وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الخميس

٧ نوفمبر ٢٠١٣

٨:٣٠:٠٠ م
479385

الموعود ـ 4 / خصائص ودلائل دولة التمهيد للقائم (عج) وولاية الفقيه ؛

التمهيد.. البحث عن العدل ومنتظري القائم (عج)

..القائم (عج) لا يظهر إلا بعد وجود دولة تمهيد له الطريق، تنتظره الانتظار الثوري العملي، فهي دولة تقيم العدل والمساواة، دولة تتقدم علميا وعمليا، دولة تساعد القوی التي تواجه الاستكبار والصهيونية، ونجد ذلك جيدا في الثورة الإسلامية في إيران التي قادها الإمام الخميني (ره)، ويسير علی دربه سماحة القائد الإمام علي الخامنئي.

عندما نقول: إن ظهور الإمام المهدي (عج) حتمي وحقيقي، فلابد من القول: إنه لابد من وجود منتظريه، ومنتظروه فرادی وجماعات، قادة لشعوب، ومفكرون يحثون المسلمين لانتظار القائم انتظارا ثوريا، لكي يتم التمهيد للظهور المبارك، ذلك هو الأصل في الانتظار الذي بشر به النبي الأعظم (صلی الله عليه وآله وسلم)، وأيضا الأئمة من ولده (عليهم السلام)، وهذا الانتظار يكون أشخاصا وجماعات، والجماعات هنا تكون في دولة تمهيد لظهور، دولة تقوم بعد ثورة ربانية لم يشهد لها التاريخ مثالا، دولة تنتمي لمدرسة أهل البيت (عليهم السلام)، دولة أيضا تنحاز للضعفاء والمستضعفين في العالم، وتأخذ بأسباب العلم والتقدم، وبسبب ذلك تتصدی لها القوی العالمية الاستكبارية الغاشمة، ولو رأينا وتأملنا لوجدنا ذلك يوجد في الدولة الإيرانية بعد أن قامت الثورة الإسلامية بقيادة الإمام روح الله الخميني (رحمه الله)، وما زالت الثورة باقية بقيادة الإمام علي الخامنئي (دام ظله)، وقد انحازت الثورة منذ البداية للمستضعفين والفقراء والمعدمين، كما انحازت لقوی المقاومة ضد المشروع الصهيوني الأمريكي، ففرض عليها العالم بقيادة القوی المتكبرة حربا ضروسا لمدة ثمان سنوات طوال عجاف، لا لشئ سوی أنها تصدت للصهيونية والاستعمار العالمي، وما زالت نفس القوی تحاصر الجمهورية الإسلامية، وتحاول النيل من ثورتها النموذج، فالثورة الإسلامية نعتبرها دولة ممهدة لظهور القائم، وهي دولة بكل المقاييس تنشد العدل والإخاء، وهي نموذج لدولة تمهيد، خاصة بعد أن نجح الولي الفقيه في إدارة الدولة الإسلامية الإيرانية.

وبعد: يجب التأكيد علی أن: الشرور التي تملأ العالم ناتجة عن اختلال العدل واختفاء المساواة، ولذا فإن الله تعالی جعل الضمير الإنساني ينشد العدل، ويحب الحق والخير والجمال، ولذا فإن الله سبحانه وتعالی كان يرسل الأنبياء والمرسلين للناس بأمرين هما التوحيد والعدل، وقد عبر الإسلام عن ذلك بالكتاب والميزان، الكتاب هو التوحيد، والميزان هو العدل، وهو تعبير مثالي لطيف، وقد طبع الله تعالی الإنسان علی حب العدل بالفطرة، فلا يوجد من بني الإنسان بشر يكره العدل، وحتی الظالمون المفسدون يكرهون الظلم لأنفسهم، ويتوقون للعدل حتی وهم يمارسون الظلم علی الآخرين، ورغم كل ذلك نجد أن الظلم، تلك الآفة البغيضة تتكرر دائما، وينتشر الظلم ويتفاقم ذلك عندما يوجد الاستكبار والهيمنة، وذلك علی مستوی الأفراد والشعوب، ومنذ قديم الزمان ومن بداية الخلق، كان حب النفس والاستكبار والظلم شائع بسبب الأثرة، ولم يتورع الإنسان عن قتل أخيه الإنسان بسبب الأنانية والأثرة، أو بدوافع الانتقام، وعلی مستوی المجتمعات شنت شعوب حروبا علی شعوب أخری، من أجل استعبادها وإنهاك اقتصادها، وفي كل الأحوال كانت الشعوب المنتصرة أو المهزومة تدفع ثمن غرور قادتها، فتخسر الشعوب أبناءها وثرواتها من أجل إشباع غرور المنتصر، والمهزوم يحاول أن يقوي نفسه ليدرك ثأره، حتی يتمكن من الانتقام، ويتكرر الاستبداد والاستعباد من جديد، وتدخل الشعوب الحروب فتخرج منهزمة حتی تلك التي خرج قادتها منتصرين، وعندما يعيش المجتمع فترة هدوء نسبي من السلام، لا يستتب السلام دائما، فيحدث غالبا أن تكون هناك فوارق طبقية بين أبناء الشعب الواحد، لأن الفقر والحاجة إنما توجد في أي مجتمع لوجود سببين رئيسين وهما:

1. قلة الإنتاج: وهو عدم استثمار خيرات الطبيعة التي أودعها الله فيها.

