وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _ قال «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (22/03/2013) بمسجد "الإمام الصادق (ع)" بـ"الدراز" إن الصحيح لخير الوطن وخير أهله أن يأخذ الحوار مجراه بلا عرقلات متعمدة كالوقوف في وجه تمثيل الحكم والاستفتاء الشعبي وأن ينتهي إلى النتائج المرضية شعبياً وعلى حد استحقاقات المرحلة لتريح كل الأطرف من حالة الاستنزاف والخسائر المستمرة المتصاعدة على أكثر من صعيد، وتكفل للوطن أمنه واستقراره وتقدمه.
وفي ما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله عيسی قاسم:
ما دعت له السلطة المعارضة كان بإسم الحوار، أما ما كشف عنه التخطيط والبرمجة وما يعيشه الطرف الرسمي والموالاة من جهة والمعارضة من جهة أخرى، تحت العنوان نفسه فواقعه الصراع، والفرق جلي بين الاثنين، التفاوض وهو عنوان ترفضه السلطة لعدم أهلية في الشعب، أو الحوار تبادل في الرأي، وتعاط على مستوى الكلمة في جو من الاحترام بحثاً عما هو أقرب إلى الحق والعدل والصلاح، وأقدر على تحقيق الحل الناجح للمشكل الفكري أو العملي والخروج من الحيرة والتردد والاضطراب إلى الوضوح والاستقرار في الرؤية في الموقف ومن الخطأ إلى الصواب، هذا هو الحوار، أما أن تكون مجالدة ومنازلة شرسة على مستوى الكلمة والرأي بين حق وباطل وخطأ وصواب ويقف كل طرف عند رأيه وموقفه وحقه أو باطله ليكون هو المنتصر وهو الظاهر فذلك هو الصراع البعيد كل البعد عن حقيقة التفاوض والحوار.
أما أن يكون عنوانان متقابلان، عناد لحق وعناد لباطل، مكابرة لخطأ، ومكابرة لصواب، تخندق شديد لضار، وتخندق شديد لنافع، فهي حرب وإن كانت من حرب الكلام، ولكن كثيراً ما تسببت حروب الكلام في كوارث لا طاقة للأوطان والشعوب والأمم بها، وهنا خشية جدية مما يجري من صراع بين الجهتين تحت قبة ما يسمى بالحوار من أن يسئ إلى الوطن اساءة بالغة ويزيد في درجة الإلتهاب ويفاقم من الأزمة بدل أن يؤدي إلى إنهائها أو تخفيفها بما يؤدي إليه من مستوى الاثارة والشحن والاحتقان ويفعّله من تأجيج روح الفرقة والتمزق والبغضاء والعداوة.
المواقف داخل ما يسمى بالحوار تزداد في درجة التشنج، اللغة تشتد قساوة، تباعد الثقة في توسع، الاتهامات تتصاعد، التخندق يقوى، وكل ذلك يغذي الساحة العامة للوطن بما يلهب أجوائها ويقضي على فرص اللقاء والحل، ويباعد بين الوطن وبين شاطئ الأمان الذي يحتاجه كلّه وكلّ من فيه، وما فيه من شيء يجب الحفاظ عليه.
وهل أريد لدعوة الحوار غير ظاهرها؟ وأن يتحول واقعها إلى صراع مدمر مرير؟ حتى لو لم يرد ذلك إلا أن تخطيط الحوار وهندسة الحوار وبرمجة الحوار لا تملك إلا أن تؤدي إلى ذلك، ولا كفاءة لها ولا قدرة على الحل، ثم أنه أين الخطأ؟ أين الخطأ وأين الصواب؟ أين النفع وأين الضرر؟ أين ما يفضي إلى الحل وأين ما يعطله ويقطع الطريق عليه؟ عند هذا الطرف أو ذاك؟ عند من يقول بأن الشعب مصدر السلطات ثم لا يعترف له بحق الاستفتاء؟ عند من يعلم بأن الحكم هو الطرف الثاني الأصل في الحوار وهو الذي يملك أن ينفذ مخرجاته ثم يرفض رفضاً نهائياً قاطعاً عن أن يكون الحكم طرفاً فيه ويلتزم صريحاً بالتوقيع على مخرجاته مقدمة لتنفيذها؟ من يمثل الحكم في الحوار من ناحية عملية بكل شدة وصرامة وينكر تمام الانكار أن الحكم ممثل في الحوار حتى لا تلزمه نتائجه؟ عند من يعرف أن الأزمة سياسية وأنها منبع الأزمات الأخرى وأنها هي التي حركت الشارع ولا زالت تحركه رغم ما تكلفه من أثمان مرهقة، ثم يختصر مطالب الشعب بكل بساطة في تحسين الرواتب ومسألة الاسكان وربما على الطريقة التي لا تبتعد كثيراً عما عليه واقعها من تمييز سيء وتسويف وتيئيس؟
لإن كان هذا هو الحق وهو النافع وهو الصواب فما أشد تبدل الموازين وإنقلابها وقد صح للحق على هذا أن يسمى بالباطل وللباطل أن يسمى بالحق بكل صدق ويقين.
