تصادف اليوم (السبت 2014/05/24) الذكرى السنوية لتحرير خرمشهر من براثن قوات نظام صدام التي عاثت في المدينة فسادا خلال 19 شهرا من احتلالها في 1980، وبهذه المناسبة نستعرض مقتطفات من مراحل تحريرها التي اطلق عليها عمليات "بيت المقدس".
ميناء خرمشهر المطل على السواحل الشمالية للخليج الفارسي كان هدفا مهما لقوات نظام الطاغية صدام لدى دخولها الاراضي الايرانية بهدف اسقاط النظام الثوري الايراني الناشئ في عام 1980 الا ان مقاومة القوات الشعبية والحرس الثوري بمساعدة الجيش جعل هذه المدينة رمزا خالدا في حرب السنوات الثمانية.
في شهر ايلول / سبتمبر انطلقت صفارات الإنذار في طهران بعد انتهاك المقاتلات العراقية للاجواء الايرانية وقصفها عددا من المطارات في العمق الايراني لتعلن بدء حرب طاحنة استمرت 8 سنوات.
ظن الجيش النظام العراقي ان غاراته الجوية ستنهي وجود سلاح الجو الايراني في اليوم الاول للحرب مايسهل التوغل بسهولة في الاراضي الايرانية مستخدما نفس خطة الكيان الاسرائيلي في حرب حزيران عام 1967 ضد الجيش المصري آنذاك الا ان خطته باءت بالفشل.
وتصور الطاغية صدام في بداية الحرب، بحسب معلومات استخبارية قدمها الغربيون، أنه سيتمكن خلال أيام من اعلان بيان انتصار جيشه!.
وفي المراحل الاولى للحرب اكتسبت مدينة خرمشهر قيمة استراتيجية لدى الجيش العراقي لأنها كانت تعد بوابة الدخول إلى محافظة خوزستان الايرانية الغنية بالنفط.
بدأت القوات العراقية الغازية بإطلاق القذائف بكثافة وبصورة عشوائية على المدينة الحدودية الصغيرة ما اسفر عن استشهاد حوالي 480 مدنيا من الاهالي خلال الايام الثلاثة الاولى للحرب فقط، ورغم فداحة الخسائر وضعف التنظيم والتسليح وهول المفاجأة الا ان عشرات الشبان انخرطوا في عمليات مقاومة، ورغم عدم انتظامها واستخدامها اسلحة خفيفة استطاعت وقف تقدم عجلة الماكنة الحربية العراقية خلف اسوار المدينة لمدة 40 يوما قبل احتلالها باستخدام مئات الدبابات والمصفحات والقصف المدفعي والغارات العنيفة، واستمر هذا الحال حتى الاشهر الاولى من عام 1981.
وشكل عام 1981بداية للعمليات العسكرية الناضجة التي امتزجت فيها الخبرة العسكرية مع الحماسة الدينية والسياسية المفعمة بالأمل.
وسبقت عمليات تحرير خرمشهر القيام بعدة عمليات قامت بها القوات الايرانية كانت ابرزها عمليات "ثامن الائمة" التي نجحت في كسر الحصار عن مدينة آبادان المجاورة قبل اشهر من تحرير خرمشهر ماشجع القيادة العسكرية الايرانية على التفكير والتخطيط في القيام بعمليات عسكرية كبرى ترمي لطرد المحتل العراقي من آلاف الكيلومترات على طول المناطق الحدودية.
بدأت عمليات بيت المقدس في 22/ 5/ 1982 بالتزامن مع ذكرى بعثة الرسول (صلى الله عليه وآله سلم) في السابع والعشرين من شهر رجب، واستهدفت استعادة هذه المدينة الإستراتيجية الهامة بالنسبة لايران باعتبارها تشكل منفذا حيويا للبلاد الى مياه الخليج الفارسي.
ونجحت العمليات بالفعل في تحرير خرمشهر على عدة مراحل. وقد ساهم في نجاح هذه العمليات عمليات سبقتها في منطقة دزفول بشمال محافظة خوزستان باسم "والفجر واحد".
