وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الخميس

٢ يناير ٢٠١٤

٨:٣٠:٠٠ م
491836

الموعود ـ 11 ؛

المعالم الاجتماعية في حكومة الامام المهدي (عج) / إنتهاء المذاهب

..انتهاء المذاهب ظاهرة طبيعية لأن المسلمين سيتبعون ما جاء به الامام المهدي (عج) دون النظر إلى وجوده في مذاهبهم السابقة، فقد يكون مطابقاً لبعض ما جاء فيها وقد لا يكون، وانتهاء المذاهب يعني انتهاء الخلافات العقائدية والفكرية والسياسية والتشريعية، والانضواء تحت عقيدة واحدة وفكر واحد مصدره الامام المهدي (عج)..

إنتهاء المذاهب أحد أهم العوامل المؤدية إلى وحدة المسلمين، وانتهاؤها في عهد الامام المهدي (عج) حقيقة موضوعية لأنها إجتهادات فقهاء وعلماء لاترقى إلى علم الامام المهدي (عج) الذي يكون رأية هو المقياس والمعيار لصحة الآراء على جميع المستويات.

والمذاهب الاسلامية ماهي إلا مظهر الاجتهاد في فهم الاسلام بمفاهيمه وقيمه، وقد بدأت حركة الاجتهاد في ظروف الابتعاد عن عصر النص.

وقد بدأ الاجتهاد عند أهل السنة بعد غياب رسول الله (ص) لأنه غياب النص أو الابتعاد عن النص، بل ان الاجتهاد كان يقع من الصحابة (إذا بعدوا عن النبي في سفر فانهم كانو يجتهدون).

واختلف الصحابة في طرق الاجتهاد بعد عصر النبي (ص).

*. منهم من كان يجتهد في حدود الكتاب والسنة.

*. منهم من كان يجتهد بالرأي ان لم يجد نصاً.

*. منهم من كان يجتهد بالقياس، ومنهم من كان يجتهد بالمصحلة في غير موضع النص.

وفي عصر التابعين كان لهم اجتهاد وراء ما ينقلون من أحاديث وفتاوي، ولم يخرجوا عن منهاج الصحابة الذي رسموه لهم ولمن جاءوا بعدهم.

وكان أكثر الاجتهاد عند مدرسة العراق يعتمد على القياس، وأما الاجتهاد عند مدرسة الحجاز فكان يسير على منهاج المصحلة، وقد تبع ذلك ان كثرت التفريعات الفهية في العراق والافتاء فيما لم يقع، ولم يوجد ذلك النوع في الحجاز لأن الاساس كان المصلحة وهي لا تتحقق إلا في الوقائع، فلا يأتي فيها الفرض والتقدير.

وقد توسع الاجتهاد ووصل إلى أوج توسعة في عصر أئمة المذاهب (مالك، أبو حنيفة، الشافعي، أحمد).

واما عند الشيعة فان بدايات ظهور الاجتهاد وكيفية معالجة الاحاديث واستعمال القواعد والاصول قد ظهر في عصر أئمة أهل البيت (ع) وبارشاد وتوجيه منهم، وذلك في كيفية استنباط الحكم الشرعي مباشرة من القرآن الكريم أو في التوسعة على الناس بالبراءة من التكليف المحتمل فيما لم يرد فيه بيان من الشارع، وفي جريان الاستصحاب في الموضوعات التي لها حالات سابقة متيقنة ويشك المكلف فيها بعد ذلك.

إلا ان الاجتهاد كمدرسة ذات ملامح واضحة لم يظهر إلا بعد غيبة الامام المهدي (عج)؛ حيث مست الحاجة إلى ذلك.

واستمر الاجتهاد عند الشيعة منذ عصر الغيبة إلى يومنا هذا، بينما انحسر عند أهل السنة، وبدأ الانحسار بعد عصر أئمة المذاهب حيث لم يتجاوز المجتهدون آراء الأئمة الأربعة، وبقي الاجتهاد محدوداً بحدود أصول واساسيات المذهب باستثناء اجتهاد بعض الفقهاء المطلق وهم قلة قليلة.

