وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _ قال «آية الله الشيخ عيسی أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (31/05/2013) في جامع "الإمام الصادق (ع)" بـ"الدراز" ان "شعبنا له مطالبه العادلة، وله قضيته الاصلاحية التي لا يتنازل عنها، ولا ينساها، ولا يتأثر اصراره عليها بنوع العلاقة بين السلطة في البحرين وأي حكم آخر، ايجابية كانت تلك العلاقة أو سلبية، لا ربط أساساً ولا يقبل الشعب بأي ربط بين قضيته ومصيره من جهة وبين أي علاقة تختارها السلطة مع الخارج ونوع هذه العلاقة، وادخال السلطة الشعب في أي خلاف بينها وبين أي دولة أو أي جهة أو حزب إنما هي محاولة من محاولات التملص المكشوفة من استحقاق الاصلاح ونوع من أنواع الهروب المخادع مما يلزمها من الاستجابة لمطالب الشعب".
وأضاف آية الله قاسم ان "شعار الطائفة وشعار المذهب هو الشعار المختار اليوم والمفضل عند من لا يرحم الأمة ولا يراعي حرمات الله، ولا يهمه أمر دينه ولا يقدس إلا كرسي حكمه وسلطانه، وهو الأكثر امتطائاً من هؤلاء الذين أبتليت بهم الأمة لنشر الفتنة، وتفجير الأوضاع، وهدم وحدة الأمة، وتفتيت كيان الشعب الواحد، وتمزيق أشلائه".
وأكد ان "الفتنة الطائفية اليوم تزحف إلى كل شبر يمكن أن تتواجد فيه من الوطن الاسلامي لتأكل أخضر هذه الأمة ويابسها، وكل ساعات الليل والنهار عمل دؤوب عند المفسدين على تحقيق هذا الهدف الاجرامي الدنيء المغضب لله ورسوله والفتاك بالاسلام والمسلمين".
وفيما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله عيسی قاسم:
سلكتم كل سبيل:
ما من سبيل إلا وسلكته السلطة لإسكات صوت الشعب المطالب بالحقوق وابقاء ما كان على ما كان من وضع سياسي وحقوقي لا يستقيم معه أمر وطن من الأوطان، ولا يلتقي مع دين ولا فكر ديمقراطي عمت موجته كل الأمم والشعوب وصار بمستوى وآخر من مسلمات هذا العالم، ومطمحاً عملياً من مطامحه، ترى فيه الجماهير الغفيرة المقهورة مدفوعة من شعورها بالحرمان والتهميش والاقصاء وسحق الكرامة والاذلال ملاذاً من طغيان الديكتاتورية المتسلطة المستندة لمنطق البطش والقوة.
ومن بعد التنكيل الكبير الذي تلقاه الشعب، والخسائر الفادحة التي أنزلتها به السلطة لم يخفت له صوت، ولم تنكسر له شوكة، ومما يجعله كذلك أن أشد ما عليه أن يعود وضع تتآكل منه انسانيته، ويخسر فيه مع دنياه أعز ما عليه وهو دينه وكرامته وحريته.
ولا يدرى ماذا بقي بيد السلطة من سبيل لإسكات الشعب كرهاً أو قهراً غير أن تحرقه أو تهجر جماهيره العريضة وتخلي هذه الأرض منه.
كل السبل التي سلكتها السلطة أمنية كانت أو اعلامية أو سياسية وأنفقت عليها من أموال الوطن ومن المساعدات الخارجية ما يعمر البلاد ويحل الكثير من مشاكلها المؤرقة، ويمثل شيئاً من الاصلاح إنما اتجهت لإسكات صوت الشعب مع استمرار الحرمان والتهميش والاقصاء والازدراء وانتفاء الأمن [1].
أما سبيل الحل المنصف والمفضي لصالح الوطن كله والكفيل بوحدة المواطنين وبناء العلاقات المتينة بين صفوفهم فكأنه لا يوجد على الاطلاق أو لا تدري عنه السلطة ويعجز فهمها عن الوصول إليه، والواقع أن لا شيء من هذا كله هو السبب وإنما السبب الوحيد هو أنها لا تريد هذا الحل، وكل فرارها من تبعته، وكل محاولاتها أن تهرب منه.
