وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _ قال «آيه الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (08/02/2013) في جامع "الإمام الصادق (ع)" بـ"الدراز" hن "في البحرين تتواصل المسيرات لمدة سنتين إلا أياما، وكان أن بلغ بعضها في الحشد الواحد ثلث الشعب أو ما يزيد، ورد الفعل من جانب السلطة هو الإهمال، وتقليل الشأن، والإمعان في العقوبة، وزيادة مستوى الضغوط بكل أنواعها المؤلمة".
وأضاف آية الله قاسم ان "في البحرين يسقط الشهيد والشهيدان، في مسيرة سلمية وفي شارعٍ جانبي أو في قرية من القرى، ويضيع دم عشرات الشهداء، ولكأنهم لا شيء، هذا ولم تتسم المظاهرات في أيِ بلد عربي في طابعها العام بدرجة من السلمية كمثل ما اتسمت بذلك في البحرين، وهي مفخرة من مفاخر الحراك الشعبي فيها، وينبغي أن يستمر هذا الحراك محتفظاً بهذه المفخرة".
وفي ما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله الشيخ عيسی قاسم:
نظرةٌ على الحوار:
الخلاف السياسيُّ والحقوقيُّ في البحرين والذي بلغ حدَّاً عالياً من التوتُّر والغليان، وَالْتَهَمَ من الشعب أرواحاً وأمولاً، وسبَّب خسائر ضخمة، وخلق للوطن مشاكل جمَّة وتخلخلاً اجتماعيَّاً مؤلماً، كما هو ليس خلافاً بين طائفتين فإنَّه ليس خلافاً كذلك بين الحكومة ومجموعةٍ من المؤسَّسات السياسيَّة المرخَّصة أو غير المرخَّصة، وإنَّما هو خلافٌ بين الحكومة وشارعٍ عريضٍ مشتركٍ برهنت بعض مسيراته على أنَّه شارعٌ عريضٌ فعلاً وأنَّه يمثِّل كتلةً شعبيَّةً هائلة لا يمكن للسُّلطة أنْ تنكر حجمها الكبير جدَّاً.
في بلد السبعين (70) مليون إنسان والثمانين (80) مليون إنسان، يحتشد مليونان منهم في مسيرةٍ احتجاجيَّة يُعَدُّ حدثاً ضخما، وصوتاً شعبيَّاً واسعاً، ومطلبه مطلباً شعبيَّاً لا يمكن أنْ يُهْمَلَ أو يُتَجاَوَز.
في البحرين تتواصل المسيرات لمدَّة سنتين إلَّا أيَّاما، وكان أنْ بلغ بعضها في الحشد الواحد ثُلْث الشعب أو ما يزيد، وردُّ الفعل من جانب السُّلطة هو الإهمال، وتقليل الشأن، والإمعان في العقوبة، وزيادة مستوى الضغوط بكلِّ أنواعها المؤلمة.
والمسيرات المصحوبة بالعنف في مصر تصل إلى قصر الرئاسة، وتستهدفُ إزالة الباب الرئيس له، ويسقط في المواجهة الساخنة قتيلٌ واحدٌ في الحال ثمَّ يرتفعُ العدد إلى ثلاثة، فيحدثُ ذلك استنكاراً واسعاً، والمعارضة تصرُّ على القصاص، وتحمِّل الرئيس المسؤوليَّة السياسيَّة.
وفي البحرين يسقطُ الشهيدُ والشهيدان، في مسيرةٍ سلميَّةٍ وفي شارعٍ جانبيّ أو في قريةٍ من القرى، ويضيعُ دمُ عشراتِ الشهداء، ولكأنَّهم لا شيء [1]، هذا ولم تتسِّم المظاهرات في أيِّ بلدٍ عربيٍّ في طابعها العامّ بدرجةٍ من السلميَّة كمثل ما اتَّسمت بذلك في البحرين، وهي مفخرةٌ من مفاخر الحراكِ الشعبيِّ فيها، وينبغي أنْ يستمرَّ هذا الحراكُ محتفظاً بهذه المفخرة.
وكم من المسيرات الصَّاخبة في الأردن والمطالبةِ بالإصلاح والتغيير والتي لم يسقُط فيها قتلى على ما مرَّ في البحرين من تساقطِ الضحايا.
ولِكَوْنِ الأزمة السياسيَّةِ والحقوقيَّةِ طرفاها الحقيقيَّان هما السُّلطة والشَّارع الجماهيريُّ العريض من رجال ونساء هذا الشعب، فلو كان هناك حوارٌ حقيقيٌّ جادّ فإنَّما طرفاه في الحقيقة هما السُّلطة وهذا الشَّارعُ العريض الذي لا يمكن أنْ يُمْهَل، والتمثيلُ عنه [2] لا يكونُ إلَّا بإرادته كما هو التمثيلُ عن الطرف الحكوميِّ تماماً [3].
