وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الخميس

١٤ مارس ٢٠١٣

٨:٣٠:٠٠ م
400079

«آية الله الشيخ عيسی قاسم» في خطبة صلاة الجمعة:

كان الواجب على السياسة الخليجية وجيوشها أن تنكر على السلطة ظلمها للشعب

قال آية الله عيسی أحمد قاسم في خطبة صلاة الجمعة: "فقد كان الواجب على السياسة الخليجية وجيوشها أن تنكر على السلطة ظلمها للشعب وأن تكون نصرتها له بنصيحتها للسلطة".

وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _ قال «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (15/03/2013) بمسجد "الإمام الصادق (ع)" بـ"الدراز" "فقد كان الواجب على السياسة الخليجية وجيوشها أن تنكر على السلطة ظلمها للشعب وأن تكون نصرتها له بنصيحتها للسلطة وبكلمة معروف كان المقدر أن تسمع فتردها عما كانت عليه من تنكيل وإيذاء وتهميش لهذا الشعب لتنقذ بذلك هذا الوطن كله بكلِ مكوناته مما جرى عليه ويجري من ويلات ومن خسارة عامة للجميع وتنقذ المنطقة من كلِ الامتدادات السيئة للصراع المشتعل على أرض البحرين والفتنة التي تغرق فيها".

وأضاف آية الله قاسم ان "الموقف السياسي الخليجي جاء على العكس، وجاء تدخل الجيوش الخليجية داعماً للموقف الظالم الذي تقفه السلطة من الشعب قبل حراكه السياسي وبعده ؛ لذا كان يوم هذا التدخل بما مثله من مصادمة مع مقاييس الدين والعقل والعرف والقوانين العادلة وصدمةٍ للضمير الإنساني الضمير العربي وبما تسبب فيه من طول عمر الأزمة في هذا البلد المسلم ومضاعفة للخسائر التي أضرت به، يوما سيئاً أسود كالحاً في تاريخ البحرين وتاريخ المنطقة بل تاريخ الأمة".

وفي ما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله عيسی قاسم:

كان يوماً سيِّئا:

في كلِّ المقاييس الدينيَّة والعقليَّة والعقلائيَّة والإنسانيَّة والقانونيَّة لم يكن شعب البحرين في علاقته مع السُّلطة ظالماً ولكن كان مظلوما - وما زال أمره معها كذلك - ، وما كان حراكه السياسيُّ الإصلاحيُّ عن بغي ولا غرورٍ ولا بطرٍ ولا إفساد، ولكن كان ولا زال عن معاناةٍ قاسية وتهميشٍ وتمييزٍ وابتزازٍ ومصادرة حقوق وأوضاع فسادٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ وإدرايٍّ وأخلاقيّ وضغطٍ دينيٍّ وغير ذلك من وجوه الفساد. كان ولا زال [1] عن حاجةٍ ملحَّةٍ وضرورةٍ بالغة، كان لطلب الإصلاح وإنقاذ الوطن وإيقاف التدهور وتدارك الأمور قبل الانهيار.

ولو كان الشعب هو الظالم، ولو كان حراكه عن بغيٍ وإفساد، لكان هناك وجهٌ لتدخُّل الجيوش الخليجيَّة يومَ أنْ دخلت البحرين لمواجهة الشعب ولكان كذلك لبقائها في مواجهته إلى اليوم وجه.

ونقول لمواجهة الشعب؛ ذلك لأنَّ مناسبة مجيء هذه الجيوش إنَّما هو الحراك الشعبيُّ السياسيّ، وبدأت تتدفُّق قطعات الجيش الخليجيّ على البحرين مع بداية هذا الحراك وأحداثه [2].

ولأنَّ الأمر على العكس، ولأنَّ الإنكار في الفهم الإسلاميّ وفي لغة الضمير والعرف العقلائيّ بعد العقل وفي كلِّ السنن الصالحة وفي لغة الحقوق إنَّما هو على الظالم ولأنَّ النصرة في كلِّ هذه المصادر إنَّما هي للمظلوم، فقد كان الواجب على السياسة الخليجيَّة وجيوشها أنْ تنكر على السُّلطة ظلمها للشعب وأنْ تكون نصرتها له بنصيحتها للسُّلطة وبكلمة معروفٍ كان المقدَّر أنْ تُسْمَع فتردُّها عمَّا كانت عليه من تنكيلٍ وإيذاءٍ وتهميشٍ لهذا الشعب لتنقذ بذلك هذا الوطن كلَّه بكلِّ مكوِّناته مِمَّا جرى عليه ويجري من ويلات ومن خسارةٍ عامَّة للجميع وتنقذ المنطقة من كلِّ الامتدادات السيِّئة للصراع المشتعل على أرض البحرين والفتنة التي تغرق فيها.