1. بدء العمليات في غرب كارون (المرحلة الأولى 4/30/ 1982 )
لم يكن الجيش العراقي يظن أن القوات الايرانية ستنجح في نفس الوقت من اجتياز نهر كارون الذي يمتد في خوزستان ويقطع خرمشهر والوصول إلى طريق أهواز ـ خرمشهر بعملية واحدة حيث أن خسارته لهذا الطريق واستعادة أقسام منه كان سيكلفه غالياً. وحول هذه المرحلة تحدث احد قادة الحرس الثوري حول ظروف المعركة وقال: "كانت الظروف صعبة جداً، ولكن لو كانت الأرض تفتح فماً نتيجة لضغوط العدو وتبتلع مقاتلينا، لما كان أحد منهم يفكر بالانسحاب".
استمرت المقاومة بصورة عنيفة خلال 48 ساعة وأخيراً تحقق وعد الله بالتثبيت والنصر. وسنحت الفرصة للقوات الايرانية العاملة لكي تتمكن من استكمال التحامها والعثور كل منها على مواضعها اللازمة للمرابطة والتغلب على نقاط الضعف، وسد المنافذ وإقامة السواتر الترابية لمنع العدو من القصف بنيران الدبابات المباشرة.
وفي جبهة "كرخة نور" ورغم وجود الخطوط الدفاعية القوية للجيش العراقي الا ان بعض الجنود الايرانيين تمكنوا من احتلال الساتر الترابي الثاني للعدو بعد اجتياز نهر كارون.
وبقيت القوات الايرانية لمدة 48 ساعة وهي تصد هجمات العدو المضادة وبسبب عدم تمكن وحدات ايرانية أخرى من القيام بهجمات مشابهة، صدر إليها أمر بالانسحاب مؤقتاً وعدم البقاء بجناحين مفتوحين لأن ذلك كان سيعزز من قدرة مناورة العدو.
ولهذا السبب لم تحصل نتائج لافتة في المرحلة الأولى سوى تدمير قوات العدو. وبقيت القوات الايرانية في مواضعها الأولى تنتظر الأوامر لكي تقوم بالعمل على جهتين بالتزامن مع تهديد العدو من خلف الحدود بعد أن ضعفت قواته من اجل شطرها على قسمين.
2. المرحلة الثانية من العمليات (6/5/ 1982) (في غرب كارون)
بدأ هجوم القوات الايرانية المتمركزة على طريق أهواز ـ خرمشهر باتجاه الحدود ونجحت في التموضع على بعد 17 كم عن الشريط الحدودي ، واستبسلت في المقاومة أمام هجمات العدو الجنونية المضادة مامكنها من البقاء في مواضعها الجديدة لغاية اليوم التالي.
واثر الخوف الشديد من تغلغل القوات الايرانية الى خلف جبهة القوات العراقية جعل قادتها يصدرون الأوامر بالانسحاب فوراً رغم أنها كانت قد أقامت منشآت وطرق مواصلات بهدف البقاء الدائم في منطقة جفير بالشمال.
ولم تجد هذه القوات حلاً غير الفرار لإنقاذ الفرقة السادسة والقوات الأخرى المرابطة في تلك النواحي بل أن بقاءها في تلك المنطقة سينتهي إلى ارغامها على الاشتباك مع قوة ايرانية تجتاز نهر كرخة من الخلف على الشريط الحدودي.
وكان يعرف العدو بأنه لا يمكنه مواجهة هذا الوضع وأن نتيجته الإبادة وأسر الآلاف من قواته وتدمير معدات كثيرة منه والاستيلاء على كميات عظيمة منها. والعدو كان قد ذاق لدرجة كافية طعم الحصار وعملية الالتفاف القوات حول قواته وذلك خلال عمليات الفتح المبين السابقة، ولم يكن يرغب في تحمل المزيد من هذه النتائج المريرة.
من جهة أخرى، تصورت قيادة الجيش العراقي أن الانسحاب عن المنطقة مرغمة ستمكنها من تحشيد المزيد من القوات والمعدات في محور البصرة ـ خرمشهر للحيلولة دون سقوط خرمشهر ودفع التهديد المحتمل عن البصرة، فالاحتفاظ بخرمشهر كان هدفا مهما للعراق للتغطية على آثار الهزائم السابقة والاحتفاظ بورقة سياسية رابحة.
وفي الساعة الثالثة من فجر يوم (1982/5/8) شهدت ارض المعركة أسرع فرار للجيش العراقي من منطقة "جفير" وعقبته القوات الايرانية لتنتهي العلميات الى تطهير المنطقة منها بشكل كامل كما نجحت في الساعة العاشرة صباحاً من تطهير طريق أهواز ـ خرمشهر تطهيراً كاملاً لكل المناطق التي سقطت في المرحلة الأولى وبذلك اتصلت جميع القوات في الشمال مع الجنوب وهنا أصبح الارتباط التمويني يأتي عبر الطريق المعبد ما عزز وضع التموين بصورة ملحوظة.