وعجيب أنه لحد الآن لم تيأس من فاعلية هذه المحاولات ولا زالت مستمرة عليها وتعلق الأمل على التشبث بها غافلة أو متغافلة على أنها محاولات يحبطها وعي الشعب وعقلانيته وصبره وتحمله وسلميته، كما يحبطها أن الوعي العالمي ومستوى الثقافة المتعلقة بالحق السياسي للشعوب والحقوق الوطنية عامة وما وصلت إليه السمعة الطيبة للحراك المطلبي الاصلاحي السلمي لهذا الشعب في الأوساط الحقوقية والسياسية المختلفة في العالم يكتب عليها –أي على تلك المحاولات- أن تفشل وأنه لا يمكن مع ذلك كله أن تستمر سياسة التسلط والتفرد المطلق وسياسة الكبت والقهر والاقصاء من غير أن تخضع للاصلاح.
بقاء السلطة على هذه المحاولات لا يعني نوعاً من الحل، ولا يحقق غرض الخنق لصوت الحرية، واستمرار حالة الاسترقاق والاستئثار وإنما يعني شيئاً واحداً هو تطويل عمر الأزمة، والاستنزاف الحرام لثروة الوطن، وايقاف عجلة التقدم والمزيد من السفك لدماء أبناء الشعب ورفع مستوى عذاباته.
فإذا كان هذا هو مطلوب الاستمرار على تلك المحاولات، فهي قادرة وبكفاءة على تحقيقه، أما أخلاقية هذه السياسة والتقائها مع قيم الدين ومصلحة الوطن وكرامة الانسان وحق المواطنين فلا شيء منه يمكن أن تنتسب إليه فضلاً عن أن تلتصق به أو يكون لها هو المنطلق.
شعبنا له قضيته:
شعبنا له مطالبه العادلة، وله قضيته الاصلاحية التي لا يتنازل عنها، ولا ينساها، ولا يتأثر اصراره عليها بنوع العلاقة بين السلطة في البحرين وأي حكم آخر، ايجابية كانت تلك العلاقة أو سلبية، لا ربط أساساً ولا يقبل الشعب بأي ربط بين قضيته ومصيره من جهة وبين أي علاقة تختارها السلطة مع الخارج ونوع هذه العلاقة، وادخال السلطة الشعب في أي خلاف بينها وبين أي دولة أو أي جهة أو حزب إنما هي محاولة من محاولات التملص المكشوفة من استحقاق الاصلاح ونوع من أنواع الهروب المخادع مما يلزمها من الاستجابة لمطالب الشعب.
وهذا ما لا يمكن أن ينطلي على أحد هنا، ويصرفه عن المطالبة بالاصلاح ليشتغل ببدائل تخطط لها السلطة.
أمة تمزقها السياسة:
أمة يتعلق بها أمل انقاذ الأرض كل الأرض من ويلات الجهل والكفر والضلال والاحتراب والفوضى والدماء والنهاية المخزية.. هذه الأمة توزع أشلائاً، تبعثر أبعاضاً، تمزق، تفتت، ينشر فيها الرعب، يبث فيها الفزع، تعمق فيها العداوات، تزرع فيها الفتن، تؤجج فيها روح الاقتتال، يفعل ذلك في كل أوطانها بكل شعوبها، تذكى فيها روح الطائفية على أشد درجة من درجات التهابها، تملئ الفئات والأحزاب بأخطر صور الحقد الأسود المنتن.
كل ذلك يجري على يد السياسة الظالمة، وأطماعها غير المشروعة، دنائتها، جاهليتها، سقوط أخلاقيتها، الاباحية التي تحكمها، يزيدها ولوعاً وولوغاً في مشاريعها التجزيئية المدمرة أنها شعرت بعد الصحوة والثورات والحراك العربي وسقوط عدد من الأنظمة القمعية التي تحكم أقطاراً من أقطار الأمة بالحديد والنار بفعل بركان الثورات بجدية التهديد وأن يطيح بها المد الثوري كما أطاح بما يماثلها.
كان هذا باعثاً كبيراً للنظام العربي القديم أن لا يدع لهذه الأمة ولا لشعوبها فرصة للراحة أو مجالاً للانسجام والتلاقي أو خيطاً من خيوط الأخوة الاسلامية، ولأن يصر على اشغالها بالخلافات والنزاعات المهلكة التي تعمّها وتتخلّل كل صفوفها عن قضية المطالبة بالحقوق والاصلاح والتغيير.
