ابنا: قال «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (12/04/2013) بمسجد "الإمام الصادق (ع)" بـ"الدراز" إنه "لحد الآن لم تدخل البحرين في حالة الانفجار الأمني العام وهذه نعمة يجب أن نشكر الخالق عليها".
وأكد أن السلطات تملك قوة القرار، وقوة تنفيذه حسبما ما بيدها من أدواته، أما ما تملك الشعوب، هو المطالبة بالاصلاح، وتملك السلطات أن تكف ما يؤدي إلى اثارة غضب الشعوب، ويشعل نار الفتن، وزيادة تأججها.
وشدد آية الله عيسى قاسم على أن "منطقتنا تعاني عدداً من التخلفات، منها خمود روح الاصلاح عند الانظمة، والتعبير الحر عن الرأي السياسي، وان علاج اليوم ليعالج ما لا يستطيع علاج الغد أن يفعله، وأي تسويف في الاصلاح هو مكلف غداً".
وحول رحيل «العلامة آية الله الشيخ عبد الهادي الفضلي» قال آية الله عيسی قاسم ان "آية الله الدكتور الأستاذ الشيخ عبدالهادي الفضلي مؤمن عالم عامل، مؤمن عن علم، وعالم في إيمان، وعامل بعلمه وإيمانه، وعلى هدى وبصيرة وقد عرفته الأوساط بالاخلاص".
وفيما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله عيسی قاسم:
تخلو عن الأثرة:
ما خلق الله الناس وجعلهم من جنس واحد ليكون بعضهم عدو بعض، وما أنزل دين العدل والرحمة والاحسان ليخاصم بين الناس ويفرقهم، وما كانت الأوطان لتكون ساحة احتراب بينها ولا بين أبناء الوطن الواحد، ولولا اصرار فريق من الناس على الأثرة لتشبعهم بروح الجشع، ولولا ما يطغى على شخصيتهم من ميل التسلط والاستبداد من بعث الغرور الجاهلي ولولا خضوعهم لنزعة التحكم والاستفراد، وتخليهم عن منهج الله، لما شقيت الأرض بأهلها.. ولما نشبت كل هذه النزاعات والحروب وتمزقت المجتمعات وحتى المجتمع الواحد.
والسلطة من شأنها أن تستخف النفس، وتزيد من درجة الغرور، وتنسي الحق، وتوقع في الباطل، وتري النفس حجماً غير حجمها، وتجر للبطر وتستحث على الفساد. كل هذا تفعله مواقع التسلط التي تهيمن على النفس وتأسرها إلا أن تقابل برصيد كبير ضخم من العقل والحكمة والتدبر والتذكر والدين والتقوى.. ولذلك لا يملأ مواقع السلطة في نظر الدين وإن اختلفت مستوياتها إلا من كانت له رجاحة دين وعقل وخبرة وخلق قويم.. ويوم يتخلى أهل السلطة في أي بلد تسوده الاضطرابات وتعمّه المفاسد عن استئثارهم واستكبارهم ويخلو البلد من قوى موالية أو حتى معارضة همّها التسلط، يعود إلى انضباطه وأمنه واستقراره وصلاحه، ويستمر في خط تقدّمه وانتعاشه.
حين تصر أي سلطة في أي بلد على أن تكون كل شيء، وأن يكون غيرها لا شيء، وأن يكون لها كل شيء، وليس لغيرها شيء فلابد من نزاع ومن فتنة وفوضى واضطراب واحتراب.. وهو الأمر الذي يرهق الجميع ويقض مضجع الجميع، ويدخل بنتائجه المؤلمة المضنية على الجميع، ويحيل حياتهم إلى جحيم.والحل يتطلب ما تعجز عنه أغلب السلطات، الحل يتطلب انتصاراً على النفس، قهراً لتطلعاتها غير السوية، قمعاً لمطامعها المهلكة، تمرداً على طغيانها الجارف، قراراً حاسماً لنقل المعركة مع الغير، إلى المعركة مع النفس حتى تُغلب وتقهر وتصرع.. والواقع أن المعركة مع النفس هي أصعب معركة يخوضها إنسان، واذا كانت كذلك بالنسبة لجميع المواقع فإنها لأشد صعوبة وأقسى على صاحبها اذا كان من ذوي السلطان وممن استلان لنفسه طويلاً، واستسلم لهواها كثيراً.
