بداية لابد من التذكير علی أنه يوجب علي المسلمين عموماً وباختلاف مذاهبهم التمسك بفكرة تحقق الوعد الإلهي باستخلاف المستضعفين، وإقامة دولة القرآن من منطلق الاعتقاد بالقرآن، وإذا ما استدركنا أكثر فإن الالتزام بالسنة النبوية والاعتقاد بها يوجب علينا الإيمان بعقيدة المهدي (عج) والاستعداد لها من خلال تحويل (الانتظار) إلی عامل دفع نفسي يؤدي بنا إلی تنقيه أنفسنا من الأدران، وإعادة بناء الذات بما يجعل من المسلم كفء للدور المشرف الذي يمكن لأن يلعبه، حيث يحوز شرف المساهمة في جيش المهدي، هذا الانتظار، يجب أن يكون ايجابياً متحركاً، يجعلنا علی أهبة الاستعداد النفسي والجسدي والفكري، ومتمنطقين بطهارة روحية، وتعال واضح عن جميع عوامل الضعف والتردد والخنوع، كما يحرك فينا عوامل المواجهة مع الذات، وضد الظالم في كل عصر ومكان وبما يمنحنا من أمل نستطيع به التغلب علی اليأس والخنوع، الذي نستنشقه كل يوم مع غبار الدعة والخنوع والقهر.
وبالمقابل، فإن الانتظار يستلزم منا تحصين أنفسنا ضد كل البدع الإعلامية والضلالية التي سيقوم بها الغرب لتسفيه أو تشويه هذه الفكرة، وهنا لابد لنا من الاستفادة من العلم ومواكبة النقد التكنولوجي والعلمي وتحسين قدراتنا في ميادين الاتصالات والمعلومات وما يتبعها فردياً وجماعياً من أجل أن يكون الاستعداد في ذروته، وبهذا نكون قد قدمنا خدمة لأنفسنا وأمتنا، إن أدركنا الظهور أو لم ندركه، وهنا تبرز المزايا الخفية في فلسفة الانتظار الايجابي، ومما يجدر ذكره أن سعی الغرب لمحاربة وتعطيل المسيرة المهدية سيتخذ أساليب متعددة، منها سيعتمد استخدام كل ما يملك من قدرات مادية ومعنوية وسيكون الغرب هو التجسيد الواقعي لفكرة الأعور الدجال التي وردت في الأحاديث النبوية المباركة، والذي سيحاول تعطيل المسيرة المتقدمة بتضليل الناس بأساليب إعلامية ومادية كاستخدام البث التلفزيوني المضلل، أو تطويع نظم البث والاتصالات والإنترنيت، بما يشوه صورة الإمام، ويعكس الصورة التي يريدها الغرب عنها، كما يستخدم القوة والتهديد والترغيب وتوزيع الهدايا والهبات علی المترددين من أبناء الأرض وضعاف النفوس والمرتبطين بالحضارة المادية، ولعلّ فكرة (الأعور) الذي يبصر بعين واحدة تنطبق علی الحضارة الغربية التي تظهر الأمور ككل بعين المادة (المادة)، وتهمل الروح تكون العدو التقليدي للحضارة الإسلامية المتكاملة الوارثة بالوعد الإلهي.
ولو أردنا تطبيق تلك الخصائص للدولة التي تنتظر القائم لوجدنا ملامحها ظاهرة في الثورة الإسلامية الإيرانية، حيث أنها ثورة قامت مباركة طاهرة، قام بها ثوار جمعوا شروط دولة التمهيد، وفيها صفات المنتظرين الثائرين التي ذكرناها، وهم ثوار تمكنوا من التصدي للاستكبار وذيوله في المنطقة، وقوی الاستكبار مازالت تحاصرها، لأنها تعلم علم اليقين أن إيران الثورة تمثل أمل المستضعفين في الأرض، وهي تمثل مرحلة هامة من مراحل التمهيد للإمام المهدي (عج).
الثورة الإسلامية: ملامح التمهيد
لا يمكن الحديث عن الثورة الإسلامية في إيران، دون أن نقرأ ونتأمل الفكر الثوري الحسيني، لأن ثورة الإمام الحسين (ع)، هي أم الثورات التي قامت علی الكلمة، وبذلت الروح من أجل المبدأ، وهي الثورة التي كانت ملهمة لما جاء بعدها من الثورات في التاريخ الإسلامي، وهي أيضا الثورة التي ألهمت الثورة الإسلامية في إيران بمفرداتها، فانتصرت علی أعظم وأقوی الأنظمة والاستعمار بأسره، لقد ارتبط اسم الحسين (ع) بالثورة، وارتبطت الثورة به، عند محبيه وخصومة علی السواء.
