تحرك الإمام الخميني نحو طهران في الساعة الواحدة من فجر يوم الخميس الأول من شهر شباط سنة 1979م الساعة الثالثة والنصف فجراً بتوقيت طهران بعد 17 يوماً من الإقامة في "نوفل لوشاتو".
تسع طائرة الخطوط الجوية الفرنسية ايرفرانس لأكثر من 400 راكب، إلا أنها لم تستقبل أكثر من 200 مسافر (150 صحافياً و50 شخصاً من المقربين لسماحة الإمام) لكي يتسنى التزود بالوقود الكافي، وفي حال عدم الهبوط في طهران تعود إلى باريس.
تأخر 20 شخصاً؛ منهم 5 صحافيين عن الوقت المحدد لإقلاع الطائرة؛ وكانت أعينهم تفيض دمعاً وهم ينظرون إلى طائرة الجامبو النفاثة وهي تغادر مدرج مطار "شارل ديغول".
شارك 5 آلاف من قوات الدرك والأمن الخاص لحماية الطريق الذي ينتقل عبره الإمام من ضاحية "نوفل لوشاتو" وحتى الطائرة، واحتشد جمع غفير من الناس في المطار وأخذوا يرددون الشعارات المؤيدة للثورة الإسلامية.
شكر الإمام الخميني خلال مؤتمر صحفي قصير قبل مغادرته باريس، مشاعر الود لدى الشعب الفرنسي وحسن ضيافة أهالي قرية "نوفل لوشاتو".
في الطائرةصعد الإمام الخميني إلى الطابق الثاني من الطائرة النفاثة 747 في الساعة الثانية وعشرة دقائق من فجر الثاني عشر من بهمن، وأخذ قسطاً من الراحة استمر حتى حلول وقت صلاة الصبح.
نزل الإمام ثانية إلى الطابق الأسفل من الطائرة لأداء صلاة الصبح، وأدى جميع المسافرين الإيرانيين الصلاة، ومن بعد ذلك سمح للصحفيين بالتقاط الصور.
حينما دخلت الطائرة أجواء مدينة طهران ولاح مطار مهر آباد للعيان، ردد الإيرانيون الذي كانوا على ظهر الطائرة نداء "الله أكبر"، ودنت الطائرة من المدرج، ولكنها ما إن شارفت على الهبوط حتى وقع فيها خلل فني أرغمها على التحليق ثانية في كبد السماء.
دار الحديث عن عدم الإذن للطائرة بالهبوط، وبقيت الطائرة محلقة في الأجواء لمدة عشر دقائق. وفي الوقت الذي كان فيه الكثير يتصور ان الطائرة يجب أن ترجع من حيث أتت، قربت من مدرح المطار مرة أخرى، وأفلحت هذه المرة في الهبوط على أرضه.
وفي هذه المرة رددّ من كان على ظهر الطائرة من الإيرانيين والأجانب نداء "الله أكبر" سوية. وعندما فتحت أبواب الطائرة صعد إليها اثنان من علماء الدين في طهران للترحيب بسماحة الإمام. نزل الصحفيون من الطائرة أولاً، ومن بعدهم وطأت أقدام المسافرين الإيرانيين الخمسين ومن بينهم الإمام الخميني، أرض مطار مهر آباد.
نهاية انتظار طال 15 سنةوأخيراً انتهى انتظار الشعب الإيراني الذي طال أمده لمدة 15 سنة، ووضع الإمام الخميني قدمه على أرض الوطن الإسلامي في الساعة 9 و37 دقيقة و30 ثانية.
جاء في تقرير لمراسلي صحيفة "اطلاعات" ان مدينة طهران عاشت ليلاً ونهاراً حافلاً بالترقب والحماس والشوق في انتظار استقبال قائدها الكبير، وكانت عقارب الساعة تسير لتقرب مع مضي كل دقيقة، لحظة مصيرية لا تنسى لحظة وصول الإمام الخميني.
كان ذلك الترقب مزيجاً بالانفعال، وانفعالاً مقروناً بالترقب لملايين الرجال والنساء الإيرانيين صغاراً وكباراً.
ومن أن حالة الترقب هذه قد بلغت ذروتها قبل أسبوع من هذا التاريخ، إلا أنها اتخذت عصر يوم الحادي عشر من بهمن طابعاً وحرارة خاصة، وكانت تزداد شدة وحرارة حتى صبيحة يوم الثاني عشر من بهمن.
نثر الورد على مسير الإمام (قده)زينت مسافة 33 كليومتراً المقرر أن يقطعها الإمام من مطار "مهر آباد" إلى مقبرة بهش زهراء [جنة الزهراء] بالورد من قبل الجماهير التي عبرت عن احتفائها بمقدمه بتبخير الحرمل والتجمهر على الطريق المعلن لمسيره، وذكرت وكالة أنباء يونايتدبرس في تقرير لها أن المشاركين في مراسم الاستقبال بلغ عددهم 4.5 مليون نسمة.