من الظلم البيّن الفاحش للوطن وأهله أن يسعى ساع لتخريب الحوار، ووضع العصا في عجلته تبعيداً للحل واضراراً بالوطن، وأشد ظلماً لهذه الأرض وإنسانها وحاضرها ومستقبلها أن يستهدف للحوار أن يكون لإقرار الظلم وتكريسه، وإضفاء الشرعية عليه وإبقاء الوضع السياسي على فساده وافرازاته القاتلة على ما هي من سوء وقتامة.
ننادي بالإبقاء على الحوار، ولكن بأن يكون للإصلاح وإنقاذ الوضع، والخروج بالوطن من الأزمة، وإنصاف الشعب والاعتراف بحقوقه. ولا يرى وجه لعرقلة الحوار عند المقدمة الأولى من مقدماته بسبب الاختلاف على قضيتين من المفترض أن تكونا من أوضح القضايا وأقربها إلى الاتفاق هما أن يمثل الحكم في الحوار وأن تكون الموافقة على نتائجه النهائية عن طريق الاستفتاء الشعبي لأن الطرفين هما المعنيان أصلاً بالحوار ولأن الشعب هو المرجع الأول والمصدر الأساس لكل السلطات.
ولماذا رفض الاستفتاء؟ ألأنه ليس من حق الشعب؟ كيف لا يكون من حقه وهو الأصل ومصدر السلطات كما يقول الميثاق؟ ألأنه لا يراد إعطائه أصل حقه؟ في هذا خروج على مقاييس الحق والعدل، وفي ذلك تأصيلُ بأن يمنع كل ذي حق حقه.
ألأن التخطيط أن يخرج الحوار بنتائج لا تتوائم مع المرحلة فيعلم بعدم رضا الشعب؟ هذا الذي يريد أن لا يستفتى الشعب في أمر نفسه، هل لأنه عنده تصميم على أن تأتي نتائج الحوار غير مرضية للشعب؟ وبذلك يخاف من تصويت الشعب واستفتائه؟ الحل على هذا سيكون بصفتي القاصرة حلاً مفروضاً على الشعب، مرفوضاً منه أستفتي أم لم يستفتى.
ثم أن الجمعيات المعارضة والتي تشترك في الحوار لن تسمح لنفسها أن تعطي موافقتها على نتائج تعرف مسبقاً أنها مرفوضة من الشعب، فما جدوى الحوار عند ذلك.
الصحيح لخير الوطن وخير أهله أن يأخذ الحوار مجراه بلا عرقلات متعمدة كالوقوف في وجه تمثيل الحكم والاستفتاء الشعبي وأن ينتهي إلى النتائج المرضية شعبياً وعلى حد استحقاقات المرحلة لتريح كل الأطرف من حالة الاستنزاف والخسائر المستمرة المتصاعدة على أكثر من صعيد، وتكفل للوطن أمنه واستقراره وتقدمه.
والجميع يعلم أنه اذا صعب على السلطة أن تعترف للشعب بحقوقه، وتستجيب لمطالبه بما اعتادت عليه من أثرة وتفرّد وفرض رأي، فإنه الأصعب على الشعب من ذلك في ظل وعيه وبعد جسيم عطائه وبذلك وتضحياته وما تكبّده من خسائر فادحة أن يرجع بلا تحقيق مطالبه وأن يقتنع بما لا يرى فيه الخروج من مأساته وحل مشكلته، وإنهاء معاناته، وبما لا يؤمن مستقبله ويحفظ مكانته.
من يرضى بالحلول الشكليّة والترضيات الزهيدة؟ العلماء؟ الرموز السياسية؟ الأطباء والمربّون؟ العمال؟ الطلاب؟ الرجال؟ النساء؟ الشارع بمختلف فئاته؟ أو بأي فئة من فئاته؟ الكل يصرّ على الحل الجديّ المنقذ من الأزمة بحقّ وعلى استرداد الحقوق والتمتّع بالحرية والعزة والكرامة. والكل يستذوق المحنة على مرارتها من أجل هذا الهدف.
...............
انتهی/212
أحوار أم صراع؟