وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _ أكد «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (29/03/2013) بمسجد "الإمام الصادق (ع)" بـ"الدراز" أن الشعب مصمم كل التصميم الذي ليس فوقه تصميم بأن يمضي على طريق المطالبة بالاصلاح بكل الوسائل السلمية المشروعة حتى تحقيق النصر وتصحيح الوضع ليجد هذا الوطن الراحة والأمن والاستقرار، لافتاً في الوقت نفسه أن استمرار المحاكمات وقمع المسيرات واستهداف المناطق بالغازات السامة وتدفق الانذارات على أعضاء الجمعيات لا يتناسب مع وجود نية للاصلاح.
وفي ما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله عيسی قاسم:
وعد النصر:
من أراد الله نصره لابد أن ينتصر، ولا غالب له، ومن أراد هزيمته فلا يمكن له الانتصار ولابد له من الهزيمة، فإرادة الله لا يردّها رادّ ولا يقهرها قاهر، ولا يقف أمامها ظرف ولا تتبع حالة الأسباب وكيف وكل الأسباب خاضعة لإرادته وجوداً وعدماً، حدوثاً وفي مرحلة البقاء.
يقول سبحانه: "وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم"، "إن ينصركم الله فلا غالب لكم، وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم بعده وعلى الله فليتوكل المؤمنون".. وهذا مفروغ منه واقعاً وحقاً وفي فكر المؤمن وشعوره.
وقد وعد الله المؤمنين بالنصر: "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز، ولقد أرسلنا من قبلك رسلاً إلى قومهم فجائوهم بالبينات فإنتقمنا من الذين أجرموا وكان حقاً علينا نصر المؤمين، يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم".
وتجيب الآية الأولى وكذلك الثالثة من هذه الآيات على هذا السؤال:
أوعد الله للمؤمنين بالنصر مطلق أم مشروط؟
اذ تجيبان بأنه وعد مشروط، والشرط أن تكون نصرتهم لله، لدينه، ومنهجه، فيما يتصل بأمر دنياهم وآخرتهم، حيث لا صلاح لهم ولا كمال ولا سعادة في أمر دنياً أو آخرة إلا بحاكمية الدين وأخذهم به، والاستجابة إليه.
ومتى يصدق موقف النصرة لله تحقيقاً للشرط الذي اتخذته الآية مقدمة لنصر الله؟ يتوقف ذلك على أمور:
- بذل ما في الجهد واستفراغ ما في الوسع من الاعداد و البذل والعطاء والتضحية.
- الأخذ بالاسلوب العملي الأنجع، وليس لك أن تتخير بين كل الأساليب في عرض واحد.
- وحدة الصف وبناءه بناءه بناءاً رصيناً متماسكاً.
- خضوع كل الوسائل والخطط والخطى وفي كل المراحل والمنعطفات السهلة والصعبة للأحكام الشرعية.
- أن تكون الراية من رايات الحق.
- إخلاص القصد لله.
- عدم استكثار البذل في سبيل الله، وعدم المنّ عليه، وطلب النصر من عنده والتوكل عليه.
- الثبات على الطريق وعدم التراجع وإن أبطأ النصر، فالله هو العالم بالمصالح والمفاسد والآثار والعواقب، وما قد يتسبب فيه النصر العاجل من مضار، وما قد يختزله النصر الآجل من فوائد وما يؤدي إليه طول التجربة من عطايا.
وإن خير نصر يتحقق لشخص أو جماعة أو شعب أو أمة لهو النصر على النفس، والاستمساك بالحق، والاستقامة على الطريق، والثبات على خط الغاية الكبرى من كمال الذات ورضا الله والمصير إلى الجنة، وذلك لا يكون إلا بالأخذ بالدين الحق ومجاهدة النفس على طريقه وضبط التصرف كل التصرف في ضوئه.
