الحديث عن الثورة الإسلامية الإيرانية ودورها في تنمية مسيرة الصحوة الإسلامية، هو حديث عن الإسلام الرسالي في حركته ونهجه وتطبيقه العملي، في حيوية أجوائه وغنى مفاهيمه وقيمه الروحية والمعنوية.هو حديث عن المرجعية الفذّة والقيادة الصالحة التي انعكست فيها كل المقدمات العلمية والعملية للإنسان الرباني الذي لايخشى في الله لومة لائم..وهو أيضاً حديث عن الثورة النموذجية التي لم ير المتطلعون والمتعطشون نظيراً لها إلا في ثورات الأنبياء والأئمة(ع).وبديهي أن الثورة التي تملك مثل هذه المقومات وتملك أن تكون أسوة ونموذجاً للمظلومين والمستضعفين على امتداد العالم.. لايمكن أن تكون محصورة في ظرفها الزماني والمكاني.. بل تتجاوز مع فعالية تأثيرها الغير مباشر الظروف الزمنية والمحلية تلقائياً..وأنه بالالتفات إلى مقدمات أجواء ولادة هذه الثورة المباركة بعد فصول طويلة لأزمة الاستبداد والظلم والتحدي نجد أنه:في آذار عام/1967 نشرت صحيفة التايمز كلاماً للمستشرق الإيطالي مونتغمري وات قال فيه (إذا وجد القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظيمة في العالم مرة أخرى).وفي العام /1979 كتبت صحيفة الصنداي تايمز تصف وقع شخص الإمام الخميني(رض) وحضوره على الساحة الدولية قائلة(إنه يبدو كرصاصة انطلقت من القرن السابع واستقرت في القرن العشرين).وكتب الصحافي الشهير هيكل بعد أول لقاء مع الإمام(قده)قائلاً (بدأ وقتها في باريس وكأنه فعلاً شخص من شخصيات صدر الإسلام، عادت إلى الحياة بمعجزة بعد ثلاثة عشر قرناً من الزمان).وعليه.. فإن هذه الشخصية الإلهية سرعان ما تبوأت مقاماً سامياً.. إذ استطاعت بفضل الله سبحانه أن تأخذ على عاتقها حمل راية إحياء الدين في عصرنا وأن تقود وتوجه أعظم ثورة شعبية عرفها التاريخ الحديث. ثورة انتصرت بفضل تدبيره(رض) وبهمّة شعب رأى إيمانه وعدالته وآماله وأمانيه تتجلى في ذلك الوجه النوراني.ثورة أحدثت تأثيراً عظيماً ليس في مصير الشعب الإيراني العظيم فحسب بل في جغرافيا الفكر والسياسة المعاصرة إذ كانت بحق «كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا».
قبس من حركة الأنبياءرغم أن الثورة الإيرانية المباركة كانت حدثاً سياسياً حصل في المجتمع الإيراني إلا إنها كانت ذات خصائص عامة وعالمية نابعة من عنصر الدين والصفة الدينية، وهذه الميزة أدت إلى أن لايكون هذا التحول مقتصراً على حدود إيران وحدها إنما امتد تأثيرها ليس إلى أقصى نقاط العالم الإسلامي فقط، وإنما وصل إلى جميع المجتمعات حيث كانت لها تأثيرات عميقة وجادة عليها..وعليه فإن هذه الثورة وبناءاً على ماهيتها الدينية والإيديولوجية لم تحدد نفسها من حيث البعد النظري برقعة جغرافية خاصة ومحددة، وإنما خططت إستراتجيتها والخطوط العامة لسياستها العملية والعينية بحيث تكون ذات أهداف عالمية وإنسانية نابعة من العقائد الدينية التي تحدد المسؤولية الإيديولوجية لثورة دينية وإسلامية.وهذه مقتطفات من أقوال قائد الثورة(رض) الذي يمثل الإسلام، والإسلام وحده صلب اهتمامه واعتقاده.. يقول فيه (إلهي إن كان أحداً غيرك لايعلم، فأنت تعلم بأننا نهضنا لرفع راية دينك، ووقفنا في وجه الشرق والغرب لإقامة العدل والقسط اتباعاً لنهج رسولك ولن نتوانى عن مواصلة الطريق لحظة واحدة).(لقد انتفضنا من أجل الإسلام، لذلك فإن هذه الجمهورية هي جمهورية إسلامية ولايمكن لثورة قامت في سبيل الإسلام أن تحدد ببلد واحد أو بالعالم الإسلامي وحده، إن الثورة من أجل الإسلام هي امتداد لثورات الأنبياء التي لم تكن محددة بحدود، فرسول الله(ص) كان من الحجاز إلا إن دعوته لم تقتصر على الحجاز والجزيرة العربية إنما كانت لكل العالم).(يا مسلمي العالم ويا أيها المستضعفون الرازحون تحت نير الظلمة مدوا يد الإتحاد بعضكم إلى بعض، وزودوا عن الإسلام وعن مقدراتكم، ولاترهبوا صخب السلطويين، إن هذا القرن بحول الله القادر، قرن غلبة المستضعفين على المستكبرين والحق على الباطل).