كان الإمام الحسين ثائرا ليس له نظير في التاريخ البشری، وجعلت من ثورته نبراسا هاديا لكل الثائرين، لأن كل البشر يتوقون لرجال تحاط سيرتهم بهالة من الضياء القدسي، يستمدون منهم القدوة، كما يتخذي سيرته الحائرون والذين يتلمسون طريقهم نحو النجاة من وحل الدنيا وطغيان الإنسان لأخيه، إن ثورة الحسين نموذج لكيفية إدارة الصراع مع الشر دون اللجوء إليه لحسم هذا الصراع، ودون اللجوء إلی خيانة الوسيلة مقابل إحراز النصر.
إن ثورة الحسين، وإن أخفقت علی الصعيد العسكري في معركة غير متكافئة، فإنها حققت انتصارا علی مدی الأزمنة، وكانت النموذج الذي تستلهمه الحركات الثائرة ضد الطغيان، وتختزنه الشعوب في وجدانها عنوانا للحرية والكرامة واستعادة حقوقها المغتصبة "لقد" قدم الحسين وآله وأصحابهم في ثورتهم علی الحكم الأموي الأخلاق الإسلامية العالية بكل صفائها ونقائها، ولم يقدموا إلی المجتمع الإسلامي هذا اللون من الأخلاق بألسنتهم، وإنما كتبوه بدمائهم "وقد أخبر النبي الكريم بما سيقع لأمته فقال: "ألا إن رحا الإسلام دائرة، فدوروا مع الكتاب حيث دار، ألا وإن كتاب الله والسلطان سيختلفان، فلا تفارقوا الكتاب، ألا أنه سيكون عليكم أمراء يرضون لأنفسهم ما لا يرضون لكم، إن أطعتموهم أضلوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم"، فقالوا: وما نفعل يا رسول الله؟ فقال (ص): كما فعل أصحاب موسی، حُملوا علی الخشب، ونُشروا بالمناشير، فو الذي نفس محمد بيده لموت في طاعة خير من حياة في معصية"، "وسمع الحسين كل ذلك واستشرف مستقبل الأمة، وأذنه تردد مقولة الإمام علی: "الحياة في موتكم قاهرين، والموت في حياتكم مقهورين"، ولذلك لم يتردد الإمام الحسين في القول بأن الدعي ابن الدعي خيرنا بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، ومثلی لا يبايع مثله.
إن الحركات الثورية المعاصرة والتي اتخذت الثورة الحسينية منهجا لها كتب لها النجاح سواء كان الثورات ضد الظلم الداخلي (الثورة الإيرانية نموذجا) أو ضد طغيان استعماري خارجي (حزب الله لبنان)، والثورة الفلسطينية حتما سيكتب لها النجاح، لأن شباب الانتفاضة وعوا جيدا كل مفردات الثورة الحسينية، و"إلا أن لكل دم ثائرا"، وهی كلمة قالها الإمام علی وطبقها الحسين، وأنار بها الطريق إلی سالكي دربه، ومتخذي سيرته نبراسا يهدی الحائرين، وسيرة الحسين الخالدة يتردد صداها في كل مكان، وفي كل زمان ولا تقتصر علی يوم عاشوراء، لأنه لا يُقيد بعاشوراء.
وفي العصر الحالي نجد أن أرقام القتلی الذي يتردد كل يوم في دار المسلمين من جراء الهجمة الأمريكية الصهيونية، لابد أن يجد رجالا ينسون أنفسهم ويقودون أمتهم إلی نبل المعاني وسمو المقاصد، حتی لو كان الثمن دماء هؤلاء القادة الذين يترسمون سيرة سيد الشهداء، وكم ترسم قادة سيرته فأقاموا دولا، كلها تنسب نفسها للحسين أو لعلی أو للزهراء، لأنهم دوما خلاصة الخلاصة من الأمة التي جعلها الله خير أمه أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله، وليس لمثلهم ولمثل من ينهجون نهجهم إلا النصر بعد انتصار أكده الله كثيرا في قرآنه الكريم، وأحاديث نبوية كثيرة توحي المؤمنين بالصبر والعمل بإخلاص المجاهدين إلی العمل الدءوب من أجل أعلاء الحرية حيث يكون الإنسان.