وإن شر هزيمة يقع فيها فرد أو جماعة أو شعب أو أمة لهي الهزيمة أمام النفس، والخسارة لإرادة الخير فيها، وضعفها أمام المشتهيات، ومواقعتها للرذيلة.. والنصر يعقبه ظلم من المظلوم هزيمة، أن أتبدّل، أن أأخذ أنا المظلوم محل الظالم، وأن يأخذ الظالم محلي هذا نصرٌ هزيمة.
والنصر يغري بالفساد في الأرض هزيمة، والنصر يطغي ويضل هزيمة، والنصر يبعد بالمنتصر عن الله عز وجل ويصيب المنتصر بالاستكبار أعظم كارثة له وأسوأ هزيمة.
وعلى الساعين من المؤمنين إلى النصر، أن لا ينسوا الله في أي هدف وأسلوب، وأي ممارسة ووسيلة، فما من حق من نسي الله في شيء من ذلك أن يطلب النصر ويتعجل الفرج.
وليس للصف المؤمن المتمزق والمتباغض أو المتنافس على الدنيا والمباهي بعضه بعضاً بالقليل أو الكثير مما يعطي ويبذل ويضحي أن يتوقع النصر وييسر الله له أسبابه ويفتح عليه أبوابه.
وإن يوم نصرٍ للمؤمنين يغلبهم فيه سحر الدنيا ويأسرهم زخرفها فيقتتلون لمنصب من مناصبها كما يقتتل الآخرون ممن لا طمع لهم في الجنة، ويسفحون الدم الحرام وراء المواقع لهو يوم شؤم وسوء وكارثة كبرى وعار وفضيحة، وهو يوم يسيء للإسلام ويضر به.
ولا نصر لا يعف طالبوه عن ارتكاب الاثم والأخذ بكل وسيلة وإن خسّت وحرمت، ليس هو النصر الذي يطلبه المؤمنون.
والمؤمنون الساعون في البحرين لدفع الظلم وطلب الاصلاح حريصون على توقي المزالق وما لا يرضي الله سبحانه وعلى مراعاة أحكام الشرع، وأخلاق الدين وأعراف المجتمع الصالح -من غير اختلاط محرّم وغير ذلك من مظاهر-، وتوفير شروط النصر الالهي وتعجيل الفرج وتجنب ما يثير البغضاء والفرقة بين الصفوف، ولكن ينبغي أن نكون أشد على أنفسنا وأصرم في مواجهتها وتحقيق قربٍ أكبر لما يرضي الله سبحانه، من تراحم وتوادٍ وتناصر في الحق، ورعاية للحقوق وتنزهٍ عن النيل من بعضنا البعض مما يسخط الرب ويشتت الصف ويهدم البناء ونستحق به عند الله العقوبة.
علينا جميعاً أن نكون أكثر التصاقاً وحرصاً بالأخذ بالحكم الشرعي في كل مساحة حياتنا، ومنها مساحة الاختلاط وعدم الاختلاط الفاحش المضرّ الهدّام للأخلاق، فهو الواجب أصلاً والوسيلة الفعالة في استنصار النصر من فيض الله.
هل من نية اصلاح؟
السلطة إما أن تكون عندها نية اصلاح من أي منطلق من المنطلقات المبدئية أو الموضوعية، وإما أن لا يكون لها أي نية أو توجه من هذا النوع، وبغض النظر عما هو المضمر في نفس السلطة ودلالة الشواهد الخارجية على الأرض أي من التوجهين، التوجه للاصلاح وعدمه فإن فرض عدم الاصلاح يساوق أمراً خطيراً جداً، يتمثل في الارادة الجدية بالتنكيل بالشعب، -اذا لم تكن هناك نية اصلاح فمعناه أن هناك نية تنكيل شديد بالشعب. ليس إلا من أحد الأمرين ولا واسطة بينهما-. ومضاعفة آلامه بصورة قاسية، نظراً إلى اصرار الشعب على الاصلاح وتشبثه به، وعدم امكان تنازله عنه، لمكان ضرورته وإلحاح هذه الضرورة.
