وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء ـ ابنا ـ قال رجل الدين البحريني «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة (08/11/2013) بجامع "الإمام الصادق (ع)" في "الدراز" "دعوني أسأل (الحكومة) من جهة أخرى، ما هو ضرر علم أسود مكتوبٌ عليه "السلام على الحسين(ع)" ينصب في شارع فرعي أو حتى في شارع رئيس، يُعلّق على منزل في قرية أو مدينة، ما الذي يهدد السياسة من هذا العلم؟ ومن هذا السلام؟ وماذا يعني من تحدٍ سافر لها؟ وما الذي يخاف عليها منه؟ أشيء من ذلك؟ وهل يُسقط هذا العلم النظام؟ يقلب الأوضاع؟ يغيّر الحكومة؟ يستبدل واقعاً سياسياً بواقع آخر مضاد؟ لما هذه المعاداة؟ لما هذه الحرب؟ لما هذا الاستفزاز كل عام؟ لما الشحن لهذا الموسم بالتوتر منذ البداية؟ كل هذا حتى لا تهدأ الأجواء ولو بعض الشيء؟ ولا يكون اصلاح على الاطلاق؟".
وأضاف "نتمنى أن لا يكون الأمر معاداة للحسين عليه السلام ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله بالذات، ولكن كيف يفهم الناس غير ذلك؟ وغير سد الأبواب عن الاصلاح؟ ولنا بيان واضح في ما يخص قضية عاشوراء واحياءها على يد المؤمنين، عاشوراء واحياء عاشوراء لا لإحياء الحروب الطائفية ولا التوترات المذهبية، ولا للسب والشتم المذهبي، ولا للتكفير، ولا للفرقة بين المسلمين، ونرى أن عاشوراء ليست للشيعة وحدهم وإنما هي لكل المسلمين".
وفي فيما يلي نص خطبة الجمعة الثانية -السياسية - لسماحته:
لماذا عاشوراء؟
لماذا احياء ذكرى عاشوراء؟ ولماذا كل هذا البذل الكثير للمال في سبيله؟ والجهود المكثفة والحالة الطارئة في حياة الأمة كل عام؟ والتظاهرة العامة الكبرى التي تشمل الرجال والنساء والكبار والصغار وتغطي ساعات الليل والنهار ولمدة عشرة أيام متواصلة ولأكثر من عشرة أيام.
لماذا هذا كله؟ ؛ لأن ثورة الإمام الحسين عليه السلام أعادت للأمة الحياة، أعادت للدين الحياة، وكشفت بشكلٍ جلي عن عملية التزوير التي استهدفت فروع الدين وأصوله وكل أسسه، وعرّت الجاهلية الجهلاء التي اختلطت به وأذهبت جماله، وكان لها ذلك بأنها ثورة اسلامية بحقٍ وصدقٍ ودقة، وكل أركان اسلاميتها الصادقة تامة مكتملة حيث القيادة والطرح والأنصار والأمانة البالغة في التقيّد الشرعي والأخلاقية القرآنية الرائعة وطُهر القصد وخلوص النية لله سبحانه وروح الفداء والتضحية في أعلى درجة لها في سبيله تبارك وتعالى والتي قلّ لها النظير.
وفي احياء ذكرى عاشوراء احياءٌ للأمة وأجيالها، وشدٌ لها للغاية، ووضعها على الطريق.
والاحياء من أجل تقديم اسلام الحسين عليه السلام للأمة، وهو الاسلام الذي لا ينبغي لمسلمٍ أن يشك فيه، والاحياء من أجل أن لا يمرر على الأمة المسلمة ألف تزوير وتزوير للاسلام من جديد.
وعاشوراء من أجل أن يرفع من مستوى فكرنا ووعينا فنقرب شيئاً ما من الفكر العملاق للإمام الحسين عليه السلام. كلنا بعيدون عن الامام عليه السلام ما بعُد فكرنا عنه فكره، روحنا عنه روحه، شخصيتنا عن شخصيته، فحتى نقترب لابد أن نرفع من مستوى فكرنا ليقرب ولو شيئاً ما من فكره.
وعاشوراء من أجل أن يرفع من مستوى فكرنا ووعينا فنقرب شيئاً ما من الفكر العملاق للإمام الحسين عليه السلام، وأن نستضيء روحياً من أنوار روحه وهداه فتشفّ حياتنا بدرجة وينتهض ايماننا فنقوى، وتتصلب ارادتنا في الخير فنندفع على طريقه، وتشتد عزائمنا فنكون قادرين على المقاومة، ونتعلم على يده من خلوص القصد لله سبحانه واسترخاص التضحية في سبيله ما تعز به حياتنا وتكرُم اليوم في الدنيا وغداً في الآخرة.