وبانتهاء القرن الثالث الهجري وحلول القرن الرابع ضعف مركز الاجتهاد، ولم يسمع صوت قوي كاصوات الأئمة الأربعة ومن هم في درجتهم في الاوساط العلمية، وقد اغلق باب الاجتهاد المطلق بعد وفاة محمد بن جرير الطبري عام 310م ولم يقم أحد به، وقد حصل ان بنيت المدارس لتدريس المذاهب الأربعة واغدقت الأموال مما صرف انظار طلاب العلم عن غيرها وأمات فيهم ملكة الاجتهاد، بل وصل الأمر إلى حد ان المستعصم العباسي أمر اساتذه المدرسة المستنصرية ببغداد أن لا يتعدوا كلام المشايخ السابقين.

وبالتدريج انحسر الاجتهاد وتوسع التقليد خلافاً لتوجهات الأئمة الأربعة فهم نهوا الآخرين عن تقليدهم وأمروا ـ إذا رأوا قولاً في الكتاب والسنة أقوى من قولهم ـ ان يأخذوا به ويدعوا اقوالهم.

وغلق باب الاجتهاد كان نوعاً من التقديس للفقهاء السابقين، وأصبح أصحاب المذاهب الأولون كانهم معصومون، وأصبح الفقيه لايستطيع الحكم في مسألة إلا إذا كانت مسألة جزئية تطبيقاً على قاعدة كلية قالها امامه من قبله.

ومن خلال ما تقدم نرى ان انحسار الاجتهاد يخالف روح الاسلام الذي يواكب التطور الحاصل في الحياة الانسانية، ومما يخالف روح الاسلام أيضاً تحول إجتهاد السابقين إلى مذاهب بينما هي إجتهادات لمجتهدين يخطأون ويصيبون، وعلى ضوء ذلك بمذاهب معينة لا ينسجم مع حركية الاسلام ولاينسجم مع روح الاجتهاد، بل هو بدعة تخالف حتى توجهات أئمة المذاهب الأربعة.

وإذا تنزلنا واستسلمنا إلى الأمر الواقع وتابعنا ذلك بالايمان بوجود عدة مذاهب: الامامية، الزيدية، المالكية، الحنفية، الشافعية، الحنبلية، الأباضية، فقول: هل ان الامام المهدي (عج) سيتبع أحد هذه المذاهب أم سيأتي بمذهب جديد، أم يحدث تعديلات على أحد أو بعض المذاهب.

وإذ تتبعنا عقائد ومتبنيات المذاهب الفكرية لوجدناها على نحوين أساسين:

النحو الأول: الايمان بان الامامة منصب الهي وإن لله تعالى قد عين إثني عشر إماماً أولهم الامام علي بن أبي طالب (ع) وآخرهم الامام المهدي (عج).

والايمان بعصمة جميع الأنبياء وجميع الأئمة (ع)، ويترتب على هذا الايمان حب أئمة أهل البيت (ع) وموالاتهم والبراءة من أعداهم، وكذلك أخذ مفاهيم وقيم وتشريعات الاسلام منهم دون غيرهم لأن السنة الشريفة تمتد بهم.

النحو الثاني: الايمان بان الامامة منصب متروك لاختيار المسلمين، فمن اختاره المسلمون إماماً وجبت طاعته على الباقين، وان رسول الله (ص) قد ترك أمر الامامة إلى الناس ولم يعين إماماً من بعده.

ولا يشترط في الامام أن يكون معصوماً، وإن السنة الشريفة مختصة برسول الله (ص) بقوله وفعله وتقريره.

هل المهدي إمامي المذهب؟

ان الاخبار المتقدمة في الفصل الأول والتي تنص على أن الأئمة اثنا عشر بعد رسول الله (ص) وانهم من العترة الطاهرة تنطبق مع رأي الامامية من المسلمين، وفي خصوص الامام المهدي يتفق الجميع على أنه من العترة الطاهرة، فهل يمكن القول: ان الامام المهدي إمامي المذهب، وفي مقدمات الجواب نقول:

1. ان ائمة أهل البيت (ع) يتبنون المذهب الامامي في مسألة الامامة فهم تبنوا النص والتعيين ولم يتبنوا البيعة أو الشورى أو الغلبة بالسيف أو العهد والاستخلاف من الآباء للأبناء.

2. وردت عن جميع أئمة أهل البيت (ع) رويات عن الامام المهدي (عج) عن غيبته وعن ظهوره، وعن طاعته والحث على أتباعه والاستسلام له.

