عبادة الخالق والقرب منه هي المرتكز والمحور في الشخصية الإيمانية، بل هي مقياس الأنسانية والتحرر في شخصية الأنسان، فالبديل عن التعبد لله والخضوع له هو العبودية للشهوات وللمصالح المادية الزائلة.
إن التعبد لله يعني انسجام الأنسان مع فطرته النقية، واستجابته لنداء عقله الصادق بأن للحياة خالقاً يمسك بأزمتها واليه مصيرها.
والتعبد لله هو النبع الذي يروي منه الأنسان ظمأه الروحي، ويتزود من دفقاته بدوافع الخير ونوازع الصلاح.
فكلما أقبل الأنسان على ربه، وأخلص في عبادته، تجلت انسانيته أكثر وتجسدت القيم الخيرة في شخصيته.
ففي الحديث القدسي الذي ينقله الرسول الأعظم السيدة زينب عليها السلام محراب عن الله سبحانه أنه قال: " لا يزال عبدي يتقرب اليّ بالنوافل حتى أحبه فأكون أنا سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ولسانه الذي ينطق به، وقلبه الذي يعقل به، فاذا دعاني أجبته، واذا سألني أعطيته " 1.
والسيدة زينب وهي العالمة بالله و إنما يخشى الله من عباده العلماء وهي الناشئة في أجواء الأيمان والعبادة والتقوى كانت قمة سامقة في عبادتها خضوعها للخالق عز وجل .
كانت ثانية أمها الزهراء في العبادة. وكانت تؤدي نوافل الليل كاملة في كل أوقاتها حتى أن الحسين السيدة زينب عليها السلام محراب عندما ودع عياله الوداع الأخير يوم عاشوراء قال لها: " يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل ". كما ذكر ذلك البيرجندي، وهو مدون في كتب السير.
وعن عبادة السيدة زينب ليلة الحادي عشر من المحرم يقول الشيخ محمد جواد مغنية: وأي شيء أدل على هذه الحقيقة من قيامها بين يدي الله للصلاة ليلة الحادي عشر من المحرم، ورجالها بلا رؤوس على وجه الأرض تسفي عليهم الرياح، ومن حولها النساء والأطفال في صياح وبكاء ودهشة وذهول، وجيش العدو يحيط بها من كل جانب... إن صلاتها في مثل هذه الساعة تماماً كصلاة جدها رسول الله في المسجد الحرام، والمشركون من حوله يرشفونه بالحجارة، ويطرحون عليه رحم شاة، وهو ساجد لله عز وعلا، وكصلاة أبيها أمير المؤمنين في قلب المعركة بصفين، وصلاة أخيها سيد الشهداء يوم العاشر والسهام تنهال عليه كالسيل.
ولا تأخذك الدهشة ـ أيها القارئ الكريم ـ اذا قلت: ان صلاة السيدة زينب ليلة الحادي عشر من المحرم كانت شكراً لله على ما أنعم، وانها كانت تنظر الى تلك الأحداث على أنها نعمة خص الله بها أهل بيت النبوة من دون الناس أجمعين، وانه لولاها لما كانت لهم هذه المنازل والمراتب عند الله والناس.
وروي عن ابنة أخيها فاطمة بنت الحسين قولها: " وأما عمتي زينب فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة في محرابها تستغيث الى ربها فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رنة ".
أما كيف كانت تتخاطب السيدة زينب مع ربها ؟ وبماذا كانت تناجيه ؟ فإن المصادر التاريخية قد احتفظت لنا ببعض القطع والفقرات من أدعيتها ومناجاتها نذكر منها ما يلي: " يا عماد من لا عماد له، ويا ذخر من لا ذخر له، ويا سند من لا سند له، ويا حرز الضعفاء، ويا كنز الفقراء، ويا سميع الدعاء، ويا مجيب دعوة المضطرين، ويا كاشف السوء، ويا عظيم الرجاء، ويا منجي الغرقى، ويا منقذ الهلكى، يا محسن، يا مجمل، يا منعم، يا متفضل، أنت الذي سجد لك سواد الليل، وضوء النهار، وشعاع الشمس، وحفيف الشجر، ودوي الماء، يا الله يا الله الذي لم يكن قبله قبل، ولا بعده بعد، ولا نهاية له، ولا حد ولا كفؤ ولا ند، بحرمة اسمك الذي في الآدميين معناه المرتدي بالكبرياء والنور والعظمة، محقق الحقائق، ومبطل الشرك والبوائق، وبالأسم الذي تدوم به الحياة الدائمة الأزلية، التي لا موت معها ولا فناء، وبالروح المقدسة الكريمة، وبالسمع الحاضر والنظر النافذ، وتاج الوقار، وخاتم النبوة، وتوثيق العهد، ودار الحيوان، وقصور الجمال، ويا لله لا شريك له ".
ومن الأدعية والتسبيحات التي كانت تواظب على قراءتها هو: " سبحان من لبس العز وتردى به، سبحان من تعطف بالمجد والكرم، سبحان من لا ينبغي التسبيح الا له جل جلاله، سبحان من أحصى كل شيء عدداً بعلمه وخلقه وقدرته، سبحان ذي العزة والنعم، اللهم، إني اسألك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وباسمك الأعظم، وجدك الاعلى، وكلماتك التامات التي تمت صدقاً وعدلاً، أن تصلى على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين، وأن تجمع لي خيري الدنيا والآخرة، بعد عمر طويل، اللهم أنت الحي القيوم، أنت هديتني، وأنت تطعمني وتسقيني، وأنت تميتني برحمتك يا أرحم الراحمين ".
ومن أدعية أبيها التي كانت تدعو بها بعد صلاة العشاء: " اللهم أني اسألك يا عالم الأمور الخفية، ويامن الأرض بعزته مدحية، ويامن الشمس والقمر بنور جلاله مشرقة مضيئة، ويا مقبلاً على كل نفس مؤمنة زكية، ويا مسكّن رعب الخائفين وأهل التقيّة يا من حوائج الخلق عنده مقضية، يا من ليس له بواب ينادى، ولا صاحب يغشى، ولا وزير يؤتى، ولا غير رب يدعى، يا من لا يزداد على الإلحاح إلا كرماً وجوداً، صل على محمد وآل محمد واعطني سؤلي انك على كل شيء قدير ".
..................
انتهي / 232