فموقف التصلب عند السلطة من الاصلاح في حال الاصرار الشعبي عليه، ومحاولتها لكسر ارادته وتراجعه عن هذا المطلب يستتبع منها أن تبالغ في شدتها، وتُعمل السيف في الرقاب، إلى حد ما تتصور أنه يقهر هذه الارادة، ويفرض على الشعب أن يتراجع، وإن كانت إرادة الشعب غير قابلة للهزيمة وموقفه غير قابل للتراجع (1)
ومن شأن مذبحة من هذا النوع أن تحوّل أرض الوطن إلى جحيم تشقى به كل فئاته على أنها مذبحة لا مكان لها في الزمن الذي نعيشه وعالم القرية الواحد الذي عليه وضع عالمنا اليوم مهما تبلّد ضمير الساسة الدنيويين فيه، وتقدست المصالح المادية في نفوسهم وساد المذهب النفعي الذي يكفر بالقيم وكان مليون إنسان لا يساوي في قيمته برميلاً واحداً من النفط في الحضارة المادية القائمة ورعاتها المتسيّدين على العالم.
ولو كانت هناك نية اصلاح جدي، فإنه لا يتناسب معها استمرار القمع للمسيرات السلمية وبقاء كل مظاهر التأزيم واغراق المناطق السكنية بالغازات السامة القاتلة مما يقف وراء تمدد سلسلة الشهداء الأحرار الذين كان آخرهم شهيد "سترة" «جعفر الطويل» (رحمه الله) وحشره مع الأنبياء والمرسلين والأئمة والصالحين.
كما لا يتناسب مع نية الاصلاح لو كانت تدفق البلاغات الرموز السياسيين وأعضاء الجمعيات كالأستاذ «مجيد ميلاد»، و«سماحة الشيخ حسين الديهي»، والتهديدات والانذارات الموجهة لأصحاب الكلمة الناقدة كـ«سماحة الشيخ علي سلمان» وكذلك ما عليه وضع الحوار وملابساته والموقف المتشدد للطرف الرسمي فيه من مقدماته وما ينبغي أن يكون مسلماته.
إن شيئاً من ذلك وكل التوترات التي يثيرها الاعلام الرسمي واستمرار المحاكمات والأحكام القاسية ضد المعارضين السلميين لا يلتقي ولا يشير من قريب أو بعيد إلى نية الاصلاح، فضلاً عن الارادة الجدية المتعلقة به.
ومن أسوأ مظاهر المصادرة لحق التعبير ومن أنكر المنكر وأبشعه أن يجرّم المنبر الديني لكلمة معروف يوجبها الدين، ولإنكار الصور المكشوفة من الظلم والاضطهاد وأوجه الفساد وأن يمنع الدين من قول كلمته في هذا المجال حتى في بيت من بيوت الله.
وسواء أنه لم تكن هناك نية اصلاح على الاطلاق أو كانت هناك نية اصلاح مؤجل، أو منقوص تفرض عليه السلطة ضريبة ترى أنها لم تستوفها بعد من دم الشعب وأمنه وآلامه وأوجاعه وأخوّة أبنائه واستقرار الوطن وثروته ومصالحه فإن الشعب مصمم كل التصميم الذي ليس فوقه تصميم بأن يمضي على طريق المطالبة بالاصلاح بكل الوسائل السلمية المشروعة حتى تحقيق النصر وتصحيح الوضع ليجد هذا الوطن الراحة والأمن والاستقرار ويعيش كل أبنائه وليس بعض أبنائه فقط الأخوّة الاسلامية والوطنية الصادقة في ظل درجة عالية من العدل والمساواة والانصاف وفي جو راقٍ من الحرية والعزة والكرامة.
-------------
(1) هتاف المصلين: هيهات من الذلة.
...............
انتهی/212