3. ليس من المحتمل ان يقوم أئمة أهل البيت (ع) بتأييد الامام المهدي (عج) وهو شخص يختلف عنهم في المذهب وفي المتبنيات العقائدية.

4. لو قلنا بان الامام المهدي (عج) يخالفهم في المذهب لزم بطلان أحد المذهبين، وهذا لا يمكن الالتزام به تجاه مذهب الأئمة أو مذهب الامام المهدي (عج).

وعلى ضوء هذه المقدمات نقول: ان مذهب الامام المهدي (عج) لا يخالف مذهب آبائه وأجداده وخصوصاً في الأساسيات الثابتة عنه، فهو (عج) لا يخالفهم في جميع ماثبت صدوره منهم، وإذا ثبت هذا فلا يعقل ان يترك متبنيات ابائه ويتبنى ما ورد عن مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم.

والقدر المتيقن انه لا يخالف مذهب آبائه وأجداده، وهذا لا يعني انه لا يخالف المذهب الإمامي الحالي، لأن المذهب الحالي هو مزيج من متبنيات أئمة أهل البيت (ع) واجتهادات فقهاء المذهب، واجتهادات الفقهاء عرضة للخطأ والاشتباه وانها أحكام ظاهرية لا أحكام واقعية.والامام المهدي (عج) لا يأخذ بآراء الفقهاء لاسباب عديدة:

1. ان الفقهاء غير معصومين.

2. انهم يجهلون الأحكام التالفة.

3. انهم يجهلون ظروف الرواية والقرائن المتعلقة بها.

4. انهم يجهلون حقيقة الرواة من حيث التعديل والترجيح.

والأهم من ذلك ان وجود الامام المهدي (عج) يعني التخلي عن آراء غيره من قبل الناس جميعاً، لأنه وحده القادر على تبيان المفاهيم والقيم والأحكام، وانه وحده القادر على ملء ما يسمى منطقة الفراغ التشريعي التي تركت من قبل الشريعة ليملأها ولي الأمر، وهو (ع) صاحب هذا المنصب.

وفي جميع الظروف والأحوال فان المهدي (عج) سيأتي بمفاهيم وقيم وأحكام جديدة يخالف فيها أغلب أو بعض المألوف عند فقهاء المذاهب بما في ذلك المذهب الامامي، وعلى ضوء ذلك لا يبقى للمذاهب أي وجود، فليس من المعقول ان يترك الناس متبنيات الامام المهدي (عج) ويقدمون آراء المذاهب عليها وهم يؤمنون بامامته.

وإذا ثبت انتهاء المذاهب فيكون ما جاء به الامام المهدي (عج) ليس مذهباً وانما هو الدين الواحد بلا مذاهب.

والظاهر ان الرويات تدل على ذلك.

روي عن الامام الباقر (ع) أنه قال: «يقوم بأمر جديد وسنة جديدة وقضاء جديد».

وعنه (ع) انه قال: «ان قائمنا إذا قام دعا الناس إلى أمر جديد كما دعا اليه رسول الله (ص)، وان الاسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدا، فطوبى للغرباء».

وعن الامام جعفر الصادق (ع) انه قال: «إذا قام القائم (عج) جاء بامر جديد كما دعى رسول الله (ص) في بدو الاسلام إلى أمر جديد».

والظاهر ان ما يأتي به الامام المهدي (عج) هو فهم جديد للسنة وللشريعة وللقضاء، وبالتالي ستنتهي جميع المذاهب وسيعود الدين واحداً كما كان في عهد رسول الله (ص)، وهذا ما يطابق رأي ابن عربي حين يقول: (به يرفع المذاهب من الأرض فلا يبقى إلا الدين الخالص).

وانتهاء المذاهب ظاهرة طبيعية لأن المسلمين سيتبعون ما جاء به الامام المهدي (عج) دون النظر إلى وجوده في مذاهبهم السابقة، فقد يكون مطابقاً لبعض ما جاء فيها وقد لا يكون، وانتهاء المذاهب يعني انتهاء الخلافات العقائدية والفكرية والسياسية والتشريعية، والانضواء تحت عقيدة واحدة وفكر واحد مصدره الامام المهدي (عج).

................

انتهى/212