2. سوء التوزيع: وهو عدم العدالة في توزيع الثروة علی أفراد الأمة.

فمتی وجد هذان العاملان في أي مجتمع، فإن وجود الفقر هو النتيجة الطبيعية لهما، كما أكد أمير المؤمنين (عليه السلام) عنه بكلماته الخالدة حين قال كما في نهج البلاغة: (فما جاع فقير إلا بما متع به غني)، وذلك لأن فرص الفقير لا تتحدد إلا حسب رغبات الأغنياء، وهؤلاء الأغنياء ينسون في غمرة غناهم أي إنسان من غيرهم، فدائما ما يأتي المال بالبطر إلا نادرا، وبهذا تتكون الطبقية الممقوتة في المجتمع، بأن ينقسم المجتمع إلي طبقتين رئيسيتين: طبقة تعيش الترف والبذخ، وطبقة تعيش الفقر والفاقة، والطبقة الأخيرة تحاول البحث عن العدل والمساواة والأريحية، كما تبحث عن القائد الذي يعطيها ذاك العدل، فشهد التاريخ البشري كثيرا من ثورات الخبز، تماما كما شهد ثورات من أجل الحرية، فهي ثورات من أجل العدالة والحرية، ويمكن القول إن رسالات السماء التي حملها الأنبياء كانت ثورات من أجل هاتين الكلمين، لأن الأنبياء يأتون من أجل الحرية، وحرية الإنسان من أجل معرفة الخالق، وحرية الإنسان في العدل، وأيضا حرية الإنسان في الاستفادة من ثروات الأرض الطبيعية التي يحيا الإنسان عليها، وكان الضعفاء والمحرومون دوما هم الذين يؤمنون بالأنبياء قبل غيرهم، فكان لابد لهؤلاء المستضعفين أن ينتظروا من يخلصهم، ليعطيهم أملا في غد مشرق، هو الإمام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشريف)، ولكن القائم لا يظهر إلا بعد وجود دولة تمهيد له الطريق، تنتظره الانتظار الثوري العملي، فهي دولة تقيم العدل والمساواة، دولة تتقدم علميا وعمليا، دولة تساعد القوی التي تواجه الاستكبار والصهيونية، ونجد ذلك جيدا في الثورة الإسلامية في إيران التي قادها الإمام الخميني (ره)، ويسير علی دربه سماحة القائد الإمام علي الخامنئي كما ذكرنا آنفا.

وفي هذا البحث نكتب عن خصائص دولة التمهيد، والبحث عن الدولة الإيرانية المعاصرة بعد أن قادها ثوار مخلصون للكلمة، وثوار مخلصون لأمل تخليص الإنسان من الظلم، وثوار مخلصون أيضا لدولة القائم، فقد استلهمت الثورة الإسلامية مفردات الثورة الحسينية جيدا، ونجحت عندما أخلصت لمبادئ الثورة، بحيث يمكن أن نعتبرها دولة التمهيد لصاحب الزمان، والبحث يتكون من لأربعة محاور.

المحور الأول: خصائص دولة التمهيد

إن خصائص دولة التمهيد تقوم علی أسس الانتظار الثوري، وعدم اليأس، كما أن من تلك الخصائص أن تعمل دولة التمهيد علی وحدة المسلمين ضد التقوی الكبری الاستكبارية، وتحديد صفات منتظريه عليه السلام، لابد أن تكون خارجة من الإيمان الروحي والعقلي، بالإضافة إلی:

أولاً: القدرة القائقة علی الاستيعاب: الفهم يشير إلی المهارة التطبيقية، بمجرد ما تعطيهم أي نظرية يستوعبونها بسرعة.

ثانياً: العقل الراجح: أي أنهم من الناحية النظرية يتمتعون بقدرات عقلية فائقة.

ثالثاً: المعرفة والعلم: يتمتع هؤلاء بالجانب العلمي الراقي.

