وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الخميس

١ أغسطس ٢٠١٣

٧:٣٠:٠٠ م
447774

«آية الله عيسی قاسم» في خطبة صلاة الجمعة:

الإصلاح خير للجميع والإفساد مقتلة للكل ولا يستويان معاً

قال «آية الله الشيخ عيسی قاسم» في خطبة صلاة الجمعة ان "الساحة المحلية والعربية والإسلامية وكل الساحات العالمية تؤدي شهادة صارخة بأن الإصلاح خير للجميع وأن الإفساد فيه مقتلة للكل وتدمير لمكونات المجتمع والأوطان".

ابنا: قال «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة (02/08/2013) بجامع "الإمام الصادق (ع)" في "الدراز" متسائلاً "الإصلاح حاجة طرف دون طرف؟ الإفساد ضرره على طرف دون طرف؟ رأي قد يراه بعض، ولكن لا يراه راءٍ إلا تحت تأثير الوهم والغرور وقصر النظر وإيهام الظروف. أما واقع حياة البيت الواحد والبلد الواحد والمجتمع الواحد والوطن الواحد فمنطقه الساري على خلاف ذلك، والساحة المحلية والعربية والإسلامية وكل الساحات العالمية تؤدي شهادة صارخة بأن الإصلاح خير للجميع وأن الإفساد فيه مقتلة للكل وتدمير لمكونات المجتمع والأوطان".

وأضاف آية الله قاسم انه "يذهب ذاهبون إلى نصح السلطات في كثير من الأقطار المتعددة التي ينشب فيها الصراع بين طرف السلطات والشعوب من منطلق إلغاء الحقوق باعتبار ما تمتلكه هذه الجهات من أسباب التضييق والقوة والبطش والفتك بأن تبالغ في استعمال القوة المفرطة وهي نصيحة لو تدبرتها السلطات في كل مكان لرمت بها في البحر".

وفيما يلي نص الخطبة الثانية لسماحته:

هل يستويان؟

هل يستوي إصلاحٌ وإفساد؟ هل يستويان خلفيّة [1] عقليّة أو دينيّة أو خلقيّة أو قانونيّة؟ هل تستوي الدعوة لهما كذلك؟ هل يستوي إصلاحٌ ودعوةٌ إليه وإفسادٌ ودعوةٌ إليه حبّاً للوطن وبناءاً له وحفاظاً على وحدته ورعايةً لقوّته ونتيجة إيجابيّة أو سلبيّة تلحقه ؟ لا يستوي إصلاحٌ وإفساد، ولا دعوةٌ لهذا ولا دعوةٌ لذاك.

الإصلاح حاجة طرف دون طرف؟ الإفساد ضرره على طرف دون طرف؟ رأيٌ قد يراه بعض، ولكن لا يراه راءٍ إلّا تحت تأثير الوهم والغرور وقصر النظر وإيهام الظروف. أمّا واقع حياة البيت الواحد والبلد الواحد والمجتمع الواحد والوطن الواحد فمنطقه الساري على خلاف ذلك، والساحة المحليّة والعربيّة والإسلاميّة وكلّ الساحات العالميّة تؤدّي شهادة صارخة بأنّ الإصلاح خيرٌ للجميع وأنّ الإفساد فيه مقتلةٌ للكلّ وتدميرٌ لمكوّنات المجتمع والأوطان.

ويذهب ذاهبون إلى نصح السلطات في كثير من الأقطار المتعددة التي ينشب فيها الصراع بين طرف السلطات والشعوب من منطلق إلغاء الحقوق باعتبار ما تمتلكه هذه الجهات من أسباب التضييق والقوّة والبطش والفتك بأنْ تبالغ في استعمال القوّة المفرطة [2] وهي نصيحةٌ لو تدبرتها السلطات في كلّ مكان لرمت بها في البحر.

وهذا الصوت الجاهليّ الظالم [3] قد أشعل فتيل النار في كثير من بلدان الساحة العربيّة وألهبها وخلق أوضاعاً مأساويّة وزلزل كثيرا وحطّم كثيرا وأعطى من النتائج ما أعطى ممّا يشهد على بلاهة هذه النظرة وسخف هذا القول وسفه هذا الرأي.

وإنْ كنت قويّا كلّ القوّة حسب نظرك أو حتّى حسب واقعك جدلا وقصدت مصلحة نفسك ومصلحة الوطن كلّه أو كنت لا تهمّك إلّا مصلحة ذاتك دون الغير فإنّ ذلك ليس في الإفساد ولا الاستمرار عليه والبقاء على البغي والظلم والاستئساد على المستضعفين والقتل والحصد والإرهاب والعنف وإنّما في العدل والإصلاح والعودة لمقتضى الدين والعقل والحكمة والتواضع.