البحرين وغير البحرين من مثلها معاناة واضطرباً وتدهوراً في الأوضاع غداً بخير وأمن وازدهار ورفاه ووفاق، لو تبدّلت نفسية التسلّط والتفرّد بالسلطة وروح التسيّد المطلق، والتنّكر لآدمية الآخر وانسانية وكرامته، وحقه في الحرية والتمتع بالحياة الآمنة الكريمة الهانئة، واشتراكه في الثروة وحقه في تقرير مصيره، واحترام رأيه في سياسة بلده.. لكن ما أبعد المسافة بين هذه الأمنية الحالمة، وبين واقع تحققها.
ومن المحتم المؤلم أن البديل عن هذا هو استمرار المتاعب والخسائر للجميع، وضعف الأوطان وتخلفها، وانفتاح الباب واسعاً للتدخلات الأجنبية الضارة بها، وهيمنة الخارج على أرضها وثروتها وقرارات السياسة فيها.
تَخَلَّو عن الأثرة، عن روح التسلط المطلق، عن التنكر لحق الآخر وإنسانيته وحريته وحقه في تقرير المصير، تصح الأوضاع، وتعتدل الأجواء وتسعد للجميع الحياة..
مسؤوليتنا المشتركة:
أمن أي بلد خيرٌ لأهلها جميعاً، وخوف أي بلد شر لأهلها جميعاً، والأمن من الداخل قبل الأمن من الخارج، والخوف من الداخل هو أشد فتكاً وأذىً من الخوف من الخارج، ولحد الآن لم تدخل منطقة الخليج في أزمة أمنية شاملة، وفي هذا نعمة من النعم الكبرى التي تذكر بشكر الخالق، ومسؤولية الحفاظ على هذه النعمة يتحملها الجميع، فالكل مخاطب بدرئ الخطر المرعب عن المنطقة كلها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً..
ولحد الآن لم تدخل البحرين وقد طالت الأزمة الأمنية فيها في حالة الانفجار الأمني العام، وهذه نعمة أخرى يجب على كل الأطراف أن تشكر الباري المتفضل بها وأن تعمل جاهدة مخلصة على تجنيب الوطن من هذا المصير الأسود المروّع والفوضى الساحقة.
جميع الخليجيين يتحملون مسؤولية أن تبقى منطقة الخليج بعيدة عن الأخطار الأمنية وغيرها، وكل أهل بلد في المنطقة مسؤولون عن الابقاء لبلدهم في منطقة الأمن والسلام، ونحن أهل البحرين جميعاً نتحمل مسؤوليتنا الخاصة في أن لا ينزلق هذا الوطن إلى حالة الانفجار الأمني وإن كنا نعيش في وسط الأزمة الأمنية ونعمل جاهدين على انقاذه من أزمته الأمنية الحرجة القائمة، هذا كله صحيح ولكن لا أحد يمكن أن يساوي في هذه المسؤوليات من منطق العقل وفي ضوء موازنات الواقع وإمكاناته عند مختلف الأطراف بين السلطات والشعوب.
السلطات تملك قوة القرار حسب موقعها، وقوة تنفيذه حسبما بيدها من إمكانات هي إمكانات الشعوب، السلطات تملك مفاتيح الاصلاح وفرصه وأجهزته وبيدها أدواته، أما ما تملكه الشعوب فهو المطالبة بالاصلاح، التنبيه على الاصلاح، وعلى ضرورته، الاستجابة له، والتجاوب معه.
السلطات تملك فعل الاصلاح وتفعيله وما تملكه الشعوب إنما هو مباركته والتفاعل معه، وتقديره والنشاط الايجابي في أجوائه..