ولكنَّ الموقف السياسيَّ الخليجيّ جاء على العكس، وجاء تدخُّل الجيوش الخليجيَّة داعماً للموقف الظالم الذي تقفه السُّلطة من الشعب قبل حراكه السياسيِّ وبعده ؛ لذا كان يوم هذا التدخُّل بما مثَّله من مصادمةٍ مع مقاييس الدين والعقل والعرف والقوانين العادلة وصدمةٍ للضمير الإنسانيِّ الضمير العربيّ وبما تسبَّب فيه من طول عمر الأزمة في هذا البلد المسلم ومضاعفةٍ للخسائر التي أضرَّت به، يوماً سيِّئاً أسودَ كالحاً في تاريخ البحرين وتاريخ المنطقة بل تاريخ الأمَّة.

يومٌ سيبقى [3] شاهد إدانةٍ مسجِّلاً على السياسة في المنطقة خطأً في التقدير وجوراً في الموقف وتوافقا على الظلم وخللاً في القصد وبعداً عن كلِّ المقاييس والقيم التي ينبغي أنْ تحكم كلَّ الأمور في هذه المنطقة المسلمة.

يومٌ يستوجب سرعة التراجع عن خطئه وعاره وخطيئته، وفي التراجع خيرٌ وصلاحٌ وإصلاح، وهذا ما يفرضه ديننا القويم ويطالب به هذا الشعب وتقضي به مصلحة الجميع.

أوقفوا النزيف:

كفى هذا الوطن جراحاً ونزيفاً ومحنةً طالت وخسائر تتمدَّد وتتوسَّع كلَّ يوم، كفاه فتنةً سوداء مغرقة وناراً لاهبةً مهلكة، كفاه أوجاعاً وآلاماً عمَّت وتعمَّقت وأحقاداً تنذر بأشدِّ الأخطار.

لن يزيد استمرار الظلم وخيار لغة البطش والإصرار على الاستئثار ومحاولة القهر للصوت العادل والحرِّ الأوضاعَ إلَّا سوءا، والجوَّ إلَّا التهابا، والبيت إلَّا انهداما، والسفينة إلَّا غرقا.

كلَّما جاء يومٌ على بقاء الظلم والبطش والاستئثار ومجابهة نداءات الحقّ ودعوات العدل كلَّما شطَّت السفينة عن شاطىء الأمان واقتربت من غمرة الهلاك وساعة الغرق.

لا منقذ في حوارٍ شكليّ ولا مراوغاتٍ سياسيَّةٍ حاذقة ولا التفافٍ ولا حلولٍ صوريَّة ولا وعودٍ معسولة ولا تهديداتٍ مكشوفةٍ أو مُبَطَّنة ولا بممارسةٍ للعنف على الأرض ولا سقوط شهداء ولا زيادةٍ مرتفعةٍ في عدد السُّجناء.

لا حلَّ في أنْ حرَّك الناس التهميشُ فتزيد السياسة في تهميشها للناس، وأن اشتكى الشعب من الإقصاء فتضاعف السياسة من إقصائها له، في أنْ أغاظ الشعب التمييز فتمعن السياسة وتتوسَّع وتتعمَّق في التمييز، أنْ يضجَّ الناس من الضغط الدينيّ والفساد الخلقي فتضاعف السياسة من هذا الضغط وتكبر الانطلاقة لهذا الفساد، أنْ يطالب الخائفون بالأمن فتزيد خوفهم خوفا –أيْ السُّلطة- والمهانون بكرامتهم فيزدادون إهانة والفقراء بالخروج من ذلِّ الفقر فتغرقهما لسياسة في الفقر.

كلُّ ردود الفعل هو مضاعفاتٌ لمشاكل حرَّكت الشعب، أوجعته، كان حراك الشعب للخروج من المشاكل الخانقة، لتصحيح الأوضاع السيِّئة، للتخلُّص من مظالم طاغية، من ذلٍّ ضاقت به الصدور، من تهميشٍ وتحكُّمٍ سلب المواطنَ قيمته وحوَّل الإنسان إلى سائمةٍ أو مربوطة.

وكان الجواب على حراك الشعب السّجن والقتل والتشريد والطرد من الوظائف والجامعات والمدارس والإمعان في الإهانة الدينيَّة والإنسانيَّة والتعدِّي على المقدَّسات ومصادرة الحريَّات الكريمة وتعميم الخوف وأجواء الرُّعب وألوانً متعدِّدةً من العذاب والعقوبة.

كان هذا هو الحلّ في نظر السُّلطة ولا يُدْرَى بالضبط هل وصلتها لحدِّ الآن رسالةٌ من صمود هذا الشعب وتضحياته وصبره ورباطة جأشه وإيمانه بحقَّانيَّة مطالبه وعدالة قضيَّته تقنعها بخطأ ما اختارته من حلٍّ وعدم قدرته على الحسم بالطريقة الظالمة التي ارتضتها أمْ لا [4] !.