رابعاً: إننا عندما نقرأ الروايات، نفهم الصفات التي يجب أن تتوافر في المنتظر للقائم، وأما الذي يقول: أنا منتظر للقائم ولا يوجد جانب عملي وتطبيقي لانتظاره، فهو يتمنی ولا ينتظر، ولكن المنتظر الحقيقي يتمتع بجانب عملي وتطبيقي، وهذا الانتظار أُشير إليه في الروايات الواردة عن النبي (صلى الله عليه آله وسلم)، ولكن عندما يأتي شخص فيقول الانتظار مثلاً هو قراءة الدعاء ثم لا يطبق شيئاً، ويدع الحبل علی الغارب، فهذا ليس معنی الانتظار في اللغة ولا في الواقع العملي، ولا المعنی الذي تشير إليه الروايات. والإمام زين العابدين (ع) بين المستوی المعرفي لهؤلاء المنتظرين عندما قال: (ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة)، ثم تحدث عن الرتبة التي يصل إليها أولئك المنتظرون: (وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف)، فهذا المُنتظِر يعيش جهاداً في جميع النواحي النظرية والتطبيقية، ثم يقول: (أولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً)، يعني يوجد مَن يدعي انتحال التشيع والموالاة لأهل البيت من خلال المودة والحب علی المستوی النظري، وهذا لا فائدة منه، وأما إذا كان هذا الحب والمودة والعاطفة الجياشة مقترنة بالجانب العملي والسلوكي، فهي التي تُحقق التشيع الحقيقي، الذي يصبح به من الدعاة إلی الله في السر والجهر.

نسأل الله تعالی أن يوفقنا للعيش في ظل دولته عليه السلام، وأن يمن علينا بالنظر إلي وجهه الكريم، وأن يجعلنا من المقبولين لديه. وندعو فنقول: (اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني). إن المهدي الموعود هو ما بشر به النبي الأعظم (ص)، كما أن المسلمين يعرفونه جيدا، وسوف يؤمنون به، ولكن يتردد سؤال حائر ولكنه لازم، وهو: كيف سيتمكن الإمام المهدي (عج) من تعميم الإسلام علی الشعوب غير المسلمة، مع ما هي فيه من حياة مادية بعيدة عن الإيمان والقيم الروحية، ونظرة سيئة إلی الإسلام والمسلمين؟!.

هنا ينبغي الالتفات إلی عوامل كثيرة عقائدية وسياسية واقتصادية تساعد الإمام المهدي (عج) في دعوته، تقدم بعضها في حركة ظهوره عليه السلام. فمن ذلك أن شعوب العالم تكون قد جربت – وقد جربت – الحياة المادية البعيدة عن الدين، ولمست لمس اليد فراغها وعدم تلبيتها لفطرة الإنسان وإنسانيته، وهي حقيقة يعاني منها الغربيون ويجهرون بها!.

ومنها، أن الإسلام دين الفطرة، ولو فسح الحكام لنوره أن يصل إلی شعوبهم علی يد علماء ومؤمنين صادقين، لدخل الناس فيه أفواجا. ومنها، الآيات والمعجزات التي تظهر لشعوب العالم علی يد المهدي (عج)، ومن أبرزها النداء السماوي كما تقدم وهذه الآيات وإن كان تأثيرها علی الحكام مؤقتاً أو ضعيفاً أو معدوماً ولكنها تؤثر علی شعوبهم بنسب مختلفة. ولعل من أهم عوامل التأثير عليهم انتصارات الإمام المهدي (عج) المتوالية، لأن من طبع الشعوب الغربية أنها تحب القوي المنتصر وتقدسه، حتی لو كان عدوها، فكيف إذا كانت له كرامات ومعجزات. ومنها، نزول المسيح (ع) وما يظهره الله تعالی علی يده من آيات ومعجزات للشعوب الغربية وشعوب العالم، بل إن دوره الأساسي وعمله الأساسي يكون بينهم، ومن الطبيعي أن تفرح به الشعوب الغربية وحكامها ويؤمن به الجميع أول الأمر، حتی إذا بدأ يظهر ميله إلی الإمام لامهدي (عج) والإسلام، تبدأ الحكومات الغربية بالتشكيك والتشويش عليه، وتنحسر موجة تأييده العارمة، ويبقی أنصاره من الشعوب الغربية، ويحدث فيهم التحول العقائدي والسياسي حتی يكونون تياراً في بلادهم. ومنها، العوامل الاقتصادية، وما يصل إليه العالم من الغنی والرفاهية علی يد الإمام المهدي (عج)، فينعم الناس في زمنه نعمة لا سابقة لها في تاريخ الأرض وشعوبها، وفي كل الأحوال، فإن دولة القائم لابد أنها ستصطدم بالمستبدين الشرقيين المسلمين، ومعهم التحالف الدولي، وفي تلك الحرب التي سينتصر فيها القائم، لابد أن تنحاز جموع المستضعفين في العالم إليه، لأن المستضعفين هم الأكثرية في عالم الاستفراد بمقدرات الشعوب، وهو عالم يدعي نها