وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر :
الأحد

١ يونيو ٢٠١٤

٩:٣٠:٠٤ م
612947

في ذكری ميلاده..إنطباعات عن شخصية أبو الفضل العباس (ع)

احتلّ أبو الفضل (عليه السلام) قلوب العظماء ومشاعرهم، وصار أنشودة الاَحرار في كلّ زمان ومكان، وذلك لما قام به من عظيم التضحية تجاه أخيه سيّد الشهداء (ع)، الذي ثار في وجه الظلم والطغيان، وبنى للمسلمين عزّاً شامخاً، ومجداً خالداً.

احتلّ أبو الفضل (عليه السلام) قلوب العظماء ومشاعرهم، وصار أنشودة الاَحرار في كلّ زمان ومكان، وذلك لما قام به من عظيم التضحية تجاه أخيه سيّد الشهداء (ع)، الذي ثار في وجه الظلم والطغيان، وبنى للمسلمين عزّاً شامخاً، ومجداً خالداً.

وفيما يلي بعض الكلمات القيّمة التي أدلى بها بعض الشخصيات الرفيعة في حقّ أبي الفضل (عليه السلام).

أولاً: الاِمام زين العابدين عليه السلام

أمّا الاِمام زين العابدين (ع) فهو من المؤسسين للتقوى والفضيلة في الاِسلام، وكان هذا الاِمام العظيم يترحّم ـ دوماً ـ على عمّه العبّاس (ع) ويذكر بمزيد من الاِجلال والاِكبار تضحياته الهائلة لاَخيه الحسين (ع) وكان مما قاله في حقّه هذه الكلمات القيّمة:

"رحم الله عمّي العباس (ع)، فلقد آثر وأبلى، وفدى أخاه بنفسه، حتى قُطعت يداه، فأبدله الله بجناحين، يطير بهما مع الملائكة في الجنّة، كما جعل لجعفر بن أبي طالب، وان للعبّاس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة.."(1).

وألمّت هذه الكلمات بأبرز ما قام به أبو الفضل من التضحيات تجاه أخيه أبي الاَحرار الاِمام الحسين (ع)، فقد أبدى في سبيله من ضروب الاِيثار وصنوف التضحية ما يفوق حدّ الوصف، وما كان به مضرب المثل على امتداد التاريخ، فقد قطعت يداه الكريمتان يوم الطفّ في سبيله، وظلّ يقاوم عنه حتى هوى إلى الاَرض صريعاً، وان لهذه التضحيات الهائلة عند الله منزلة كريمة، فقد منحه من الثواب العظيم، والاَجر الجزيل ما يغبطه عليه جميع شهداء الحقّ والفضيلة في دنيا الاِسلام وغيره.

ثانياً: الاِمام الصادق عليه السلام

أمّا الاِمام الصادق (ع) فهو العقل المبدع والمفكّر في الاِسلام فقد كان هذا العملاق العظيم يشيد دوماً بعمّه العبّاس (ع)، ويثني ثناءً عاطراً ونديّاً على مواقفه البطولية يوم الطفّ، وكان مما قاله في حقّه:

"كان عمّي العبّاس بن علي (ع) نافذ البصيرة، صُلب الاِيمان، جاهد مع أخيه الحسين، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً.. "(2).

وتحدّث الاِمام الصادق (ع) عن أنبل الصفات الماثلة عند عمّه العبّاس والتي كانت موضع إعجابه وهي:

1 ـ نفاذ البصيرة:

أمّا نفاذ البصيرة، فانها منبعثة من سداد الرأي، وأصالة الفكر، ولا يتّصف بها إلاّ من صفت ذاته، وخلصت سريرته، ولم يكن لدواعي الهوى والغرور أي سلطان عليه، وكانت هذه الصفة الكريمة من أبرز صفات أبي الفضل فقد كان من نفاذ بصيرته، وعمق تفكيره مناصرته ومتابعته لاِمام الهدى وسيّد الشهداء الاِمام الحسين (ع)، وقد ارتقى بذلك إلى قمّة الشرف والمجد، وخلدت نفسه العظيمة على امتداد التأريخ، فما دامت القيم الاِنسانية يخضع لها الاِنسان، ويمجّدها فأبو الفضل قد بلغ قمّتها وذروتها.