أزيز الطائرة في سماء مطار مهر آبادكان أزيز الطائرة في الساعة التاسعة وخمس دقائق من صباح يوم الخميس الأول من شهر شباط سنة 1979م في أجواء مطار مهر آباد قد قلب صفحة من تاريخ، وأتت فترة الانتظار على الختام. ومع تناهي دوي الطائرة إلى الأسماع، ارتفعت صياح فرح الجماهير إلى عنان السماء.
بعد آخر جولة للطائرة في أجواء المطار حطت على المدرج، وهذه اللقطة شاهدها ملايين الإيرانيين في كل أرجاء البلاد.
ومع أن البث المباشر لمراسم الاستقبال عبر شاشة التلفزيون قد جعل ملايين الإيرانيين يلازمون بيوتهم ويجلسون أمام جهاز التلفزيون، إلا أن حشود الجماهير كانت تقطر في كل مكان من طهران لاستقبال الإمام الخميني، وكان الطريق المحددة لمسيره مكتظة بالناس بشكل أكبر.
في صالة المطاربعد دقيقة من ترجّل الإمام من الطائرة، استقل سيارة مارسيدس كانت معدّة له في المطار، واتجهت به وسط نداءات "الله أكبر" ومشاعر البهجة والاحتفاء بين المستقبلين نحو باب الخروج من المطار.
رفعت في داخل المطار لافتات كثيرة كتبت عليها شعارات الترحيب بالإمام.
في الساعة 9و15 دقيقة توقفت السيارة التي تقل الإمام قبالة مدخل صالة المطار، ونزل هو منها بمنتهى السكينة والأناة، وأمضى عدة دقائق بين المستقبلين.
بعد انتهاء مراسم الاستقبال في المطار، استقل الإمام سيارة بليزر ذات لون أزرق وأبيض تحمل لوحة العبور الجمركي المؤقت رقم 27520 طهران، وسارت به نحو ميدان آزادي (ساحة الحرية)، لكي ينتقل عبر المسير المحدد صوب "بهشت الزهراء"، ويلقي هناك خطاباً على أسماع الشعب الإيراني المسلم الثوري.
توقف البث التلفزيونيحينما كانت مراسم استقبال الإمام تبث من الإذاعة والتلفزيون مباشرة على الهواء، اقتحمت سرية جديدة من جلاوزة الحكومة العسكرية باحة الإذاعة والتلفزيون "جام جم" واعتقلت الأشخاص الذين بادروا إلى بث ذلك البرنامج، وأطلقوا سراحهم خارج باحة الإذاعة والتلفزيون.
وبهذا يكون الناس الذين كانوا يتفرجون على التلفزيون قد شاهدوا الدقائق الأولى فقط من استقبال الإمام، أي حتى الساعة 9 و23 دقيقة.
وفي تلك الساعة أعلن المذيع من التلفزيون بأن البث المباشر لمراسم الاستقبال سيقطع بسبب وجود خلل فني يحول دون وصول الصوت من المرسلات التلفزيونية السيارة، إلاّ أن مصوري التلفزيون استمروا في تصوير وقائع الاستقبال وإعدادها على هيئة فلم خبري ليبث من على شاشة التلفزيون في وقت لاحق.
في مقبرة "بهشت زهراء"اكتست مقبرة بهشت زهراء يوم وصول الإمام الخميني إلى إيران حلة أخرى، واكتظت بحشود جماهيرية هائلة حيث كان هذا المكان وسائر الطرق التي كان من المقرر أن يجتازها الإمام قد ملئت بأبناء الشعب الذين قدموا من سائر أرجاء البلاد أو من أهالي مدينة طهران لاستقبال إمامهم وقائدهم.
أعدت المنصة الخاصة التي يلقي من فوقها الإمام خطابه عند الجهة الشمالية من الحقل رقم 17 ـ وهو محل دفن الشهداء ـ وخصص بالقرب منها موضع للصحفيين الأجانب.
كان مراسلو الصحف والإذاعة ومحطات التلفزة الأجنبية قد نقلوا أجهزتهم ومعداتهم إلى بهشت زهراء منذ الليلة البارحة. وبدأت منذ الصباح الباكر ليوم الاثني عشر من بهمن حشود الجماهير التوافد على مقبرة بهشت زهراء. وحينما شاهدوا طائرة ايرفرانس التي تقل الإمام في سماء طهران، أخذوا يرددون هتافات "الله أكبر"، ومن هنا ألقى سماحة الإمام الخميني خطابه التاريخي، وغذا بذلك عروق الثورة بدماء جديدة.
...................
انتهی / 232