وكم جنى أهل بطش القوّة والذين ساقهم غرورها إلى البغي والظلم وعدم الركون إلى الدين والعقل خلاف ما كان يزيّن لهم ويعدهم به هذا المنطق السقيم؟ وأمامك تجارب الأمم والشعوب والتاريخ والحاضر وما يحمله الزمن كلّ يوم من دروس في هذا المورد.

إنّ المجتمع الواحد محتاج بعضه إلى بعض حاجة أهل البيت الواحد بعضهم إلى بعض، وإذا زادهم الشقاق شقيت كلّ حياتهم.

الساحة العربيّة بين الاستئثار والمشاركة:

منذ ما حقّقه ما أٌطلِق عليه الربيع العربيّ من انتصاراتٍ على أنظمة سياسيّة في مواجهةٍ لها لم تهدأ الساحة العربيّة ولا في منطقة واحدة من مناطق صراعها المحتدم الذي كان يستهدف الانتصار.

وقام مقام الصراع السابق صراعٌ آخر بين أطراف الانتصار المشترك أو أنّ ما حدث أنْ أخذ الصراع السابق لوناً آخر وصورةً مستجدّة على مستوى المواجهة وبقي المضمون هو المضمون أو متأثّراً إلى حدٍّ بعيد بوضعيّة الماضي وخلفيّته.

ولا زالت الساحة العربيّة خاضعة في صراعاتها الحاليّة لإرادة الخارج وتدخّلاتها السافرة، ولا زالت روح الاستئثار والتفرّد بالحكم والسيطرة المطلقة عند مختلف الأطراف هو الشيء السائد والمحرّك الظاهر للصراع. ولا زالت الدماء تنزف، والجراح تتعمّق، والثروات تُهدّر، والعداوات تتسّع، والقتال في استمرار، والمغالبة محتدمة، والبلاد تخسر على أكثر من صعيد [4].

ومع سيادة روح الاستئثار بالسلطة عند جميع الأطراف وعدم التورّع من استعمال القوّة لإخضاع إرداة الآخر لا توجد قوّة الحسم الكافية بيد أيٍّ منها أو الجوّ العام المناسب والذي يسمح بصورة مطلقة للاستخدام الحرّ لهذه القوّة والبطش المفتوح وإراقة الدماء من غير حدّ والإسراف في سفك الدّم.

وعلى هذا يُستبعَد في ظلّ واقع الصراع القائم واستئساد كلّ الأطراف والمعادلات الراهنة على الأرض من أكثر من جهة أنْ يتحقّق الحسم لصالح الاستئثار بالسلطة والتفرّد بالحكم على يد هذا الطرف أو ذاك في كلّ الساحات، هذا إنْ لم يكن مثل هذا الأمر مستحيلاً عملاً ولو في مدى المستوى المنظور.

وبذلك لا مخرج لأيٍّ من هذه الساحات من واقع الصراع المرير المكلف ولتبقى قوّة من قوّة للبلدان التي تستعر فيها الأحداث الطاحنة وبقيّة من مكانة وفرصة ما لحالة من حالات الالتئام ومعالجة الأوضاع ولملمة الجراح وتوقّف حالة النزيف والاستنزاف ومسلسل التدهور والدمار والخسائر الفادحة. لا مخرج كذلك ولا حلّ يمكن له أنْ يحقّق صورة من التوافق القادر على الصمود على الأرض والتمتّع بدرجة من الثبات إلّا حلّ المصالحة القائم على الرضا ولو تسليماً للأمر الواقع.

ومن دون ذلك فالنتائج كارثيّة على الكلّ – في كلّ بلادنا العربيّة – إلى حدٍّ بعيدٍ جداً ومن النوع الذي يهدّد وجود هذه البلدان ووجود الأمّة ويفتح أبواب الخطر غير المحدود على واقعها وهويّتها.

أرجع الله هذه الأمّة إلى الرشد، وأخذ بها إلى طريق البناء والصلاح وأنقذها من المسلك الذي صارت فيه والمؤدّي إلى هلاكها.

الإمام علي عليه السلام [5]:

الإمام علي عليه السلام على لسان ضرار ابن ضمرة الليثي أمام معاوية، كلماتٌ أنقلها عن ضرار وأقف عند كلّ كلمة منها [6]:

"كان والله بعيد المدى".

إنّه بعيد المدى في تفكيره، وتأملاته، وتعمّقاته، ورؤيته الكونيّة، وفي كلّ فهمه وتقديره، وفي هدفه وتطلّعه واشتغال روحه وتعلّق قلبه، وفي تحليله وسبره.