2 ـ الصلابة في الاِيمان:

والظاهرة الاَخرى من صفات أبي الفضل (ع) هي الصلابة في الاِيمان وكان من صلابة إيمانه انطلاقه في ساحات الجهاد بين يدي ريحانة رسول الله مبتغياً في ذلك الاَجر عند الله، ولم يندفع إلى تضحيته بأي دافع من الدوافع المادية، كما أعلن ذلك في رجزه يوم الطفّ، وكان ذلك من أوثق الاَدلة على إيمانه.

3 ـ الجهاد مع الحسين:

وثمّة مكرمة وفضيلة أخرى لبطل كربلاء العباس (ع) أشاد بها الاِمام الصادق (ع) وهي جهاده المشرق بين يدي سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وسيّد شباب أهل الجنّة، ويعتبر الجهاد في سبيله من أسمى مراتب الفضيلة التي انتهى إليها أبو الفضل (ع)، وقد أبلى بلاءً حسناً يوم الطفّ لم يشاهد مثله في دنيا البطولات.

4 ـ زيارة الاِمام الصادق عليه السلام

زار الاِمام الصادق (ع) أرض الشهادة والفداء كربلاء، وبعدما انتهى من زيارة الاِمام الحسين (ع) وأهل بيته والمجتبين من أصحابه، انطلق بشوق إلى زيارة قبر عمّه العبّاس (ع)، ووقف على المرقد المعظّم، وزاره بالزيارة التالية التي تنمّ عن سموّ منزلة العبّاس (ع)، وعظيم مكانته، وقد استهلّ زيارته بقوله:

"سلام الله، وسلام ملائكته المقرّبين، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، وجميع الشهداء والصدّيقين والزاكيات الطيّبات فيما تغتدي وتروح عليك يا ابن أمير المؤمنين..".

لقد استقبل الاِمام الصادق (ع) عمّه العباس (ع) بهذه الكلمات الحافلة بجميع معاني الاِجلال والتعظيم، فقد رفع له تحيات من الله وسلام ملائكته، وأنبيائه المرسلين، وعباده الصالحين، والشهداء، والصدّيقين، وهي أندى وأزكى تحيّة رفعت له، ويمضي سليل النبوّة الاِمام الصادق (ع) في زيارته قائلاً:

"أشهد لك بالتسليم، والتصديق، والوفاء، والنصيحه لخلف النبيّ المرسل، والسبط المنتجب، والدليل العالم، والوصي المبلّغ والمظلوم المهتضم..".

وأضفى الاِمام الصادق (ع) بهذا المقطع أوسمة رفيعة على عمّه العبّاس (ع) هي من أجلّ وأسمى الاَوسمة التي تضفى على الشهداء العظام، وهي:

التسليم:

وسلّم العباس (ع) لاَخيه سيّد الشهداء الاِمام الحسين (ع) جميع أموره، وتابعه في جميع قضاياه حتّى استشهد في سبيله، وذلك لعلمه بإمامته القائمة على الاِيمان الوثيق بالله تعالى، وعلى أصالة الرأي وسلامة القصد، والاِخلاص في النيّة.

التصديق:

وصدّق العبّاس (ع) أخاه ريحانة رسول الله (ص) في جميع اتجاهاته، ولم يخامره شكّ في عدالة قضيّته، وانّه على الحق، وان من نصب له العداوة وناجزه الحرب كان على ضلال مبين.

الوفاء:

من الصفات الكريمة التي أضافها الاِمام الصادق (ع) على عمّه أبي الفضل (ع)، الوفاء؛ فقد وفى ما عاهد عليه الله من نصرة إمام الحق أخيه أبي عبدالله الحسين (ع)، فقد وقف إلى جانبه في أحلك الظروف وأشدّها محنة وقسوة، ولم يفارقه حتى قطعت يداه، واستشهد في سبيله.

لقد كان الوفاء الذي هو من أميز الصفات الرفيعة عنصراً من عناصر أبي الفضل وذاتياً من ذاتياته، فقد خُلِق للوفاء والبرّ للقريب والبعيد.