ومن أجل أن نتذكر بحق أن الاسلام لا يعز عليه بشيء حتى الحسين عليه السلام، وأن كل شيء يُرخص في سبيل الله، وأن من ثمن بقاء الاسلام وصدقه وصفائه رؤوس أولياء الله وأصفيائه والسبي لحرم بيت النبوة والرسالة والامامة.
وموسم عاشوراء وإحياءه وكل البذل والجهد المكثف فيه، والاصرار عليه وبذل النفس وكل نفيس من أجله للنظافة، نظافة العقول من الشبهة، والقلوب من تأثير الجاهليات، والنفوس من غلبة الهوى والدنيا، والعلاقات من غشّها، والحكومات من ظلمها، وأوضاع السياسة والاجتماع والاقتصاد من فسادها، والأرض كل الأرض من رجسها حتى تشرق بنور ربها، هذا ما هو من أجله احياء عاشوراء.
وهو للتعاون والوحدة، التعاون في سبيل الخير واشاعة المعروف والقضاء على المنكر، والوحدة بالاعتصام بحبل الله، وقطع الصلة بأي حبلٍ آخر هالكٍ مهلك، آخذٍ بأهله إلى النار، وكل حبلٍ وكل سبيلٍ باين حبل الله وسبيله فمنتهى أهله النار. فلا وحدة على طريق النار، إنما الوحدة المطلوبة ما تكون وحدة على طريق الجنة، والحسين عليه السلام هادٍ لهذه الوحدة.
وكذلك هو للتلاحم والتراحم، التراحم الذي يبدأ أول ما يبدأ بين المؤمن وأخيه المؤمن، والمسلم وأخيه المسلم، ثم يعمّ كل مستضعفٍ وضعيف، وكل كبدٍ حرّى. والتلاحم في موقفٍ صلبٍ وثابتٍ في وجه الشرور والبغي والظلم ولنصرة الحق والعدل والدين.
وممّن تُستقى الدروس الحية الكريمة الثرّة المربية الصنّاعة في موسم عاشوراء؟ من القيادة المعصومة في كربلاء، قيادة سبط رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن كل أبطال كربلاء من رجالٍ ونساء، من طاعنين في السن وطاعنات، ومثكولين وثاكلات، من شبابٍ وشابات، ممّن كان في صباه ممن ضحوا عن وعيٍ وإيمانٍ بهذه الحياة، من التهافت والتنافس والتسابق على الشهادة في سبيل الله، من قوة الايمان في أغزر غمرة المحن، من صمودٍ مبدأي معجزةٍ لا يعترف بآلام البدن، من مخدراتٍ سُقن سوق الإماء إلى مجلس بن زيادٍ ويزيد ولم ينكسر لهنّ عزم، ولم تخفت منهنّ كلمة الحق المقارعة للظلم والطغيان، ولم تدخلهنّ الهزيمة لرؤية مصارع الأحبة الأمجاد الكرام، ولم تهتزّ في نفوسهنّ الثقة بالله سبحانه، وما نال من شعورهنّ بالعزة بخالق الخلق كل إذلال الظالمين، ومن حجة الله على أرضه بعد أبيه الحسين عليه السلام وهو زين العابدين عليه السلام الذي كان أسيراً الطغاة بعد مذبحة الطف ليظهر منه بحقٍ وفي الوسط المعادي كله وحيث لا نصير، وفي الجو المرهب ونشوة النصر الجاهلي للأعداء أنه الأعز، وأن ما بداخله من عزة صادقة بالله يذوب أمامها كل نصر، وكل إنتفاخٍ وأبّهة دنيوية زائفة، وكل عظمة تقوم على التزوير والافتعال وأنّه كلّه إيمانٌ بأن نصر يزيد وعساكره ما هو في حقيقته إلا هزيمة، وما الشهادة التي نال شرفها الحسين عليه السلام والصفوة المؤمن من أهله وأصحابه إلا عينُ النصر والعزة والكرامة، وأن البقاء للحسين عليه السلام وليزيد النسيان والهلاك [1].