"شديد القوى".

قوى عقلٍ وروحٍ وإرادةٍ وعزيمةٍ وصبرٍ وتحمّلٍ وشجاعةٍ وجلدٍ وعزمٍ وحكمةٍ وعلمٍ وحلمٍ ومواجهةٍ وحربٍ وبدن، وله من الدين ما لا يقوى عليه أحدٌ مثله بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.

"يقول فصلاً، ويحكم عدلا".

إذا قال فلا قول بعد قوله، ولا تصحيح يمكن أنْ يلحق ما يقول ؛ لتمام صدقه وصحّته وحقّانيّته. وما حكم به لا يخالط عدله ولا شائبةٌ ضئيلةٌ من ظلم، ولا يمسّه انحرافٌ أو ميلٌ يسيرٌ عن الدين الحقّ الذي هو ميزان العدل، ولا يقربه شيءٌ من هوى النفس والأرض والمشتهيات.

"يتفجر العلم من جوانبه".

تشهد بذلك كلّ كلماته، وما طال من كلماته وما قصُر، وفي كلّ مناسباته وكلّ مقامٍ ممّا جاء فيه، وكلّ قضيّةٍ تعرّض إليها وموضوعٍ طرقه.

"وتنطق الحكمة من نواحيه".

بلا تكلّف، ولا حاجة للتأمّل وتوقّف فكريّ وتريّث نظر، الحكمة في قلبه من الزاد الجاهز لمن يحتاجه، والذي يملأ أقطار ذلك القلب الزكيّ ويفيض عنه.

"يستوحش من الدنيا وزهرتها".

لأنّه أكبر منها ومن كلّ ما يغري كباراً فيها، وهو منها في علوّه على مسافةٍ شاسعة لا يطاله منها تأثير، ولأنّه يعرف ما لها من مصانع عقولٍ وقلوبٍ وأديان قد تتراءى منها صلابة ورفعةٌ وشموخ ثمّ تسقط خاسرةٌ أمام سحرها وما هي عليه من فتنة وخداع.

"ويستأنس بالليل ووحشته".

بماذا؟ بما يضيء ليل ذكره المنقطع الصادق لله سبحانه به من نورٍ في قلبه ويملأ عليه جوانبه وكلّ ساحة فضائه وما تنقله إليه مناجاته لربّه من معرفةٍ حاضرةٍ حيّة دفّاقةٍ متوهّجة من محفل أنسٍ تعيشه روحه وربيع جمالٍ ينشغل به وجدانه.

"كان والله غزير العبرة".

من خشية الله وشديد تقواه لمعرفةٍ منه من معرفة عظمة ربّه وجلاله وجماله وكماله وعدله وقدرته وأخذه وبطشه وإحسانه وإنعامه. وكلّ ذلك يخشع له القلب، وكلّ ذلك تدمع له عين الواعين من أهل البصيرة.

"طويل الفكرة".

لا عابرة ولا قصيرة [7]، ولكن ماكثة ممتدّة لا يقطعها لهو ولا تعترضها غفلة ولا يفسدها تشتّت ذهن. فكرةٌ عابرة للزمان والمكان، متجاوزةٌ للآفاق القريبة والمستويات البعيدة التي تقف بأفكار الكثيرين لتعانق أبعد سماءٍ للحقيقة ممّا يمكن أنْ يصل إليه التفكير عند الصفوة التي اصطفتهم عناية الله سبحانه من بين الناس.

"يقلّب كفّيه".

لعلّه استغراقاً في التأمّل والتدبّر وانفعالاً بعمق الفكرة وبما تنفتح به عليه البصيرة ويطالعه به طول النظر وغزارته وصفاؤه من عظمة الحقّ وهيبة الآخرة وجليل شأنها وضآلة الدنيا وحقارتها وعظيم المسؤوليّة وما يشاهده من مصارع الرجال أمام الشهوات وسقوط الضحايا على عتبة النزوات. لعلّ تقليبه كفّيه عليه السلام من انشغاله بالشوق المأخوذ له إلى الكمال وتعلّق قلبه بالملأ الأعلى وعالم الملكوت.

"ويخاطب نفسه".

محذّراً لها من أنْ تتوقّف لحظةً عن رحلتها الجادّة الدائمة إلى الله أو يصيبها على طريقه فتور، مباركاً لها خيارها الرشيد في تقديمها لله على كلّ شيء، مطالباً لها بالحزم والجزم وعدم المهادنة لأيّ خاطرة من خواطر الضعف أو اللين للدنيا وأيّ لمسةٍ حريريّةٍ من لمساتها.

"ويناجي ربّه".

والذي في مناجاته غذ