وإذا حاور الحكومة أيُّ محاورٍ يتبنَّى المطالب الشعبيَّة في الحوار فلا بُدَّ للنتائج التي يُنتهى إليها حتَّى تلزِمَ الشَّعب من موافقته عليها، أمَّا كلُّ من يتبنَّى وجهة النظر الرسميَّة في الحوار ويدافع عنها وخاصَّةً إذا كان من تعيينها فهو جزءٌ من الطرف الحكوميِّ فيه ولا يمكن أنْ يُحْسَب على الشَّعب بحالٍ من الأحوال [4].
والهيكليَّةُ التي صمَّمها مهندسُ الحوار بالنسبة للأطراف المتحاورة ثمانيةٌ تختارهم الجمعيَّات المعارضة من بين أعضائها، وثمانيةٌ تختارهم الجمعيَّاتُ التي يظهر من كثيرٍ من تصريحاتها تبنِّي وجهة النظر الحكوميَّة في المسائل الرئيسة، وثمانيةٌ سمَّتهم مستقلِّين يكونون من تعيينها وهم من بين أصواتٍ تصرُّ على إبقاء ما كان على ما كان وربَّما أشداَّ من إصرار السُّلطة وذلك من نوَّابٍ وشورويِّين، ينضمُّ إليهم ثلاثةٌ ممثِّلون عن الحكومة، وتكونُ إدارةُ الحوارِ لوزير العدل، فنحن في النتيجة أمام حوارٍ نسبة التمثيل فيه لوجهة نظر الحكومة حوالي الثلثين، وللمعارضة الثلث.
والنتيجة محسومةٌ سلفاً لو كان اتِّخاذ القرار بالأغلبيَّة، وإذا كانت النتيجة ستعتمد على التوافق فهو صعبٌ جدَّاً في هذه الصورة، ولا يمكن أنْ تتساوى الفرصة في بيان الآراء من قبل الطرفين في ظلِّ هذا التفاوتِ الفاحش في التمثيل، ولا يمكن أنْ يكون الإصرار على هذا التفاوتِ خالياً من أغراضٍ مُبَيَّتة ؛ وإلَّا لكان الأولى لإظهار المخطّط لمشروع الحوار موضوعيَّته وعدالته وحسن نيَّته، أنْ يساوي بين طرفيْ الحوار في العدد، ولا يصير بصورةٍ مكشوفة إلى هذا التفاوتِ المفضوح المؤثِّر سلباً على قيمة الحوار.
ولكثيراً ما تركِّز السُّلطة والأصوات المواليةُ لها على الرفض لأيِّ نتائج أو حلول تقوم على المحاصصة الطائفيَّة، والسؤال هل وراء هذا الرَّفض نيَّةٌ حقيقيَّةٌ صادقة [5] ؟ أو هل النيَّة المُبَيَّتةُ هو أسوأ ألوان المحاصصة ؟ وما هو الواقع القائم الذي تطالب كلُّ المعارضة بتغييره ؟
الأسس التي يمكن أنْ تعتمدها السياسية في توزيع المناصب والوظائف الرسميَّة كبيرةً كانت أو صغيرة، وفي توزيع الخدمات ومشاريعها، بغضِّ النظر عن صحَّة هذا التوزيع وخطئه وعدالته وظلمه، منها المحاصصة [6]، ومنها المحاصصة القائمة على الولاء للحكم ودرجته، ومنها أساس المواطنة والكفاءة، والمحاصصة الطائفيَّة ليست واحدة ؛ فهناك محاصصةٌ تلاحظ واقع النسبة بين الطوائف وتتعامل معها على أساس هذه النسبة، ومحاصصةٌ أخرى إنَّما تأخذ بما يمليه الغرضُ السياسيّ أو روح التعصُّب.
فما هو المعمول به من هذه الأسس عند السُّلطة حاليَّاً ؟ الآن، وقبل الحوار، ما هو الأساس المُعْتَمَد لسياسة الدولة في قضيَّة التوزيع ؟
مطالعةٌ سريعةٌ للوضع القائم على الأرض، واستعراضٌ لتوزيع المناصب والوظائف والخدمات كما تبيِّنُهُ التعيينات الرسميَّة المُعْلَنةُ من قِبَل السُّلطة والتتبُّعات الاستقرئيَّة التي تنشرها الجمعيَّاتُ المعارضة بالأرقام، ينكشفُ تماماً وبكلِّ وضوحٍ أنَّ المقياس المُعْتَمَدَ للسياسة هنا في هذا التوزيع لدرجة الولاء أوَّلا، ثمَّ للطائفيَّة في صورتها البشعة ثانياً، أمَّا المواطنة والكفاءة فلا وزن لهما ولا قيمة أمام قداسة المقياسين السابقين.