وكم ستتعب السُّلطة، وكم سيتعب الشعب، وكم سيخسر الوطن، ما لم تصل السياسة الرسميَّة إلى هذه القناعة وإلى ضرورة الحلِّ الإصلاحيّ الذي يرضى به الشعب - وليس أيَّ حلٍّ يُسَمَّى بالإصلاح -.

الحلُّ لا يحتاج إلى تفكيرٍ عميق، ولا إلى فلسفةٍ صعبة، ولا إلى حوارات، ولا استيراد خبرات، ولا تجارب يُتَتَلْمَذُ عليها لتعلِّم الحلّ، كلُّ ذلك ليس محلَّ حاجةٍ تحتاجها الإصلاح.

وكلُّ الحلّ يملكه طرفٌ واحد وهو السُّلطة، ويتوقَّف على نيَّةٍ صالحة تنتج إرادةً سياسيَّة إصلاحيَّةً جادَّة تفضي إلى صيغةٍ إصلاحيَّة تتوافق مع إرادة الشعب وتنال موافقته في استفتاءٍ شعبيٍّ حرٍّ نزيهٍ له ما يضمن حريَّته ونزاهته.

وإذا كان الحوار طريقاً من طرق التخريج السياسيِّ للحلِّ الإصلاحيِّ الحقيقيّ فهو أمرٌ مُتَعَقَّلٌ لو كانت وظيفته كذلك مع توفُّر الشروط الكافية لأدائه لهذه الوظيفة، وهذا على خلاف ما يشير إليه مخطَّط الحوار وتركيبته ومساره.

أنتمنَّى لهذا الوطن أنْ يبقى يوماً واحداً في محنته وفرقته وعذابه وتمزُّقه وتباعد المسافة بين أبنائه ولا يُجيز لمسلمٍ إسلامه ولا لصاحب حسٍّ إنسانيٍّ حسُّه ولا لذي غيرةٍ وطنيَّةٍ غيرته أنْ يقف موقفاً، أنْ يخطو خطوةً، أنْ يقول كلمةً ممَّا فيه تعطيلٌ للحلّ وإبقاءٌ للمأساة وخسارةٌ للوطن وشقاءٌ لأهل هذه الأرض؟.

ونقول بكلِّ جدٍّ ومن خلال نظرةٍ دينيَّةٍ وإنسانيَّةٍ ووطنية: أوقفوا نزيف الدم، ونزيف المال، ونزيف الدين، ونزيف العلاقات، ونزيف الكرامة، ونزيف كلِّ القيم الرفيعة، وخذوا بالإصلاح الجدِّي الذي يلبِّي ضرورات المرحلة وينال مرضاة الشعب، فإنَّ هذا الإصلاح هو الحلُّ ولا حلَّ غيره.

هناك ثلاثة مساراتٍ يسودها السوء والظلم والانتهاك وكلُّها تصبُّ في أذى الشعب وإيلامه واستفزازه وتقود الوطن إلى كارثةٍ عظمى، وهي المسار السياسيُّ والأمنيُّ والحقوقيّ والحشد الهائل الرسميُّ العمليُّ والتشريعيّ والإعلاميُّ الظالم الذي يغذِّي الظلم في هذه المسارات كلِّها ويركِّزه ويفعلِّه.

الحاجة إلى الإصلاحات في المسارات الثلاثة مُلِحَّة ولا تقبل التأجيل، وأيُّ تأجيلٍ وتسويفٍ وتحايلٍ على الإصلاح الحقيقيّ فيه تضحيةٌ كبيرةٌ بالوطن ومكوِّناته، وفيه تعجيلٌ وتسريعٌ لنتائج أشدَّ إيلاماً وكارثيَّة لهذ الوطن العزيز وأهله. الشيء الذي يجب أنْ يحذر منه الجميع، وتُوْضَع دونه السدود والحواجز التي لا تقبل الاختراق.

والإصلاح للمسارات الثلاثة مسؤوليَّةٌ تتحمَّلها السُّلطة، ويعتمد على أنْ تغيِّر نظرتها للشعب وأنْ تعترف له كلِّه بإنسانيَّته وكرامته وحريَّته ومواطنته، وتأخذ بما نصَّ عليه الميثاق من كونه مصدراً للسُّلطات.

-------------

[1] سماحة الشيخ: - أيْ حراكُ الشعبِ -.

[2] هتاف جموع المصلين: "لَنْ نركع إلَّا لله".

[3] سماحة الشيخ: - أيْ حراكُ الشعبِ -.

[4] هتاف جموع المصلين: "طال الزمان أو قَصُر، الشعب سَوْفَ ينتصر".

...............

انتهی/212