هذه هي الخلفية لكل ما تعانية الأمة الاسلامية اليوم من فتنة طاحنة..
ويساعد على تعميق الجراحات والهاب الصراعات واذكاء روح الفتنة فهم منافٍ للاسلام تمام المنافاة ممن يؤمن بالاسلام نفسه، مطامع دنيوية تتستر بإسم الاسلام وتجد فيه منفذاً لمشتهياتها، رعاع مضحون ينعقون وراء كل ناعق، باعة دين وضمير وأمة لا يقدسون إلا المال وليس لديهم مقدس يحجزهم عن ارتكاب أي إثم في سبيله.
وشعار الطائفة وشعار المذهب هو الشعار المختار اليوم والمفضل عند من لا يرحم الأمة ولا يراعي حرمات الله، ولا يهمه أمر دينه ولا يقدس إلا كرسي حكمه وسلطانه، وهو الأكثر امتطائاً من هؤلاء الذين أبتليت بهم الأمة لنشر الفتنة، وتفجير الأوضاع، وهدم وحدة الأمة، وتفتيت كيان الشعب الواحد، وتمزيق أشلائه.
الفتنة الطائفية اليوم تزحف إلى كل شبر يمكن أن تتواجد فيه من الوطن الاسلامي لتأكل أخضر هذه الأمة ويابسها، وكل ساعات الليل والنهار عمل دؤوب عند المفسدين على تحقيق هذا الهدف الاجرامي الدنيء المغضب لله ورسوله والفتاك بالاسلام والمسلمين.
من كان في قلبه خشية لله، توقير لدينه، حرص على عز هذه الأمة وقوتها ووحدتها، اعتزاز بوطن الاسلام، احترام لإنسانية الانسان، ووجد من نفسه القدرة على فعل أو كلمة تساعد على الوقوف بالفتنة الطائفية عند حدها الذي وصلت إليه، والتخفيف منها والاسهام في اضفائها بالبلدان التي تحترق بها كان عليه ذلك واجباً دينياً لا فكاك له منه، وثبت عليه لزاماً شرعاً أن يفعل في هذا السبيل كل ما يمكن [2]، ومن لم يجد القدرة على شيء من ذلك فليتقي الله في حرمة الدين، وحق الأمة ودم المسلمين، فلا يسهم بحرف واحد في اشعال الفتنة وصب الزيت على نارها.
أيها الأخوة والأخوات المسلمون والمسلمات في البحرين وغير البحرين..
ليكن شجبنا واحداً، استنكاراً واحداً، رفضناً واحداً، ادانتنا واحدة، تجريمنا واحد، وليكن كل ذلك، وليكن كل ذلك بشدة شديدة واحدة، لكل عدوان من شيعي على سني، أو من سني على شيعي، ولكل نيلٍ من دم هذا أو عرضه أو ماله من داك، أو داك من هذا، لكل سبٍ وشتمٍ وهزءٍ واستخفاف بغير حق لا يرضي الله ورسوله، لكل تحريض وحث على هتك الحرمات، لكل حجبٍ لحق من حقوق أي مسلم، لكل ظلم ينال أحداً مسلماً أو غير مسلم.
هكذا يريد لنا ديننا أن نكون ومن قال غير هذا فهو مبطل، والذين يستدعون الفتنة الطائفية والمذهبية المشتعلة من وطن من أوطان الاسلام إلى آخر منها، ويعملون على استصدارها يسيئون للاسلام ولوطن إضافي من أوطانه وللأمة الاسلامية قاطبة، ويزيدونها اشتعالاً والتهاباً، ويمدّون في عمرها في البلاد التي تعاني من ويلاتها وآثارها المدمرة والجاهلية فعلاً.
--------------
[1] هتاف جموع المصلين: "هيهات منَّا الذلَّة".
[2] هتاف جموع المصلين: "وحدة وحدة إسلاميَّة "، وهتاف سماحة الشيخ : "وحدة وحدة اسلامية.. لا سنية ولا شيعية.. وحدة وحدة اسلامية..".
...............
انتهی/212