أثر الثورة الحسينية في الثورة الإيرانية
كانت ثورة الإمام الحسين (ع) العنوان والشعار والمنطق للثورة الإسلامية في إيران، ذلك أنَّ الشعب الإيراني المسلم امتزج مع هذه الثورة في كلِّ وجوده وشؤون حياته. والسؤال المهم الذي يبحث عن إجابة هو: كيف وظّف الإمام الخميني معطيات ثورة الإمام الحسين في الثورة الإسلامية في إيران؟
الولي الفقيه والروح الحسينية عند الإمام الخميني (ره)
إن الإمام الخميني (رحمة الله عليه) حوّل مفهوم "تحمل الظلم والسكون حتی الظهور"، الذي كان حاكما في المجتمع الإيراني إلی مفهوم ثورة إسلامية.
ومن خلال مناقشة وتحليل أفكار الإمام الخميني (ره) وكتاباته وإرشاداته، قبل وبعد انتصار الثورة الإسلامية، نستنتج أن الاعتقاد بموضوع المهدوية والانتظار، كان يأخذ مكانا بارزا في الأصول والأسس الفكرية للإمام الخميني(ره).
وإن الحركة السياسية للإمام الخميني كانت متأثرة بشدة بثقافة المهدوية، وبالإيمان بها، فقد كان الإمام يؤمن بالانتظار البنّاء، ويتحدث عن موضوع تكليف الناس في عصر الغيبة.
إن الانتظار البناء من وجهة نظر الإمام الخميني(ره)، يعني السعي لتحقيق القدرة الإسلامية، وتمهيد الأرضية للظهور، وهو ما كان يختلف بشكل كامل، مع المفاهيم التي كانت سائدة قبل الثورة.
إن النهضة التي حققها الإمام الخميني (ره) في الأمة، تعتبر من أهم وأعظم الحركات الثورية التي شهدها القرن الماضي، ذلك أنها أحدثت تغييراً هائلاً في حركة الأمة طاول مختلف الجوانب، وباعتبار أن الإمام الخميني القائد والملهم لهذه الحركة، وهو ينتمي إلی الرؤية الدينية وتطلعاتها، ويعتمد علی فكرها وثقافتها وأصالتها، كان من الطبيعي جداً – بل من الضروري – أن يستلهم الموقف والرؤية من موقعه العلمي والفقهي والفكري، ولأنه يعتقد بنهج أهل البيت، ويفتخر بانتمائه الأصيل إلی هذه المدرسة، فإن الناتج الطبيعي لهذا الانتماء هو الاستفادة من المخزون الفكري والثوري للنهج الحسيني والكربلائي، علی قاعدة أن مستوی الانحراف والضعف الذي وصلت إليه الأمة لا يعالج إلا بهذه الروح الحسينية، وهي وحدها القادرة علی إعادة الحياة في شرايين الأمة، وإعادة الاعتبار لقيم الجهاد والشهادة والانتصار في مواجهة أعتی مشاريع الظلم والاستكبار والهيمنة.
إن المقولة المشهورة عن الإمام الخميني(ره): "إن كل ما عندنا من عاشوراء" علی اختصارها تلخص حجم حضور النهج الكربلائي في حركة النهضة، وترشد إلی معدن القوة في هذا النهج علی إحداث تغيير علی مستوی كل الأمة، لنصل إلی المعادلة التالية: لولا الروح الحسينية، لما كانت الثورة الإسلامية، ولما كان انتصارها، ولما كان ثباتها، ولما كانت كل هذه الإنجازات العظيمة التي نشهدها اليوم في أمتنا.
إن هذا المفهوم له فائدة عكسية، تدلل علی انتصار الإمام الحسين (ع) في كربلاء، وأن انتظار القائم البنّاء هو الدافع الثوري للخلاص والثورة علی الظلم والطغيان، ومن خلال القدرة علی إيجاد هذا النهج الذي يصلح الأمة كل الأمة وعلی امتداد العصور.
الإمام الخميني (ره) وولاية الفقيه
إن من أهم الأمور التي تدل علی أن الجمهورية الإسلامية هي دولة التمهيد للإمام القائم عليه السلام، هو رعاية الولي الفقيه للدولة الإيرانية، وقد فندت رعاية الولي الجدل الذي يثيره البعض حول التضاد بين الولي الفقيه والديمقراطية، فولاية الفقيه اجتهاد في الفقه الإسلامي الشيعي (المذهب الجعفر