تملك السلطات أن تكف عن كل ما يؤدي إلى اثارة غضب الشعوب، ويوتر الأوضاع ويوّلد الأزمات، ويشعل نار الفتن، ويفتح أبواب توسعها، وتمددها، وزيادة تأججها..
ومنطقتنا تعاني من عدد من التخلفات ومنها التخلف السياسي وخمود روح الاصلاح عند الأنظمة الرسمية، والعزوف عن التغيير في صورته الايجابية الصادحة، والتقدم نحو زمن الحرية النافعة والتعبير الحر عن الرأي السياسي، ولو خطوات تتسم بالمصداقية والجدية والقدرة على التأثير، وفي هذا المشكل الأم الذي يقوم عليه عدد كبير من المشاكل المؤرقة، ويزيد في تفاقمها ويحول بين المنطقة وبين ما تحتاجه من أمن واستقرار وأخوّة وقوة وازدهار.. وهو مشكل أينما وجد في العالم أنتج نتائجه الصديدية المتقيّحة.. وإن علاج اليوم ليعالج ما لا يستطيع علاج الغد أن يفعله، وأن يعطي من نتائج مالا يعطيه، وكل تسويف في عملية الاصلاح له انعكاساته الخطيرة المستجدة على الأوطان..
رجل علم وإيمان وعمل:
ثلاثة أبعاد تنظر في شخصية الانسان بنظر الايمان، إيمانه ودرجة هذا الايمان، وعلمه ومستوى ما عليه علمه، ودوره النافع وما لهذا الدور من أهمية ومساحة وإمتداد، فكل شخصية تكتسب أهميتها في مدرسة الاسلام من مجموع هذه الأبعاد الثلاثة وما لها من تجذر وترسخ فيها وإمتداد.
وآية الله الدكتور الأستاذ الشيخ عبدالهادي الفضلي مؤمن عالم عامل، مؤمن عن علم، وعالم في إيمان، وعامل بعلمه وإيمانه، وعلى هدى وبصيرة وقد عرفته الأوساط بالاخلاص.
أعطى للإيمان، وأعطى للعلم، وأعطى لحركة التصحيح والتغيير والاصلاح في الأمة، وكان رجل الترفّع عما تترفع عنه الشخصيات الجليلة، ورجل التواضع لمن يحب الله أن يتواضع له، ورجل الخلق الكريم، كتب ولم يكتب لتسويق ما كتب، وإنما ليُنتفع بما كتب، كتابته علمية ثرّة رصينة متماسكة بعيدة عن الفضول، لا يسرق من وقت قرّاءها، ولا تستهدف تمضية الوقت ولا تقع في تضييعه.
تتبع شخصيته الفذة الفطنة والنباهة والوعي والبساطة والتسامح والانفتاح والتواضع..
ممن عاش هم الأمة بصدق وعمل على إنقاذها بجد وعلى استعادة وحدتها وعزتها وكرامتها واخلاص، وممن أجاد مخاطبة الأمة واهتدى طريق انقاذها بالعودة الجادة منها لربها، وقرآنها ونبيها وأئمتها الذين دلّها الله عز وجل عليهم، ورضيهم لها وللإنسانية جمعاء أئمة وسادة وقادة.
ذلك هو الشيخ الفضلي الذي فجعت الأمة بفقده، وفي نعيه واقع شاخص من الايمان والعلم والعمل الصالح، والجهاد والمصابرة، ولفقده ترفع التعازي لصاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه الشريف) ولفقهاء الأمة وعلمائها، وعموم المؤمنين والمسلمين، وأسرته الكريمة.
عوّض الله الأمة المسلمة عن كل عالم من علمائها المخلصين الهادين ممن تفتقد نوره وهداه وأعزّها بإتباع الدين الحق، ورحم شيخنا الأستاذ وبوأه المنزلة الرفيعة في الجنة.
...............
انتهی/212