النصيحة:

وشهد الاِمام الصادق بنصيحة عمّه العبّاس لاَخيه سيّد الشهداء (ع)، فقد أخلص له في النصيحة على مقارعة الباطل، ومناجزة أئمّة الكفر والضلال، وشاركه في تضحياته الهائلة التي لم يشاهد العالم مثلها نظيراً في جميع فترات التاريخ... ولننظر إلى بند آخر من بنود هذه الزيارة الكريمة، يقول (ع):

"فجزاك الله عن رسوله، وعن أمير المؤمنين، وعن الحسن والحسين صلوات الله عليهم أفضل الجزاء بما صبرت، واحتسبت، وأعنت فنعم عقبى الدار..".

وحوى هذا المقطع على إكبار الاِمام الصادق (ع) لعمّه العبّاس (ع) وذلك لما قدّمه من الخدمات العظيمة، والتضحيات الهائلة لسيّد شباب أهل الجنّة، وريحانة رسول الله (ص) الاِمام الحسين (ع) فقد فداه بروحه، ووقاه بمهجته، وصبر على ما لاقاه في سبيله من المحن والشدائد مبتغياً في ذلك الاَجر عند الله، فجزاه الله عن نبيّه الرسول الاَعظم (ص) وعن باب مدينته الاِمام أمير المؤمنين (ع)، وعن الحسن والحسين (ع) أفضل الجزاء على عظيم تضحياته.

ويستمرّ مجدّد الاِسلام الاِمام الصادق (ع) في زيارته لعمّه العبّاس (ع)، فيذكر صفاته الكريمة، وما له من المنزلة العظيمة عند الله تعالى، فيقول بعد السلام عليه:

"أشهد، وأُشهد الله أنّك مضيت على ما مضى به البدريون والمجاهدون في سبيل الله، المناصحون له في جهاد أعدائه، المبالغون في نصرة أوليائه، الذابّون عن أحبّائه، فجزاك الله أفضل الجزاء وأوفى الجزاء، وأوفى جزاء أحد ممن وفي ببيعته، واستجاب لدعوته، وأطاع ولاة أمره...".

لقد شهد الاِمام الصادق (ع) العقل المفكّر والمبدع في الاِسلام، واشهد الله تعالى على ما يقول:

من أنّ عمّه أبا الفضل العبّاس (ع) قد مضى في جهاده مع أخيه أبي الاَحرار الاِمام الحسين (ع)، على الخطّ الذي مضى عليه شهداء بدر الذين هم من أكرم الشهداء عند الله فهم الذين كتبوا النصر للاِسلام، وبدمائهم الزكية ارتفعت كلمة الله عالية في الاَرض وقد استشهدوا وهم على بصيرة من أمرهم، ويقين من عدالة قضيّتهم، وكذلك سار أبو الفضل العبّاس (ع) على هذا الخطّ المشرق، فقد استشهد لاِنقاذ الاِسلام من محنته الحازبة، فقد حاول صعلوك بني أميّة حفيد أبي سفيان أن يمحو كلمة الله، ويلف لواء الاِسلام، ويعيد الناس لجاهليتهم الاَولى، فثار أبو الفضل (ع) بقيادة أخيه أبي الاَحرار في وجه الطاغية السفّاك، وتحققت بثورتهم كلمة الله العليا في نصر الاِسلام وإنزال الهزيمة الساحقة بأعدائه وخصومه.

ويستمرّ الاِمام الصادق (ع) في زيارته لعمّه العباس (ع) فيسجّل ما يحمله من إكبار وتعظيم، فيقول عليه السلام:

"أشهد أنّك قد بالغت في النصيحة، وأعطيت غاية المجهود فبعثك الله في الشهداء، وجعل روحك مع أرواح السعداء، وأعطاك من جنانه أفسحها منزلاً، وأفضلها غرفاً، ورفع ذكرك في علّيين وحشرك مع النبّيين، والصديقين والشهداء، والصالحين، وحسن أُولئك رفيقاً. أشهد أنّك لم تهن ولم تنكل، وانّك مضيت على بصيرة من أمرك، مقتدياً بالصالحين، ومتبعاً للنبيّين، فجمع الله بيننا، وبينك وبين رسوله وأوليائه في منازل المخبتين، فانّه أرحم الراحمين.. "(3).