ولقد كانت في كربلا lولقد كانت في كربلاء مدرستان، مدرسة للحسين عليه السلام ومدرسة ليزيد، ولا مسلم اليوم أو غداً ممّن له عقلٌ ودينٌ ويعرف الاسلام وما يوجب ويحرّم، ويجوّز ويمنع، وما يرفع به الاسلام ويضع، يشرّفه الاعلان بالاقتداء بيزيد وأنه يتخذه له اماماً، أمن عاقل في المسلمين يفهم شيئاً من الاسلام يتشرّف بأن يقول بأن قدوتي يزيد وإمامي يزيد؟
وما من مسلمٍ هو كذلك –أي عاقل يفهم الاسلام- إلا ويشرّفه أن يعلن اقتدائه بالإمام الحسين عليه السلام وأخذه بإمامته الهادية المُنقِذة [2].
وحتى من تخالف من المسلمين سيرته سيرة الإمام الحسين عليه السلام -شيعياً كان أو سنياً أو غير ذلك- وفي أخلاقه مناقضة لأخلاقه، ويضعف أمام نفسه بما يجعله بعيداً عنه عليه السلام فيما يأخذ وما يدع ليشرّفه أن ينسبه آخر للإمام العظيم وإن كان عليه أن يخجل أيّ ما خجل لمفارقته عليه السلام.
البحرين والثورات العربية:
الثورة في تونس ثورة شعبٍ على ديكتاتورية حكم، وقد أسقطت نظام زين العابدين الذي كان يفرض سيطرته على تونس بقوة السلاح والمخابرات.
والبحرين ممن باركت للثورة بعد نجاحها، وعندما أطاحت الثورة بنظام الحكم الطاغوتي الذي كان يرأسه محمد حسني مبارك جارت البحرين الوضع الجديد تمشياً مع الواقع وإحتراماً أياً كان منطلقه لإرادة الشعب، وبعد التغيير الأخير أكثر بلدان الخليج تأييدها ومناصرتها بما في ذلك البحرين لما تمّ من تغيير على أنه تغيير قد شاركت فيه ارادة شعبية بالقدر المعلوم وأن التغيير إنما يرفع شعار الديمقراطية والاحتكام إلى ارادة الشعب وأن الخلفية له رفض الديكتاتورية والتفرّد بالحكم من الفرد أو الحزب الواحد. التغيير الأخير هذا شعاره، وحكومات الخليج كلها تقف معه.
وفي سوريا تقف البحرين بصراحة مع القوة المناهضة لحكم بشار الأسد على أساس أنها تطالب الانعتاق والحرية والتخلّص من حكم استبدادي يقوم على التمييز وقهر الشعب.
وفي اليمن تدخلت البحرين في من تدخل لإحداث درجة من التغيير كان من نتائجها ازاحة علي صالح من موقع الحكم، والاقتراب من صيغة الحكم إلى النظام المعتمد بصورة وأخرى على ارادة الشعب فيما خُطط أن ينتهي له التغيير من الرجوع إلى انتخاب رئيس الجمهورية.
هذا هو موقف السلطة في البحرين من ثورات الساحة العربية على عددٍ من أنظمة الحكم الديكتاتورية المتسلطة فيها طلباً للديمقراطية واحترام ارادة الشعوب.
الثورات كانت من أجل هذا، وهذا موقف البحرين من ثوراتٍ استهدفت أن تنال الديمقراطية وأن تتحرر الشعوب، فكيف هو موقفها من الحراك الشعبي السلمي في البحرين المطالب بالاصلاح بسقفه المعلن المعروف المكشوف؟ وهو سقفٌ دون السقوف التي وصلت إليها بعض الثورات العربية وأصرّت عليها.
الواضح جداً أن قضية الاستمرار في التحقيقات للمعارضين السلميين، والاستدعاءات والمحاكمات والملاحقات، والسحب للجنسية من عددٍ من المواطنين والعقوبات الجماعية، والانتهاكات العامة، وهدم المساجد، والأحكام القاسية والقتل تحت التعذيب إلى آخر القائمة الطويلة من التنكيل بالحركة السلمية وقادتها وجمهورها ومناصريها إنما تستهدف المنع بإستعمال أساليب القوة من إبداء الرأي المعارض والنطق بكلمة الحق ونقد السلطة والمطالبة بالحقوق، وتستهدف تركيع الشعب بصورة كاملة ودائمة وأن لا يرتفع صوتٌ للحرية والديمقراطية في البحرين [3].
وهذا الأسلوب القمعي الذي تنتهجه السلطة وتصر على الاستمرار في التمسك به في قبال المعارضة السلمية لا يلتقي مع دين ولا دستور ولا خلق انساني أو عرف حضاري، ولا يلتقي مع موقفها في شيء من الثورات العربية ال