الإمام الحسن عليه السلام هو ابن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وابن سيّدة نساء العالمين فاطمة بنت محمّد سيّد المرسلين صلى الله عليه واله الطاهرين، ثاني أئمّة أهل البيت، الذين أذهب الله عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيراً.
كنيته: أبو محمّد، وألقابه: السيّد، والسبط، والأمير، والحجّة، والبرّ، والتقيّ، والأثير، والزكيّ، والمجتبى، والسبط الأوّل، والزاهد1.
ولد بالمدينة في النصف من شهر رمضان، سنة ثلاث من الهجرة2، وقيل: سنة اثنتين3.
جاءت به أمّه فاطمة إلى النبيّ صلى الله عليه واله، يوم السابع من مولده، في خرقة من حرير الجنّة كان جبرئيل عليه السلام نزل بها إلى رسول الله صلى الله عليه واله، فأخذه بيده، وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ثمّ قال لعليّ عليه السلام: "أيّ شيءٍ سمّيت ابني؟ قال: ما كنت لأسبقك بذلك، فقال: ولا أنا بسابق ربّي به، فهبط جبريل، فقال: يا محمّد، إنّ ربّك يُقْرِئُكَ السلام ويقول لك: عليٌّ منك بمنزلة هارون من موسى ولكن لا نبيّ بعدك، فسمّ ابنك هذا باسم ولد هارون، فقال: وما كان اسم ابن هارون، يا جبريل؟ قال: شُبَّر، فقال صلى الله عليه واله: إنّ لساني عربيّ، فقال: سمّه الحسن"، فسمّاه حسناً، وكنّاه أبا محمّد، وفي اليوم السابع من ولادته، أمر النبيّ صلى الله عليه واله أن يُعقّ عنه بكبشين، وأن يُحلق رأسه، ويتصدّق بزنة الشعر فضّة، ثمّ طلى رأسه بيده المباركة بالطيب والخلوف.4
الحسن عليه السلام مع جدّه النبيّ صلى الله عليه واله لقد نشأ أبو محمّد الحسن بن عليّ عليه السلام في أحضان جدّه رسول الله صلى الله عليه واله، وغذّاه برسالته وتعاليم الإسلام وأخلاقه ويسره وسماحته، وظلّ معه وفي رعايته إلى أن اختاره الله إليه، حتّى أصبح مفطوراً على أخلاقه وآدابه وتعاليمه 5.
فقد كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه واله خلقاً وسؤدداً وهدياً، فعن أنس بن مالك، قال: لم يكن أحد أشبه برسول الله صلى الله عليه واله من الحسن بن عليّ عليه السلام.
وفي الرواية: أتت فاطمة بابنيها الحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه واله في شكواه، التي توفي فيها فقالت: "يا رسول الله، هذان ابناك ورّثهما شيئاً" فقال: "أمّا الحسن فإنّ له هديي6 وسؤددي، وأمّا الحسين فإنّ له جودي وشجاعتي"7.
وجاء عن أنس بن مالك، أنّه قال: دخل الحسن على النبيّ صلى الله عليه واله فأردت أن أميطه عنه، فقال: "ويحك يا أنس! دع ابني وثمرة فؤادي، فإنّ من آذى هذا آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله".
وكان الرسول صلى الله عليه واله يُقبِّل الإمام الحسن عليه السلام في فمه، ويُقبِّل الإمام الحسين عليه السلام في نحره، وكأنّه يريد إثارة قضيّة مهمّة ترتبط بسبب استشهادهما عليه السلام وإعلاماً منه عن تعاطفه معهما، وتأييده لهما في مواقفهما وقضاياهما.
لقد كان الإمام الحسن عليه السلام أحبّ الناس إلى النبيّ صلى الله عليه واله ، بل لقد بلغ من حبّه له ولأخيه، أنّه كان يقطع خطبته في المسجد، وينزل عن المنبر ليحضنهما.
والكلّ يعلم أنّ الرسول صلى الله عليه واله لم ينطلق في مواقفه من منطلق الأهواء الشخصيّة، والنزعات والعواطف الذاتيّة، وإنّما كان ينبّه الأمّة إلى عظمة هذين الإمامين ومقامهما الرفيع8.
وقد ورد عن النبيّ صلى الله عليه واله في حقّه وحقّ أخيه الحسين عليه السلام الكثير من الروايات، التي تنصّ على فضلهما ومكانتهما وإمامتهما، ولهما معه صلى الله عليه واله الكثير من المواقف المشهودة والمعروفة، التي رواها الرواة والمؤرّخون، ممّا لا يسع المجال لذكرها وتعدادها.
ونحن نكتفي ها هنا بذكر شيء يسير منهافعن النبيّ صلى الله عليه واله، أنّه قال فيهما: "هما ريحانتاي من الدنيا"، وأنّه كان يقول لعليّ عليه السلام: "سلام عليك أبا الريحانتين، أوصيك بريحانتيّ من الدنيا خيراً"9.
وعن أنس بن مالك، أنّه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه واله، أيّ أهل بيتك أحبّ إليك؟ قال: "الحسن والحسين"، وكان يقول لفاطمة سلام الله عليها: "ادعي ابنيّ، فيشمّهما ويضمّهما إليه"10.وعنه صلى الله عليه واله، أنّه كان يقول فيهما: "أللَّهم إنّي أحبّهما فأحبّهما، وأحبّ من يحبّهما".