ويلمس في هذه البنود الاَخيرة من الزيارة مدى أهميّة العبّاس (ع)، وسموّ مكانته عند إمام الهدى الاِمام الصادق (ع)، وذلك لما قام به هذا البطل العظيم من خالص النصيحة، وعظيم التضحيّه لريحانة رسول الله (ص) الاِمام الحسين (ع)، كما دعا الاِمام له ببلوغ المنزلة السامية عند الله التي لا ينالها إلاّ الاَنبياء، واوصيائهم، ومن أمتحن الله قلبه للاِيمان.

ثالثاً: الاِمام الحجّة عليه السلام

وأدلى الاِمام المصلح العظيم بقيّة الله في الاَرض قائم آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بكلمة رائعة في حقّ عمّه العبّاس (ع) جاء فيها:

"السلام على أبي الفضل العبّاس ابن أمير المؤمنين، المواسي أخاه بنفسه، الآخذ لغده من أمسه، الفادي له، الواقي، الساعي إليه بمائه، المقطوعة يداه، لعن الله قاتليه يزيد (4) بن الرّقاد (5)، وحكيم بن الطفيل الطائي.. "(6).

وأشاد بقيّة الله في الاَرض بالصفات الكريمة الماثلة في عمّه قمر بني هاشم وفخر عدنان، وهي:

1 ـ مواساته لاَخيه سيّد الشهداء (ع)، فقد واساه في أحلك الظروف، وأشدّها محنة وقسوة، وظلّت مواساته له مضرب المثل على امتداد التاريخ.

2 ـ تقديمه أفضل الزاد لآخرته، وذلك بتقواه، وشدّة تحرّجه في الدين، ونصرته لاِمام الهدى (ع).

3 ـ تقديم نفسه، واخوته، وولده فداءً لسيّد شباب أهل الجنّة الاِمام الحسين (ع).

4 ـ وقايته لاَخيه المظلوم بمهجته.

5 ـ سعيه لاَخيه وأهل بيته بالماء حينما فرضت سلطات البغي والجور الحصار على ماء الفرات من أن تصل قطرة منه لآل النبيّ (ع).

رابعاً: الشعراء

وهام الاَحرار من شعراء أهل البيت (ع): بشخصية أبي الفضل التي بلغت قمّة الشرف والمجد، وسجّلت صفحات من النور في تاريخ الاَمّة الاِسلامية، وقد نظموا في حقّه روائع الشعر العربي إكباراً وإعجاباً بمثله الكريمة، فيما يلي بعضهم.

1 ـ الكُمَيْت

أمّا شاعر الاِسلام الاَكبر الكُميت الاَسدي فقد انطبع حبّ أبي الفضل في أعماق نفسه، وقد تعرّض لمدحه في إحدى هاشمياته الخالدة قال:

وأبو الفضل إنّ ذكرهم الحلو         شفاء النفوس من استقام(7)

إنّ ذكر أبي الفضل العباس (ع)، وسائر أهل البيت (ع): حلو عند كل شريف لاَنّه ذكر للفضيلة والكمال المطلق، كما أنّه شفاء للنفوس من أسقام الجهل والغرور، وسائر الاَمراض النفسية.

2 ـ الفضل بن محمد

من الشعراء الملهمين الذين هاموا بشخصية أبي الفضل (ع) هو حفيده الشاعر الكبير الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيدالله (8) بن العباس فقد قال:

إني لاَذكــر للعبّــاس موقفه         بكربــلاء وهامُ القوم ِ يُختطف

يحمي الحسين ويحميه على ظمأ         ولا يـولّـي ولا يثنـي فيختلف

ولا أرى مشهـداً يوماً كمشهده         مع الحسين عليه الفضل والشرف

أكرم به مشهداً بانت فضيلته         وما أضاع له أفعاله خلف

وصوّرت هذه الاَبيات شجاعة أبي الفضل (ع) وما قام به من دور مشرق يدعو إلى الاعتزاز والفخر في حماية أخيه أبي الاَحرار، ووقايته له بمهجته، وسقايته له ولاَفراد عائلته وأطفاله بالماء، فلم يكن هناك مشهد أفضل ولا أسمى من هذا الموقف الرائع الذي وقفه أبو الفضل مع أخيه أبي عبدالله (ع)... وقد استولت مواقف أبي الفضل (ع) على حفيده الفضل فهام بها ورثاه بذوب روحه، وكان من رثائه له هذه الاَبيات الرقيقة:

أحقُّ النـاس أن يـُبكى عليه         فتىً أبكى الحسين بكربـلاء

أخوه وابـن والده علــي ٍ         أبو الفضل المضرّج بالدماء

ومن واسـاه لا يثنيه شيءٌ         وجادله على عطش بماء(9)

نعم ان أحق الناس أن يمجد ويبكى على ما حلّ به من رزء قاصم هو أبوالفضل (ع) رمز الاِباء والفضيلة، فقد رزئ الاِمام الحسين (ع) بمصرعه، وبكاه أمرّ البكاء لاَنّه فقد بمصرعه أبرّ الاِخوان، وأعطفهم عليه.

3 ـ السيّد راضي القزويني

وهام الشاعر العلوي السيّد راضي القزويني بشخصية أبي الفضل (ع) قال:

أبا الفضل يا من أسس الفضل والاِبا         أبى الفضل إلاّ أن تكون لـه أبـا

تطـلّبُ أسبـاب العلـى فبلغتها         وما كل ساع ٍ بالغ ٌ ما تطـلّبـا

ودون احتمال الضيم عزّ ومنعة         تخيرت أطراف الاَسنّة مركبا (10)

انّ أبا الفضل (ع) من المؤسسين للفضل والاِباء في دنيا العرب والاِسلام فقد سما إلى طرق المجد، وأسباب العلى، فبلغ قمّتها، وقد تخير أطراف الاَسّنة والرماح حتى لا يناله ذلّ، ولا ضيم.

4 ـ محمد رضا الاَزري

وأشاد الشاعر الكبير الحاج محمد رضا الاَزري في رائعته بالمثل الكريمة التي تحلّى بها قمر بني هاشم (ع)، والتي احتلت عواطف الاَحرار ومشاعرهم إذ يقول:

فانهض الى الذكر الجميل مشمّراً         فالذِ ّكرُ أبقى ما اقتنتـه كِرامها

أوما أتاك حديث وقعة كربــلا         أنّى وقـد بلـغ السمـاء قتامها

يوم أبو الفضل استجار به الهدى         والشمس من كدر العجاج لثامها

ودعا الاَزري بالبيت من رائعته إلى اقتناء الذكر الجميل الذي هو من أفضل المكاسب التي يظفر بها الاِنسان فانه أبقى، وأخلد له، ودعا بالبيت الثاني إلى التأمّل والاستفادة من واقعة كربلاء التي تفجّرت من بركان هائل من الفضائل والمآثر لآل النبيّ (ص)، وعرج بالبيت الثالث على أبي الفضل العبّاس (ع) الذي استجار به سبط النبيّ (ص) وريحانته، ولنستمع إلى ما قام به العبّاس من النصر والحماية لاَخيه، يقول الاَزري:

فحمى عرينتـه ودمدم دونها         ويذبُّ من دون الشـَّرى ضِرغامها

والبيضُ فوق البيض ِ تحسب وقعها         زجل الرُّعود إذا اكفهرّ غـِمامها

من باسل ٍ يلقـى الكتيبـة َ باسمـاً         والشّوسُ يرشـحُ بالمنية ِ هامُها

وأشَـمُّ لا يحتـلُّ دار هضيمــة ٍ         أو يستقلّ على النـُّجـوم رغامـُها

أو لم تكن تـدري قريـش أنّــه         طــلّاع كلِّ ثنيَّـة ٍ مِقدامُهــا (11)

وهذه الاَبيات منسجمة كل الانسجام مع بطولات أبي الفضل (ع)، فقد صوّرت بسالته، وما قام به من دور مشرف في حماية أخيه أبي الاَحرار فقد انبرى كالاَسد يذبّ عن أخيه في معركة الشرف والكرامة، غير حافل بتلك الوحوش الكاسرة التي ملاَت البيداء دفاعاً عن ذئاب البشرية، وقد انطلق أبوالفضل (ع) باسماً في ميادين الحرب وهو يحطّم أنوف أُولئك الاَوغاد ويجرّعهم غصص الموت في سبيل كرامته وعزّة أخيه، وقد استبان للقبائل القرشية في هذه المعركة ان أبا الفضل طلاع كل ثنية، وانه ابن من أرغمها على الاِسلام وحطّم جاهليتها وأوثانها.

