ابنا: قال «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (10/05/2013) انه "كان الهدف عند السلطة دائماً ومنذ البداية في تعاملها مع الحراك الشعبي السياسي المطلبي هو اجهاضه وإفشاله وأن يتم الصمت ويطول به الزمن وتنسى المطالب، وكان الاسلوب في تحقيق هذا الهدف يتمثل في لغة السجن والأحكام العقابية المشددة، والعقوبة الجماعية الرادعة وسحب الموت من الغازات السامة الخانقة، والفصل من الوظائف والحرمان من الدراسة واسقاط الجنسية والتهم المضخمة واسقاط الشخصية واثارة رأي عام ضد مستهدفين بعينهم لأكثر من غرض سيء، والاعلام المضلل ومفردات أخرى داخلة في اسلوب القمع".
وأضاف آية الله عيسی قاسم "قد طالع هذا الأسبوع شعبنا بحكم يقضي بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً لكل واحد من واحد وثلاثين من أبنائه، والشعب يعرف عدداً من شهدائه قتلوا تحت التعذيب والقاتل لم يمسسه سوء، ويعرف أكثر من واحد من أبريائه الذين نالتهم التصفية الجسدية من غير مشاركة في مسيرة ولا اعتصام ثم لا خبر عن القاتل فضلاً عن أن يناله عقاباً".
وأكد ان "القوانين في حركة تشريعية نشطة، تكمل الناقص من هذه الوسائل، وتبرر لها، وتجعلها عدلاً لا تجوز مناقشته ولا تمس قدسيته، ومن الاسلوب الذي استمر الأخذ به التضييق بعد التضييق والمصادرة بعد المصادرة لحق التعبير وسد الأبواب أمام حرية الكلمة السياسية والدينية الهادفة المصلحة الملتزمة".
وقال آية الله عيسى قاسم "لقد وصلنا اليوم إلى أن تخرج المؤسسة التشريعية المعتمدة عند السلطة والمسخرة لخدمة سياستها بإقتراح متقدم جداً في التزامه الديني وتطبيقه للديمقراطية بفرض ثمن جديد مضاف إلى الأثمان الباهضة التي مر ذكر عدد منها للتعبير عن الرأي، ولأن يؤذن لك في الكلمة مع توقع أشد العقوبات لكلمة حق تقولها لا تنال اعجاب السلطة".
وفيما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله عيسی قاسم:
معركة مع أجساد الموتى:
نبش قبر «حجر بن عدي (رضي الله عنه)» نوع معركة مع أجساد الموتى، مع العظام، مع الرفات.. كما هي معركة مع حرمة المؤمن والحكم الشرعي وتاريخ الأمة والرسالة، ومع حسٍ إنساني متأصل يتعفف عن الدخول في معرطة من هذا النوع، معركة مع أجساد الموتى ومع العظام والرفات.
وحجر بن عدي صحابي، ورجل مهم من رجالات الاسلام، وشخصية بارزة من شخصيات الايمان. كان المجاهد الصابر، والجريء في ذات الله، والقائد الناجح، والمضحي في سبيل ربه، والثابت على دينه، والملازم لهداه.
وشن معركة ضارية على قبور الأولياء والصالحين، ومعالم التاريخ الاسلامي ورموزه هذه، وما يمت إلى حريات الأديان والمذاهب، تلك الحرية التي يقرها الاسلام وفي داخل الدين الواحد، والتاريخ الواحد، وبهذه الصورة المنفلتة يمثل خطوة بالغة جداً تؤدي إلى فوضى عارمة، وتقوّض أمن المجتمعات والأمم وتفتح أبواباً واسعة لسفك الدم الحرام جهلاً وعدواناً.
إنه لا يُتَصور أن يأتي يوم يكون أبناء الأمة الاسلامية فيه على رأي واحد، وفهمٍ متحدٍ للاسلام بكل دقائقه وتفاصيله، وعلى مستوى الاستيعاب للعقيدة وعمقها، ولا على درجة واحدة من وضوح الايمان ونقائه وخلوصه من العوالق، وسلامة التصورات الواردة في هذا الباب.
بين متوغلٍ.. أين من يقف على ساحل الفهم الاسلامي بعقليةٍ عاديةٍ ومتردية؟ من إنسانٍ يملك قابليات ذهنيةً عالية ونفساً خالصة، ويعطي عمره لفهم دين الله، ودقائق العقيدة؟ أين فهم هذا من فهم ذاك؟ وأين إيمانُ وصدق إيمان هذا من إيمان ذاك؟ ذلك أن الناس أفهام متعددة وليسوا على مستوى واحد من الفهم.
ونفوس تختلف صفاءاً ونقاءاً وليست من درجة واحدة، إنهم ليختلفون في قدرة التفكير ودقة النظر ومدى استقبال النفس وقدرتها على احتضان الحقائق البعيدة.
ولو جاز للمسلم أن يكفر الآخر الذي يختلف معه في شيء من الرأي، ويستبيح دمه ويهدر حرمته لإختلافه معه في حكم شرعي كجواز زيارة القبور وعدمه، وبناء أضرحة بعض الصالحين حتى زيارة ضريح الرسول (صلى الله عليه وآله) وبناءه، أو في دقيقة من دقائق العقيدة وما يمكن أن يقال بأنه داخل في التوحيد أو الشرك، أو تصور من التصورات على الأذهان في هذا المجال، وخطرة من الخطرات التي قد تنشب فيها، لحق من هم في القمة من أهل الإيمان أن يكفر بعضهم بعضاً، لما قد يحصل عندهم من اختلاف في شيء من دقائقه البعيدة عن متناول الأفهام في مستوياتها العامة.
أنت لا تستطيع أن تساوي.. أن تجزم بمساواة إيمان سلمان بأبي ذر، ولا مساواة فهم سلمان بمسألة التوحيد بفهم أبي ذر، وقد قيل بأن سلمان المحمدي هو في الدرجة العاشرة من الايمان.
هناك مؤمنون كثيرون غير سلمان، وأين إيمان سلمان، عمقه، دقته، صفاء توحيده، من إيمان علي عليه السلام؟
أتابع ما سبق: ..ولا انفتح الباب بأن يسفك كل واحد دم الآخر في إطار الدين الواحد، والمذهب الواحد، لإختلاف دقة الفهم عندهما.
ولو كان هذا الاختلاف موجباً للتكفير لكفّر المنزّه من يقول بالتجسيم، ومن لا يقول بالتعدد بين الذات والصفات من يقول به، ولحق للجبرية أن تكفر المفوضة، وكذا العكس في الجميع.
وعندئذ يكون على الأمة أن تخوض معارك دائمة ضارية بين أبنائها حتى يفرض فهم واحد لا إختلاف في أي شيء من دقائق متعلقاته العقيدية على الجميع، على أنه فرض لا يتعدى حالة الظاهر والعقيدة في لبها أمر باطني لا كلمة على اللسان.
وإذا كان نبشر قبر الصحابي الجليل حجر بن عدي من المعروف عند فاعليه فإن أكثر أبناء الأمة وعلمائها تراه منكراً وتستبشعه من منطلق الدين نفسه، ويأتي السؤال هنا: أين إنكار هذه الأكثرية وما مستوى الانكار الحاصل فعلاً من حجمها؟ ولماذا يتركز الانكار على ما يتنافى ديناً عن الأكثر من عموم المسلمين على طائفة معينة؟
وهذه بلية من بلايا الأمة اليوم التي تضر بالمعروف وتفتح الباب للمنكر.
أسلوبان وهدف واحد معدل:
كان الهدف عند السلطة دائماً ومنذ البداية في تعاملها مع الحراك الشعبي السياسي المطلبي هو اجهاضه وإفشاله وأن يتم الصمت ويطول به الزمن وتنسى المطالب، وكان الاسلوب في تحقيق هذا الهدف يتمثل في لغة السجن والأحكام العقابية المشددة، والعقوبة الجماعية الرادعة وسحب الموت من الغازات السامة الخانقة، والفصل من الوظائف والحرمان من الدراسة واسقاط الجنسية والتهم المضخمة واسقاط الشخصية واثارة رأي عام ضد مستهدفين بعينهم لأكثر من غرض سيء، والاعلام المضلل ومفردات أخرى داخلة في اسلوب القمع.
وقد طالع هذا الأسبوع شعبنا بحكم يقضي بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً لكل واحد من واحد وثلاثين من أبنائه، والشعب يعرف عدداً من شهدائه قتلوا تحت التعذيب والقاتل لم يمسسه سوء، ويعرف أكثر من واحد من أبريائه الذين نالتهم التصفية الجسدية من غير مشاركة في مسيرة ولا اعتصام ثم لا خبر عن القاتل فضلاً عن أن يناله عقاباً.
والقوانين في حركة تشريعية نشطة، تكمل الناقص من هذه الوسائل، وتبرر لها، وتجعلها عدلاً لا تجوز مناقشته ولا تمس قدسيته، ومن الاسلوب الذي استمر الأخذ به التضييق بعد التضييق والمصادرة بعد المصادرة لحق التعبير وسد الأبواب أمام حرية الكلمة السياسية والدينية الهادفة المصلحة الملتزمة.
ولقد وصلنا اليوم إلى أن تخرج المؤسسة التشريعية المعتمدة عند السلطة والمسخرة لخدمة سياستها بإقتراح متقدم جداً في التزامه الديني وتطبيقه للديمقراطية بفرض ثمن جديد مضاف إلى الأثمان الباهضة التي مر ذكر عدد منها للتعبير عن الرأي، ولأن يؤذن لك في الكلمة مع توقع أشد العقوبات لكلمة حق تقولها لا تنال اعجاب السلطة.
اليوم يضيف هذا الاقتراح عشرين ألف دينار ثمناً يدفعه الراغبون في مسيرة سياسية تخضع بالتالي لشبكة معقدة من القوانين، هذا عن الاسلوب الدائم الذي رافق الحراك من أوله لإجهاضه واسقاطه واسكاته، وذاك هو هدفه.
ويبقى الهدف هو الهدف بتعديل يزيده سوءاً يحمله اسلوب الحوار الذي دعت إليه السلطة كما يبدو منه لحد الآن حسب ما عليه تركيبة الطرفين وسيره العملي والمقاومة العنيفة من الجانب الرسمي وفي مرحلة المقدمات والمبادئ لأي مقدمة ومبدأ يمثل ضمانة لتحقيق نتائج تخدم مطالب الشعب، وكأن المراد هو حوار يشترك مع اسلوب العنف الذي تعاملت به السلطة مع الحراك في هدف اجهاضه وإفشاله لكن مع جديد مخزٍ هو أن يوقع جانب المعارضة في الحوار على اسقاط مطالب الحراك الرئيسة من ذات الوزن عن الاعتبار والتنازل عنها بصورة موثقة ومن منطلق ظاهره الاختيار[1].
وهل يمكن إلتماس رغبة جدية عند الجانب الرسمي في الحوار العادل الذي يمكن أن يفضي إلى نتائج مرضية للشعب فيما يؤدي إليه إجتماع المتحاورين في نهاية المطاف من نتائج في ظل اصراره على أن يكون تمثيل المعارضة ثمانية في حين أن تمثيله في تسعة عشر عضواً من أعضاء الحوار؟
وهل يمكن إلتماس رغبة جدية في العدول عن سياسة العنف إلى لغة التفاهم الحقيقي في ظل منع السلطة زيارة المقرر الخاص بالتعذيب في الأمم المتحدة غوان مانديز بالاضطلاع على ما يجري في هذا البلد هذا بعد الاتفاق على الزيارة وتحديد موعدها، أليس في هذا دليل ناطق بسياسة التعذيب الممنهج والذي تخشى السلطة أن تصدر به شهادة رسمية بهذا المستوى؟
يتمنى كل الخيرّين من داخل البلد وخارجه لهذا الوطن حوراً ورائه نية صادقة ويقوم على تخطيط ناجح يعتمد العدل في خطته، ويخرج بنتائج عادلة قادرة على نيل موافقة الشعب وينهي أزمة الوطن، ويفضي إلى إندثار محنته وتلافي خسائره. هذه هي المنية أما الواقع فمما لا يخدمها ومع الأسف الشديد ولا يصب في صالح النتيجة المرجوة.
...............
انتهی/212