وبعد أن ذاق العدو عار الفرار الا انه استطاع إنقاذ حشد كبير من قواته من الدمار، وموضعها على محور شلمجة ـ خرمشهر والطريق المعبد بينهما، وبدأ بتنفيذ هجمات مضادة عنيفة مع قصف مدفعي مستمر وغارات من قبل طائراته.
إعلامية ؛ أما مجلس التعاون الخليجي فإنه وبعد أربعة أيام من البحث خلف الأبواب المغلقة لم يتوصل إلى نتيجة حاسمة بشأن مساعدة صدام بسبب عدم نجاح صدام في إيجاد الأجواء الكاذبة، وتأجل البحث إلى اجتماع الرياض. وبعد عدة أيام استعادت قواتنا من جديد مخفر الشهابي وانقلبت دعايات صدام ضده.
وبعد التمهيدات السابقة بدأت القوات الايرانية بالمرحلة الاخيرة من العمليات في الساعة التاسعة والنصف من 1982/5/22 لتحرير خرمشهر نهائياً. ونجحت القوات الايرانية في صباح اليوم الثاني في العبور من الجسر الجديد والوصول إلى ضفاف نهر اروند ومايسميه العراق شط العرب داخل اراضيه.
كانت خطة العدو الرامية لرفع الحصار عن قواته شن عمليات من غرب شلمجة الحدودية وشرق خرمشهر ولو قدر نجاحها كانت ستفضي إلى تدمير القوات الايرانية في منطقة عرايض وإقامة ارتباط بين القوات العراقية المحاصرة في خرمشهر وباقي القوات.
وأصدرت القوات العراقية التي كانت ترابط على شكل مثلث ابتداء من نهر كارون إلى خرمشهر الاوامر بالانسحاب، والاستعداد للمشاركة في العمليات. وخلال انسحابه دمر العدو كميات كبيرة من عتاده ومن جملة ذلك دمر مستودعاً للواء 48 المشاة ماكشف ضعف معنوياته في الاحتفاظ بخرمشهر.
واختلف العسكريون العراقيون المحاصرون حيث رأى فريق منهم عدم جدوى المقاومة ومالوا الى الاستسلام فيما رأى الفريق الثاني المقاومة، وكان العامل المؤثر في دعم وجهة النظر هذه، هو قائد القوات العراقية في خرمشهر العقيد أحمد زيدان آنذاك، إذ أنه كان يجري اتصالات مستمرة بواسطة لا سلكي بعيد المدى مع قائد الفرقة الحادية عشرة.
على كل حال واجه هجوم العدو من غرب (شلمجة) الفشل رغم إصرار القيادة العراقية عليه إصراراً كبيراً، وفي النهاية أجبر العدو على الفرار والانسحاب وقد مشى العقيد زيدان على ساحة ألغام وقتل ماجعل المقاومة شبه مستحيلة.
3- المرحلة الاخيرة من عمليات بيت المقدس..
في 1982/5/24 سلم عدد من الضباط والجنود العراقيين أنفسهم ومن ثم تبعتها أعداد أخرى بلغت الالاف، وأصبح طابور الذين سلموا أنفسهم 12400.
وفي الساعة الحادية عشرة من ذات اليوم عادت خرمشهر إلى أحضان ايران الإسلامية بعد عمليات استغرقت أقل من 48 ساعة أي منذ تحرك القوات الايرانية لمحاصرتها وتحقق الأمر الذي كان يبدو مستحيلاً في بداية الحرب.
.................
انتهى/212
المصدر :
السبت
٢٤ مايو ٢٠١٤
٥:٣٦:٢٦ م
610994
ميناء خرمشهر المطل على السواحل الشمالية للخليج الفارسي كان هدفا مهما لقوات نظام الطاغية صدام لدى دخولها الاراضي الايرانية بهدف اسقاط النظام الثوري الايراني الناشئ في عام 1980 الا ان مقاومة القوات الشعبية والحرس الثوري بمساعدة الجيش جعل هذه المدينة رمزا خالدا في حرب السنوات الثمانية.