5 ـإبراهيم حسين الطباطبائي

هو السيد ابراهيم ابن السيد حسين ابن السيد رضا ابن السيد مهدي بحر العلوم (12) (المتولد سنة 1248هـ، و المتوفي سنة 1319 هـ).

قـِف بالطفوف و سل بها أفواجها         و أثـِر ابا الفضل المـُثير عجاجها

إن ارتجتْ بابٌ تلاحك بالقنا         بالسيف دون أخيه فكّ رتاجها

جلّى لها قمراً لهاشم سافراً         ردَّ الكتائبَ كاشفاً أرْهاجها

و مشى لها مشيَ السـَّبَـنـْتـَى (13)مـُخدداً         قد هاجَ من بعد الطـَّوى فأهاجها

أبكيك مـُنجدلاً بأرض ٍ قفرةٍ         بك قد رفعت على السماء فجاحها

أبكيك مبكى الفاقدات جنينها         ذكَرتْ فهاج رنينها مـَنْ هاجها

أبكيك مقطوع اليدين بعلقم ٍ         أجرَتْ يداك بعذبه أمواجها

و بـِرَغـْم ِ أنفِ الدِّين منك بموكب ٍ         تقضي سُيوفُ بني اميّة حاجَها

إن زغت يا عصب الضلال فإنما         أطفأت من سـُرُج ِ الهدى وهّاجها

بهجتْ بك الدنيا و عادَك عيدُها         و بـِودّها لو أن تـُعِدْ إبهاجها

قد كنت دُرّتَها على إكليلها         قد زيّنت بك في المفارق تاجها (14)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) : الخصال: 68، الحديث 101.

(2) : ذخيرة الدارين: 123 و معالي السبطين: 1 : 434.

(3) : كامل الزيارات: 440، باب 85، الحديث 1.

(4) : كذا، و في كتب السير: " زيد ".

(5) : كذا و في المصادر، و في بحار الانوار: " وقاد ".

(6) : إقبال الأعمال: 73:3. مصباح الزائر: 425. المزار الكبير: 485. بحار الانوار: 64:45.

(7) الهاشميات: 25، ومن الغريب أن الشارح لهذا الديوان قال: ان المراد بأبي الفضل هو العباس بن عبد المطلب.

(8): هو ابو العباس بن محمد، كان يوصف بالكمال و المروّة و الجمال، و الورع و الشجاعة، أمير المدينة أيّام بني العبّاس، مات و له 55 سنة. سر السلسلة العلوية:89، المجدي في أنساب الطالبيين: 231، لباب الانساب 357:1، الشجرة المباركة : 184.

(9): هذه الابيات للفضل بن محمد بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن علي عليهما السلام. إنظر: مقاتل الطالبين: 84. شرح الاخبار: 193:3. اللهوف: 70. لواعج الأشجعان: 180. الغدير:5:3.

(10): أعيان الشيعة: 443:6.

(11): رياض المدح و الرثاء.

(12): بحر العلوم: لقب السيد مهدي جد الاسرة المعروفة اليوم في النجف بـ( آل بحر العلوم) و هي الاسرة العلمية الشهيرة خرج منها العدد الكبير من العلماء و أعيان الفضلاء و الشعراء.

(13): السّبنتى جمعه سبانت و سباتٍ: الجرئ المُقدم، و يطلق على النمر لجرأته. المنجد في اللغة.

(14): ديوان الشاعر: 57.

المصدر:العباس بن علي (ع) رائد الكرامة و الفداء في الاسلام-تأليف المرحوم باقر شريف القرشي وتحقيق مهدي باقر القرشي.

.................

انتهی/212