لقد تراكمت على الزهراء الهموم والأحزان ، وأحاطت بها المحن من كلّ مكان ، فمن فقدها أبيها إلى غصب الخلافة من ابن عمّها إلى أخذ فدك من يدها وحرمانها من إرثها ، والى عصرها ما بين الباب والحائط، وكسر ضلعها، وإسقاط جنينها المحسن إلى غير ذلك من الكوارث والمصائب التي أحاطت بها خلال تلك الفترة الوجيزة التي عاشتها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله).
فما عاد جسمها النحيل يقوى على تحمّل تلك المصائب ، فلازمت الفراش ، ولم تدع أحداً ممّن آذاها يدخل عليها.
وطلب عمر وابو بكر ان يدخلا عليها فلم تأذن لهما والتمسا من الإمام علي (عليه السلام). فسألها أمير المؤمنين (عليه السلام) وسمحت لهما، فلمّا دخلا عليها قالا لها: كيف أنت يابنت رسول الله؟
قالت: بخير بحمد الله.
ثم قالت لهما: ما سمعتما النبيّ (صلى الله عليه وآله) يقول: «فاطمة بضعة منّي فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله؟».
قالا: بلى. قالت: فوالله؛ لقد آذيتماني.
فخرجا من عندها (عليها السلام) وهي ساخطة عليهما [1].
ولمّا أحسّت بدنوِّ أجلها أوصت أمير المؤمنين (عليه السلام) بوصاياها.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ فاطمة (عليها السلام) لمّا احتضرت أوصت عليا، فقالت: إذا أنا متّ فتولّ أنت غسلي وجهّزني ، وصلّ عليّ وأنزلني قبري، وألحدني وسوّ التراب عليّ، واجلس عند رأسي قبالة وجهي، فأكثر من تلاوة القرآن والدعاء فإنّها ساعة يحتاج الميّت فيها إلى اُنس الأحياء.
ثمّ ضمت إليها اُمّ كلثوم (عليها السلام) فقالت للإمام: إذا بلغت فلها ما في المنزل ، ثم الله لها [2].
ثمّ أنّها (عليها السلام) أوصته (عليه السلام) أن يدفنها ليلاً وأن لا يحضر جنازتها أحد من الذين ظلموها، وأنكروا حقّها ، وأن يخفي موضع قبرها.
وفي آخر يوم من حياتها (عليها السلام) قامت من فراشها وغسلت ولديها، وأمرتهما بالخروج إلى زيارة قبر جدَّهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، واغتسلت ولبست أفضل ثيابها ، ثم دخلت غرفتها، ونامت مستقبلة القبلة، وقضت نحبها سلام الله عليها، وكان لها من العمر ثمانية عشر عاماً.ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ[1] ـ انظر: بحار الأنوار 43: 170، ح11.[2] ـ بحار الأنوار 79: 27، ح13.
..................
انتهي / 232