سياسة الدم والموت والقتل الجماعي.. تلكم هي الاستراتيجة التي يتبعها الأمير السعودي الأسمر بندر بن سلطان، الذي قرر، على حد تعبير دبلوماسي خليجي في بيروت، توسيع مساحات الجنون وربطها ببعضها من المدخل الشمالي للوطن العربي، أي اليمن، حتى المدخل الجنوبي، أي العراق وسورية، وبينهما بالطبع الخليج العربي امتداداً حتى بلاد الشام، وكذلك البحرين، التي تقوم فيها قوات درع الجزيرة السعودية بمهماها القمعية والوحشية للمتظاهرين السلميين، فيما الوسواس الخناس يوسوس له بأن يبدأ مهامه في عُمان، لأن هذا البلد الخليجي يحاول أن يحيد نفسه عن الصراعات السعودية التي تمتد في كل اتجاه، في الوقت الذي تحاول الكويت والإمارات أن تبقيا على شيء من الحياد في هذا الصراع المتفلت، من دون أن يغضبا “الشقيقة” الكبرى.
كأننا في ظل التطورات العاصفة أمام جنون التاريخ وهستيريا الجغرافيا فيما يسمى “الشرق الأوسط”، الذي يضيع فيه التاريخ والجغرافيا، على حد رأي اندريه مالرو، لأنه بهذا الجنون والهستيريا وحتى الهذيان لا تعود الايديولوجيا والمبادئ تنبعث من أعماق الروح، إنما من الأقبية وغياهب الجاهلية.. حينها يتحول كل شيء إلى وحش هائج يلتهم كل شيء.. كل شيء.. حتى المذاهب والدين.
هذه الخلاصة كانت منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، وبالتالي يجوز السؤال: هل حُققت توقعات مالرو مع هذا التردي في جزيرتنا العربية، فيحاولون إدخالنا في العتمة الدامسة، حيث السواطير ترث السواطير، والقبائل ترث القبائل؟
إذا لم تصدقوا ذلك، دعونا نعود إلى ذاك الدبلوماسي الخليجي الخائف من الغد على العراق كما على اليمن، كما على البحرين، وعلى سورية ولبنان إلى آخر 22 دولة عربية.. كما هو خائف تماماً على بلاده من السطوة “البندرية” الدموية الجامحة بلا حدود، ويتساءل: من يذكر من النظام العرب الرسمي الملتهي بالدم، القدس وبيت المقدس، التي لا يحمل همها وقضيتها وتاريخها وقدسيتها في هذا الزمن إلا السيد حسن نصرالله ومقاومته الإسلامية الباسلة، ومعهما بالطبع إيران؟
ببساطة، بائعو الغاز العربي معجبون بدبلوماسية الحرير مع واشنطن، لأن نضال سيوفهم صدأت أو تكسرت، وبالتالي فهم يريدون تحرير فلسطين وبيت المقدس بالقفازات الحريرية، ومن يستعدّ لهذه المهمة بعد وصول رجب طيب أردوغان مع صديقه القطري إلى الجدار السميك، الأمير الأسمر بندر بن سلطان، الذي في رأس همومه أن يقدم للسيد الأميركي أنه الأقدر على القيادة في مملكة الذهب الأسود من كل أعمامه وأبناء عمومته..
ثمة سؤال هنا، على حد تعبير أحد الكتاب اللبنانيين: لماذا يريد هذا “الربيع العربي” أن نكون حفاة عراة ولا ينتشلنا من الهم والتحوُّل إلى ديناصورات منقرضة، إلا هذا النير التركي، أو ذاك الأمير الأزرق، الذين يتوقون للصوص الهيكل ولأورشليم..؟! كأنهم جزء منهم ومن مشروعهم ومستقبلهم.
قد يكون أفضل من عبّر ذلك الكاتب العربي الكبير محمد حسنين هيكل، الذي حذر مرة من الاغتيال الأيديولوجي للعرب ولثوراتهم.. وتاريخهم.. وربما لإسلامهم، فهل من أحد ينتبه لصرخة هذا الرجل الخبير.
...........................................
انتهى / 214