ابنا : حين يحذّر من الخطورة المتزايدة لانتشار أفكار التطرف بين أوساط الناس العاديين في مختلف أنحاء سوريا على أيدي الجماعات الجهادية، وأن هذه الخطورة لا تقتصر على سوريا وحدها، فإنه يقول نصف الحقيقة ويخفي النصف المتعلّق بسياسة رئيس حكومته أردوغان وحزبهما الإخواني الذي اعتقد ذات ليلة ربيعية أن الظروف مهيأة لترجيع شريط الزمن واستعادة الخلافة الإمبراطورية البائدة .
كان على غول وأردوغان وداوود أوغلو، فيلسوف حزب التنمية والعدالة الإخواني وصاحب نظرية “صفر مشاكل”، أن يفكّروا في تداعيات الأزمة السورية على تركيا وسواها من دول الجوار وأوروبا، عندما فتحوا الحدود للسلاح والمسلّحين من شتى أصقاع الأرض كي يدخلوا إلى سوريا . كان على الفلاسفة في الحكومة التركية أن يدركوا أن ما يفعلونه سيرتد على بلادهم يوماً ما إذا لم يأت حساب البيدر مطابقاً لحساب الحقل، وربما حتى لو كان مطابقاً .
من يراقب ويحلّل، على نحو موضوعي، مسار السياسة الخارجية الذي اشتقّته تركيا الأردوغانية في السنوات الأخيرة، لن يحتاج لجهد كبير كي يستنتج أن المنظومة الحاكمة فكّرت وخطّطت بمنطق الجماعة الحزبية وليس بمنطق الدولة، وحين أدارت بعض الملفات بذكاء، كموضوع غزة، كان أفق الإدارة قصير المدى وغير منسجم مع نفسه في الشعار والهدف . فالضجّة الكبرى التي أثيرت حول العدوان الوحشي الصهيوني على غزة، سبقها صمت مطبق إزاء عدوان أشد وحشيّة على لبنان . ثم بعد ذلك لم تتعامل حكومة “التنمية والعدالة” بالأسلوب نفسه مع العدوان الثاني على غزة في 2011 . وبدا واضحاً أن وصول الإخوان للسلطة في مصر قد شكّل تحقيقاً لقسم كبير من أهداف السياسة التركية في المنطقة، لذلك تركت للنظام الإخواني في مصر أن يتعامل مع ملف العدوان على غزة بطريقة رضيت عنها تركيا، في حين أن اتفاق الهدنة الذي رعاه مرسي تأخر أربعاً وعشرين ساعة إلى أن وصلت هيلاري كلنتون إلى مصر للمصادقة على الاتفاق .
أما الحديث الآن عن سوريا بهذه الطريقة المرتجفة، فهو مرتبط بسقوط نظام الإخواني في مصر، وفي هذا الملف أيضاً بدا الأسلوب الحزبي سيد السياسة التركية بأوضح الصور، لكنّها سياسة تفتقر للّباقة والكياسة، إذ ليس مقبولاً أن تتدخّل أية جهة في الشأن الداخلي لدولة بحجم مصر، وأن تصف إرادة ملايين المصريين على مزاجها ووفق أهوائها، مرة بأنها ثورة ومرة بأنها انقلاب .حكومة تركيا التي قبلت تعبيراً “إسرائيلياً” باهتاً عن “الأسف” عن استشهاد تسعة أتراك في المياه الدولية، لم تكن حريصة على شعار “صفر مشاكل” وهي تبرم اتفاقاً ينص على مغادرة مسلحي حزب العمال الكردستاني إلى الأراضي العراقية، ولم تعمل بموجب هذا الشعار حين أرسلت أوغلو إلى إقليم كردستان العراقي، من وراء ظهر الحكومة العراقية . وبعد هذه المسيرة السياسية المضطربة، ومع خسارة “الأم” في مصر، من الطبيعي أن يشعر غول أن حكومة تركيا كمن أدخل الدب إلى كرمه .انتهى/114