وعنه صلى الله عليه واله: "من أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني"، وفي بعض الروايات: "الحسن والحسين ابناي، من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنّة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النّار"11.
واجتمع أهل القِبلة على أنّ النبيّ صلى الله عليه واله، قال: "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا".
واجتمعوا أيضاً أنّه صلى الله عليه واله قال: "الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة"12.
وعنه صلى الله عليه واله، في حقّ الإمام الحسن عليه السلام: "هو سيّد شباب أهل الجنّة، وحجّة الله على الأمّة، أمره أمري، وقوله قولي، من تبعه فإنّه منّي، ومن عصاه فإنّه ليس منّي..."13.
هذا بالإضافة إلى الحوادث الشهيرة التي كانت مناسبة لنزول الآيات القرآنيّة في فضل أهل البيت عليهم السلام، ممّا رواه المسلمون جميعاً، ومنها:
- آية التطهير: حيث نزلت على النبيّ صلى الله عليه واله في بيت أمّ سلمة، فدعا النبيّ عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّلهم في الكساء، وقال: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾14.
- آية المباهلة: ومناسبتها أنّه وفد بعض أساقفة نصارى نجران على النبيّ صلى الله عليه واله، وناظروه في عيسى عليه السلام15، فأقام عليهم الحجّة، فلم يقبلوا، ثمّ اتفقوا على المباهلة 16 أمام الله، على أن يجعلوا لعنة الله الخالدة، وعذابه المعجّل على الكاذبين.
ولقد سجّل القرآن الكريم هذا الحادث العظيم في تاريخ الرسالة الإسلاميّة، بقوله تعالى: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ * فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾17.
فلمّا رجعوا إلى منازلهم، قال رؤساؤهم "السيّد والعاقب والأهتم": إن باهلنا بقومه باهلناه، فإنّه ليس نبيّاً، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة لم نباهله، فإنّه لا يُقدم إلى أهل بيته إلّا وهو صادق، فخرج إليهم صلى الله عليه واله، ومعه عليّ وفاطمة والحسنان، فسألوا عنهم، فقيل لهم: هذا ابن عمّه، ووصيّه، وختنه عليّ بن أبي طالب، وهذه ابنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين، ففرقوا، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه واله: نعطيك الرضا، فاعفنا من المباهلة، فصالحهم رسول الله صلى الله عليه واله على الجزية وانصرفوا. قال الطبرسيّ: أجمع المفسّرون على أنّ المراد بأبنائنا الحسن والحسين عليه السلام".
وقال الزمخشريّ: وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء18.
- سورة "هل أتى": روى الزمخشريّ في كشّافه، عن ابن عبّاس رضي الله عنه: أنّ الحسن والحسين مرضا، فعادهما رسول الله صلى الله عليه واله في ناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك، فنذر عليّ وفاطمة وفضّة- جارية لهم- إن بَرِئا ممّا بهما، أن يصوموا ثلاثة أيّام، فشفيا وما معهم شيء، فاستقرض عليّ عليه السلام ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً، واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال:
السلام عليكم، أهل بيت محمّد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه، وباتوا لم يذوقوا إلّا الماء، وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا، ووضعوا الطعام بين أيديهم، وقف عليهم يتيم، فآثروه، ووقف عليهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك، فلمّا أصبحوا، أخذ عليّ عليه السلام19 بيد الحسن والحسين، وأقبلوا إلى رسول الله صلى الله عليه واله فلمّا أبصرهم، وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: "ما أشدّ ما يسوءني ما أرى بكم"، وقام، فانطلق معهم، فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها، وغارت عيناها، فساءه ذلك، فنزل جبريل، وقال: "خذها يا محمّد، هنّأك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة"20.
من فضائله ومناقبهعن الصادق عليه السلام: حدّثني أبي، عن أبيه عليه السلام: "أنّ الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليه السلام، كان أعبد الناس في زمانه، وأزهدهم وأفضلهم، وكان إذا حجّ، حجّ ماشياً، وربّما مشى حافياً، وكان إذا ذكر الموت بكى، وإذا ذكر القبر بكى، وإذا ذكر البعث والنشور بكى، وإذا ذكر الممرّ على الصِراط بكى، وإذا ذكر العَرْض على الله، تعالى ذكره، شَهِق شَهْقة يُغشى عليه منها.
وكان إذا قام في صلاته، ترتعد فرائصه بين يدي ربّه عزّ وجلّ، وكان إذا ذكر الجنّة والنّار، اضطرب اضطراب السليم21، وسأل الله تعالى الجنّة، وتعوّذ به من النّار. وكان عليه السلام لا يقرأ من كتاب الله عزّ وجلّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، إلّا قال: "لبّيك اللَّهم لبّيك. ولم يُرَ في شيء من أحواله إلّا ذاكراً لله سبحانه، وكان أصدق الناس لهجةً، وأفصحهم منطقاً"22.
وروي أنّ شاميّاً رآه راكباً، فجعل يلعنه والحسن لا يردّ، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السلام عليه وتبسّم، وقال: "أيّها الشيخ، أظنّك غريباً، ولعلّك شبَّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنياك،