وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _ قال «آية الله عيسی أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (03/05/2013) بجامع "الإمام الصادق (ع)" بـ"الدراز" إن الوضع الحالي في البحرين إما أن يسلك أهل السلطة به طريق الحل العادل، والحل العادل لا غيره هو الحل، وهو المطلوب، ولا حل فيه عدل بلا تنازل من السلطة عما هي عليه لحد الآن من فرض السيطرة المطلقة والحفاظ بكل الامتيازات وحرمان الشعب في كل الأبعاد.
وفيما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله عيسی قاسم:
الدين والقدوة:
يمتلك الدين الحق قوة اقناع ذاتية تتمثل في حقانيته وأصالته واشراقه ونداءاته التي تتجاوب معها نداءات الفطرة وهداه الذي تستجيب له بطبيعتها، وتتمثل في قوة براهينه العقلية وعلميتها، وما تمتلكه من قدرة تامة على مخاطبة العقول النيرة بالمنطق الذي عليه واقع العقل الذي فطره الله عليه، ويعطيه التدبر والتأمل.
وتتمثل في انسجامه مع حاجات الانسان النابعة من طبيعة تركيبه والتي لا انفصال لها عنه، وكذلك في قدرته على تحريك الحياة في مسار التطور والسبق الكريم في كل الأبعاد الحضارية البناءة، وفي امكان تطبيقه بمستوياته المختلفة حسبما عليه اختلاف مستويات الناس، وتوافقه مع القدرة البشرية وبراءته من صفة العسر والحرج.
واذا كان العقل يحتاج في اقتناعه بالدين إلى قوة البرهان، وكانت محاكمة المستويات المتميزة من العقول للدين قائمة على التدقيق في متانة براهينه والنظر في استقامته مع منطق الفطرة وحاجاتها وكان تفاعل النفوس معه واستجابتها لتعاليمه وأحكامه متطلباً أن تجد فيه الاستجابة بدوافعها والتقدير للواقع تحملها، فإن ذلك لا يتيسر للعامة من الناس أن تحكم به من خلال النظر الدقيق والاستقراء الشامل والموازنة الصحيحة وفي الوقت المناسب.
وما يسعف العامة في الاقتناع بالدين استقبال الوجدان الفطري بسهولة ويسر لمركتزاته وعموميات أخلاقه وكليات من كليات أحكامه، وهنا يأتي دور القدوة الانسانية الحسنة الناجحة من صناعة الدين في اداء دور فعال كبير في اقناع الغالبية من الناس بحقانية الدين وأهميته، وقدرته على الصناعة الممتازة الفريدة للانسان، والبلوغ به إلى المستوى الأخاذ الذي تتطلع إليه النفوس القويمة وتتمنى لذاتها أن تحققها.
والقدوة الحسنة العالية تزيل عن النفوس توهمها لإستحالة طلب الكمال، وعدم امكان الصبر على طريقه وتغري بجمالها أن يسلك مسلكها ويتعلم من صبرها وجهادها السائرون.
وأول القدوات الحسنة وأعلاها هم المعصومون عليهم السلام، ولهم من المردود الموضح للدين وأهميته ودوره الفعال ونتائجه الكريمة الباهرة ما يجعل اظهار سيرتهم الوضاءة المشعة اظهاراً له، وإخفاء معالمهم إخفاءاً لمعالمه، والأخذ بما هم عليه أخذاً به، والرد عليهم رداً عليه، وتشويه ما ثبت عنهم وتحريف كلماتهم وأقوالهم تشويهاً وتحريفاً له، ومحاربتهم محاربته، والصاق ما لا يليق بمناسباتهم الصادقة إلصاقاً بهم بما لا يناسبه ويسيء إليه ويفسده.
إنهم القدوات الأصدق تجسيداً للإسلام، وسيرتهم هي الأقدر على النطق العملي به، سيرتهم تقنع بحقانية الدين وصدقه وشفافيته، بصدق أهل دعوته بأخذهم الجاد به، والالتزام الصادق بتطبيقه، وتحمل أشد الأهوال في سبيله، بواقعيته في أعلى درجات تكاليفه، وقدرة الانسانية على الاستجابة لأحكامه، بقدرته على اعطاء أعلى النتائج المتوقعة للتربية الناجحة وتحقيقه الشخصية الانسانية الكاملة.
وسيرتهم في انطلاقها دائماً من العقيدة الاسلامية الصافية والحكم الشرعي الصدق، تفتح الفرصة للتلقي الحسي العملي السريع في صورة ميسرة أمام الفهم للإسلام بعقيدته والتطبيقات والأحكام التي يستهدفها من أهل مخاطبته، وكل الآخذين به.
والاحتفال بقدوة من القدوات الكبرى على مستوى الاسلام والإنسانية كالإحتفال بالصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام يمثل مسؤولية ضخمة في مدى ما يتركه من تصورات عنها عليها السلام في العقول والنفوس وما يلصقه الاحتفال بمناسبتها وما يتركه من انطباع عما يرضيها وما يغضبها وما يدخل في تكريمها وإهانتها وما ينسجم مع سيرتها وينافيها ويبني ما أردات بنائه من أفكار ومشاعر وسلوكات وعادات وأعراف وهدم ما استهدفته هدمه وتطهير حياة المجتمع من أوضاعه.
الاحتفال بالشيء أو بالمرء أو بالمناسبة هو الاهتمام بشأنه وتقديره، ومن يرى في أي مظهر من المظاهر المجافية للحكم الشرعي والخلق الاسلامي وفي أي شائبة تخالط الاحتفال بمناسبة من مناسبات المعصومين عليهم السلام اهتماماً بشأن المعصوم وتقديراً له وخدمة لأهدافه.. من يرى ذلك؟
الاحتفال بمناسبات المعصومين عليهم السلام لابد أن يلتقي شكلاً ومضموناً، مادة ومعنى صورة ولباً وأجواءاً، مع سيرتهم عليهم السلام في طهرها ونقائها ورساليتها ومع رقي الاسلام وسموه في كل حكم من أحكامه وخلق من خلقه والأدب الكريم الذي دعا إليه.
الاحتفال والاهتمام بمناسبات المعصومين عليهم السلام لا يصدق إلا في عمل ومظهر وجو يعلي كلمة الله عز وجل في الأرض، ويقرب من بحايتنا من حياة أهل البيت عليهم السلام، وبوجودنا كله من وجودهم، ويأخذ بكل أوضاعنا الشخصية والأسرية والاجتماعية العامة على المسار الذي يرضاه الاسلام.
إمّا وإمّا وإمّا:
الوضع الحالي في البحرين إما أن يسلك أهل السلطة به طريق الحل العادل، والحل العادل لا غيره هو الحل، وهو المطلوب، ولا حل فيه عدل بلا تنازل من السلطة عما هي عليه لحد الآن من فرض السيطرة المطلقة والحفاظ بكل الامتيازات وحرمان الشعب في كل الأبعاد.
وإما أن تبقى السلطة على اصرارها على بقاء الشعب في موقع التهميش والاقصاء والحرمان وتصاعد من الموقف المتشدد والقبضة الحديدية لإخماد الحراك الشعبي وبذلك تضاعف من خسائر الشعب والقتل والسجن والمفردات الأخرى من العنف.
لكن كل ذلك إنما يزيد في تأجيج الوضع وإلهاب الفتنة، وهذا من نتاج سياسة العنف والقبضة الحديدية المشددة التي يختارها البعض ولا يفكر فيما سواها. زيادة القتل.. زيادة عدد السجناء، سياسة البطش تغذي الصراع وتعمقه وتبعد إحتمال اللقاء على حل، وتزيد في عمر الأزمة.
والأزمة كلما مكثت كلما أوقعت الوطن في خسائر فادحة وفتحت عليه أبواب الشر التي لا خير لأحد فيها ولا فرصة انتصار لأحد من خلالها.
الحدث يبدأ صغيراً، وفي حدود ضيقة ويمكن احتوائه بالطرق العقلائية المتزنة، فإذا جاء التعامل معه استفزازياً وقائماً على سياسة كسر العظم وقطع الرقاب خرج عن حد الحسبان وانفلت بصورة جنونية مدمرة يصعب إحتوائها والتحكم في امتداداتها.
الحلول القائمة على السياسة الأمنية تعطي ردات فعل متوالية ومن الطرفين، قد تبعد نهايتها والمشكل أن البعض لا يفكر إلا بعقلية أمنية ولا يتحدث إلا باللغة الأمنية ولا اختيار عنده الا الأسلوب الأمني والقبضة الحديدية حتى يكون تفكيره محكوماً للهاجس الأمني وواقعاً في الهوس الأمني رغم ما يشهده من آثار سيئة شديدة السوء والخطورة لممارسة الأسلوب الأمني والاصرار عليه.
تجارب كثيرة من تجارب الاسلوب الأمني الذي طالت ممارسته من قبل السياسة في هذا البلد، وأعطى نتائج عكسية لما قد يتصور أنها ستؤدي إليه من إخماد جذوة الحراك المطلبي وأضرت بمصالح الوطن ومدت في عمر الأزمة، ومع ذلك لم يعطي ذلك درساً للمعنيين في فشل هذه السياسة.
وفرض ثالث أن يتحقق حلم السياسة الأمنية القاسية التي تراهن على تراجع الشعب عن حراكه ومطالبه العادلة بعد المدى الطويل من حراكه والكم الهائل من تضحياته وبذله السخي وتعبه وضناه بيد صفراء ومن غير ثمرة ولا مردود لهذا السعي الشاق الطويل.
وهذه الأمنية المتخيلة للبعض مستحيلة في تفكير الشعب وبعيدة كل البعد عن مخيلته [1]. وقد برهن الكثير من المحطات بالغة الصعوبة من تاريخ الحراك على هذه الاستحالة وهذا البعد.
ان الشعوب العربية التي انطلقت مدافعة عن حقوقها، مستنقذة وضع أوطانها من الانهيار على يد الأنظمة الجائرة لم يقتنع أحد منها بأن يتحقق له القليل فضلاً عن أن ترجع عن حراكها وثورتها خائبة بلا شيء إلا التضحيات والمشقة والنصب.
وحتى الشعوب التي تحقق لها الكثير لم تتوقف حركتها في اتجاه استكمال حقها واسترداد تمام حريتها وكرامتها وحماية ما تحقق لها من مكاسبها من السرقة والاختلاس ثانية والالتفاف، فلا يدرى مع هذا كيف يطمع الطامعون أن يكون شعب البحرين استثناءاً من بين شعوب الأمة وحراكه شاذاً من بين حركاتها ويقبل أن يرجع من هذا الحراك المليء بتضحياته بخفّي حنين ويعود مظلوماً مقهوراً مسلوب الحق والارادة فاقداً للحرية مهدور الكرامة.
لا شيء من عمر الحراك يعطي اشارة ولو واحدة خفيفة بإمكان هذا التراجع والتقاعس والانخذال إنما كل شيء فيه يدل على استحالة ذلك.
والمسألة من جانب الشعب ليست مسألة تغالب كيفي انفعالي وبروح من العصبية وإنما القضية قضية إصلاح وارادة إصلاح في مواجهة تعطيله، وإلغاءه من الحساب ليبقى الوطن محكوماً لأوضاع التردي والتخلف والظلم والاستئثار والفساد ويمتد به عمر المحنة والشقاء.
القضية قضية إصلاح غيابه يقضي على ما تبقى من فرص الخير لهذا الوطن وتأخره ليوم واحد فيه تهديد لخروجه من مأزقه، إصلاح لا بد منه ولا غنى عنه على الاطلاق.
وهناك منطق مقابل يقول: الاستفتاء يشق الشعب، والانتخابات الحرة العادلة تشق الشعب، وجمعية تأسيسية تنظر في الدستور تشق الشعب، وإلغاء التمييز والمساواة بين المواطنين يشق الشعب، والإصلاح الجاد الحقيقي وكل ما يؤثر على المعادلة الجائرة القائمة يشق الشعب.
ولا شيء يضمن وحدة الشعب وخير الوطن وأمنه واستقراره وتقدمه ويزيد من متانة أخوة أبناءه إلا أن يبقى كل جور في مكانه وكل فساد على وضعه وكل أثرة في جانب وحرمان في آخر على ما هو عليه وإلا أن يتوارى صوت التغيير ويندحر نداء الإصلاح وعندئذ لا غير تأمن البلاد والعباد، ويعم الخير وتكرم الحياة وتنتشر البركات..! وهذا هو مقتضى العدل والحكمة وما يتوافق مع الميثاق والدستور والمعاهدات الدولية وفهم منظمات حقوق الانسان والعرف الانساني الرش