هذا عن الوضع القائم، وهو الوضع الذي تطالبُ المعارضةٌ والجماهير المتظاهرة بالتخلُّص منه والأخذ بمبدأ الكفاءة والمواطنة، وهل إعلان السُّلطة والمولاة الرَّفض للنتائج والحلول التي تكرِّسُ مقياس المحاصصة الطائفيَّة جادٌّ أو أنَّ الجدَّ عندهما على خلافه؟
لو كان المُعْلَنُ هو المقصود [7] فماذا يمنع السُّلطة من رفض هذا المقياس عمليَّاً ومن الأخذ بمقياس الكفاءة والمواطنة ؟ هل تمنعها المعارضة ؟ هذا مطلب المعارضة، مطلب المعارضة هو مقياس الكفاءة والمواطنة، فإذا كان الغرض الجديُّ للسُّلطة هو أنْ تعمل بهذا المقياس، ماذا يمنعها منه الآن؟ لا حاجة للحوار في هذه المسألة.
المعارضة هي التي تقف في وجه تحكيم مقياس الكفاءة والمواطنة، وتصرُّ على مقياس المولاة والطائفيَّة الذي يتسبَّبُ في حرمانها وإقصائها وإنزال الضربات بها ؟ ممكن هذا ؟ حدِّث العاقل بما لا يليق، فإنْ صدَّق فلا عقل له.
وكيف تستهدفُ السُّلطة ومن معها في الرأي حواراً ينأى بالسياسة عن مقياس المولاة والطائفيَّة وهي تطرح مشروع حوارٍ من تصميم هذا المقياس نفسه [8] ولا يؤدِّي حسب التجانس بين المقدِّمة والنتيجة إلَّا إليه ؟ عجبٌ وألف عجب!
وإذا كانت طبيعة المقدِّمات دالَّةً على طبيعة النتائج كما هو الصحيحُ والحق، فإنَّما مطلوب مشروع الحوار وكلِّ المحاولات الأخرى أنْ يبقى المقياسُ الذي يفرز الواقع السيِّءَ الحاليّ هو المقياس، وما هو الأمر الرئيس فيه وهو الدرجة التي عليها الموالاة.
ثمَّ أترى أنْ يُخَاف من المعارضة وجماهيرها أنْ ترشِّح مقياس الطائفيَّة والموالاة ؟
المعارضة تصرُّ على أنْ تكون حكومةٌ مُنْتَخَبَةٌ، ومجلسٌ نيابيٌّ مُنْتَخَب لا يحكم القرار فيه مجلسٌ آخر ولا يشاركه في اتِّخاذه، وعلى دستورٍ يقوم على إرادة الشعب، وأنْ يتساوى صوت المواطن مع أخيه المواطن في القيمة القانونيَّة في كلِّ هذه المجالات.
هذا مطلب المعارضة، هذا الأمر الذي تأخذ به بلدان الديمقرطيَّة المتقدِّمة كما يسمُّونها كأمريكا وانجلترا وفرنسا، هل جاء اختيارهم له [9] وعندهم طوائف متفاوتةٌ في وزنها العدديّ [10] من منطلقٍ طائفيّ ومن أجل تركيز الطائفيَّة ؟ لا أحد يقول بذلك [11].
نحنُ هنا نرفض مقياس الموالاة والمحاباة والعبوديَّة للسُّلطة ؛ لأنَّه مقياسٌ ظالم [12]، ونحنُ هنا نرفضُ مقياس الطائفيَّة حتَّى في صورته غير الجائرة ؛ لأنَّه يقسم الوطن ويجرُّ إلى البغضاء بين أخوة الدِّين الواحد، والأرض الواحدة، ويثير روحَ الخصام، ويعطي للسُّلطة أنْ تلعب على الوتر الطائفيَّ [13].
ولا يفوت النَّاظر ما أقدمت عليه الحكومة من إعلان فصل الأطِّباء في أجواء دعوتها للحوار، تعطيلاً لهذه الأجواء، وتقديماً لوجبةٍ مشهيَّةٍ للحوار، وتطييباً لخواطر المواطنين، و فتحاً لباب التفاؤل بنتائج طيِّبةٍ مترتّبةٍ عليه، وإبداءاً لحسن النيَّة.
وحقَّ لهؤلاء الأطِّباء أنْ يُفْصَلوا من وظائفهم جزاءَ إحسانهم بمشاركتهم في التخفيف عن الجرحى، وإنقاذ المواطنين المُعَرَّضين للهلاك.
الجزاءُ أعزَّائي الأطِّباء عند الله سبحانه، وإنَّ شعبكم عليه ألَّا ينسى جمليكم الثَّابت الكبير ومعاناتكم من أجله [14].
-------------
[1] هتاف جموع المصلِّين : "هَيْهَات مِنَّا