الصحوة الإسلامية وانتصار الثورةلقد تركت الثورة الإسلامية تأثيراً كبيراً على الشعوب الإسلامية بحيث أصبحت محط آمالهم وآمال المستضعفين في أنحاء العالم.ومن هنا يأتي القول: بان انتصار هذه الثورة شكل نقطة تحول هائلة على صعيد الصحوة الإسلامية ويقظة المسلمين حتى أن أحد الكتاب الغربيين قال:(لقد سعينا سنوات طويلة إلى ترويج العلمانية وبث الفرقة في العالم الإسلامي. ولكن الثورة الإسلامية قضت على كل أحلامنا). وذلك لكونها جاءت على خلاف كل توقعات قوى الاستكبار.. كانت بمثابة مفاجئة وصدمة كبيرة أفقدتهم صوابهم بحيث لم يعد بالإمكان محوها من صفحة الأخبار العالمية يومياً ولا إخماد فتيلها المتصاعد ولا محاصرة مؤثراتها البعيدة الغور..فالثورة التي غدت من الأحداث المذهلة في القرن العشرين والتي أحيت الآمال في العالمين العربي والإسلامي.. شكلت عبر حضورها وفعاليتها قوة الدفع والمحرك الرئيسي لحركة الصحوة الإسلامية المعاصرة، بعد أن كانت المنطقة ككل تمرّ بفترة ركود وصمت ويأس شديد ولذا كان اندلاعها كثورة شعبية دينية اجتماعية بمثابة الزلزال الذي هزّ بشكل عنيف جميع كيانات القوى والنماذج والقناعات المؤازرة للنظام العالمي.فالصهاينة- على سبيل المثال- أبحروا في غيهّم وطغيانهم، كانوا يظنون أنهم سيطروا على فلسطين وانتهى الأمر.. وذلك بعد أن أخافوا كل من حولهم وارهبوهم.. لم يكن هناك شعب يشعر بالأمل، لكن فجأة فتحت بوابة الفرج على مصراعيها.. وكان أن استيقظت الشعوب على وقع الثورة التي منحت الناس الثقة بالذات والأمل بالنصر.. أعطتهم شخصيتهم وأعادت لهم هويتهم، أعادت لهم إيمانهم المفقود وأخرجتهم من حالة فقدان الذات والاستتباع ودفعت بهم باتجاه حضور معنوي فاعل ومؤثر أدهش العالم.. بيّنت لهم ولغيرهم بأنه لا سبيل للخلاص إلا بالإسلام، ناشرة بينهم ثقافة الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. معرّفة الجميع بوظائفهم الدينية ومبينة منزلة الشهيد عند الله تبارك وتعالى، وبأن القتل في طريق الانتصار شهادة في سبيل الله.
الثورة وقوى الاستكباروانه في مقابل المد الثوري الذي أوجدته الثورة المباركة، تحركت قوى الاستكبار بكل قوة لمنع وصول إشعاعاتها إلى البلدان العربية والإسلامية وراحت تجهد من خلال الدسائس والمؤامرات والمخططات الخبيثة موعزة إلى عملائها في المنطقة بإشعال الحرب ونشر الأكاذيب.. وتكثيف الضغوط وتسخير أجهزة الإعلام المأجورة من أجل تشويه الصورة الناصعة التي ارتسمت في الأذهان.. وصولاً للإجهاز على الثورة بعد أن أدركت أنها ستكون مصدر إلهام الشعوب المنتفضة ضد الجور والظلم مستقبلاً..
