدنه المقدس ورفعته نحو السماء وقالت: إلهي تقبَّل منَّا هذا القربان، وفي الحديث: انها أبكت والله كل عدوٍّ وصديق.
ويصور شاعر خطابها حين رأت رأس الحسين عليه السلام فوق الرمح:
يا هلالاً لمّا استتمَّ كمالا ** غاله خسفه فأبدا غروبا
ما توهَّمتُ يا شقيق فؤادي ** كان هذا مقدَّراً مكتوبا
........
انتهى/278