الثورة الإسلامية ومجالات تنمية مسيرة الصحوة الإسلاميةيعتقد الكثير من الخبراء والباحثين بأن الثورة الإسلامية في إيران هي الثورة الأم التي مهدت الطريق لغيرها من الثورات بعد أن شكلت أحد العوامل والأسباب المهمة والمؤثرة في دفع عملية الصحوة الإسلامية والوعي لدى المسلمين وزيادة الفعاليات الإسلامية المؤثرة في المجتمعات الإسلامية.فهذه التجربة الضخمة كان لها وهجها وتأثيرها على الجماهير في العالمين العربي والإسلامي ووعيهم بقدرتهم على تحقيق الأهداف مهما بلغت قدرات المستبدين.. وذلك لكونها قامت بمواجهة قوى الاستكبار وهي بأوج قوتها واندفاعها نحو السيطرة.. ولكونها عملت بعد إسقاط نظام الطاغوت على مقارعة المستكبرين وتأديبهم وذلك على مرأى ومشهد من شعوب المنطقة التي كانت تتابع مسار هذه الثورة لحظة بلحظة، والتي كان لابد لها بعد سنيّ القهر والظلم والتعطش من أن تتخذ من الثورة الإسلامية ومن الشعب الإيراني المسلم قدوة لها.. ومن هنا يصبح من العبث نفي تأثير هذه الثورة المباركة الغنية بمعطياتها على الحالة الثورية التي يشهدها عالمنا العربي اليوم وذلك عبر تمسك البعض بالخصوصيات القومية والمذهبية.. مع إن حالة التوحد في المعاناة والظروف.. ما بين الشعوب تمثل الأساس في انتقال روح الثورة بينها والتي تتجاوز كل عناصر الخصوصيات عند انفجارها.. وأن شعوب المنطقة ككل قدمت دماء غالية في سبيل التحرر من الاستعمار الأجنبي خلال عصور مضت، لكنها لم تحصل على استقلالها الحقيقي بسبب تسلط أنظمة فاسدة عليها، وهنا لابد من وقفة يسيرة مع المجالات الكثيرة المشتركة والموجودة بين الثورة الإسلامية الإيرانية وحركات التحرر الإسلامية المعاصرة ومنها:1. العقيدة الموحدة: ويقول الإمام الراحل(رض) الذي كانت صرخته للإسلام ومن أجل الإسلام في هذا المجال (لتكون كلمتكم موحدة في كلمة التوحيد المشترك بين الجميع وفي المصالح الإسلامية المشتركة بين الجميع).2. العدو المشترك: وحيث تواجه الثورة الإسلامية وحركات التحرر الإسلامية عدواً مشتركاً يتمثل بالاستكبار العالمي بقيادة أمريكا (الشيطان الأكبر) وإسرائيل (الغدة السرطانية). وقال قائد الثورة الإسلامية في هذا المجال (أن عدونا المشترك اليوم إسرائيل وأمريكا وأمثالهما ممن ينوون القضاء على كرامتنا وإخضاعنا مرة ثانية لظلمهم فعليكم إزاحة هذا العدو المشترك).3. الهدف المشترك: وتنشد الثورة الإسلامية وحركات التحرر الإسلامية المعاصرة إزاحة الظلم والهيمنة وقطع يد الناهبين لخيرات الأمة والمحافظة على الإسلام، ويقول قائد الثورة في هذا الجانب (ليكن الجميع في الساحة إننا ننوي المحافظة على الإسلام إذ لايمكن المحافظة على الإسلام والبقاء في الهامش. لاتظنوا بأن الواجب يسقط عنكم بانعزالكم).4. الميل نحو الوحدة: وإن تأكيد الثورة الإسلامية وقيادتها على ضرورة تحقيق الوحدة بين كافة الفئات وبين كافة المذاهب الإسلامية نحو تحقيق النصر على الساحتين الداخلية والخارجية يشكل مجالاً آخر لتوجه الحركات الإسلامية المعاصرة نحو الثورة الإسلامية. فهذه الثورة التي تقتدي النهج المحمدي الأصيل لاتجعل أي تمييز بين المسلمين ولاتؤكد على الجوانب المثيرة للخلاف بين المسلمين بل أنها تخطو نحو اتحاد المسلمين. وقد ظهر هذا الأمر جلياً عبر إقامتها ليوم القدس العالمي.. وأسبوع الوحدة الإسلامية.. ونشر ثقافة التقريب بين المذاهب الإسلامية وإرساء أسسها في ربوع العالم الإسلامي.
تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية على الحالة الثورية في البلدان العربية والإسلاميةبيّنا أن الثورة الإسلامية في إيران كانت فعلاً استثنائياً في المنطقة ولم يكن متوقعاً على الإطلاق في تلك الفترة.. وبالتالي ترك أثره على كافة الحركات السياسية