الامام ضرورة، وتتجلّى هذه الضرورة في نصبه وإقامته، والارتباط به، لذا أكدّت الأحاديث الشريفة على ذلك، ووردت روايات عديدة عن رسول الله(ص) بألفاظ متعددة وبطرق متعددة تؤكد على ضرورة نصب الامام، وأُطلقت هذه الروايات لتشمل جميع العصور، فعن الفضيل بن يسار قال: ابتدأنا أبو عبد الله يوماً وقال: قال رسول الله(ص): "من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية".
والروايات التي تؤكّد تنصيب الامام، وردت في تعابير متعدّدة لتركيز هذه الحقيقة في الأذهان.
ففي رواية عن رسول الله(ص) أنّه قال: "من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية". وفي تعبير آخر: "من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية".
ومعرفة الإمام مرحلة متأخره عن مرحلة تنصيبه.
وفي تعبير آخر: "من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية".
فالامام على ضوء تلك الروايات يجب أن يكون منصباً حتى يعرف، وحتى يُبايَع ويُتَّبع، وما لم يكن القائد منصّباً لا يصحّ التعبير في حقِّ من لا يعرفه ولا يشخِّصه بالقول (مات ميتة جاهلية)، فالتنصيب مفروغ عنه في مرحلة متقدمة.
الامام المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشريف) هو الامام الثاني عشر عند المسلمين
أجمع الرواة والمتكلمون والفقهاء من مختلف المذاهب الاسلامية على تواتر حديث "الائمة من قريش" وعلى عددهم ولكن اختلفوا في مصاديقهم وفي أسمائهم وفي القبائل القرشية المنتسبين اليها.
والذي يتمعن في الحديث يجد انّ الائمة والخلفاء تمتد امامتهم وخلافتهم بامتداد الزمان؛ حيث يتوقف صلاح الامة على وجودهم، وتتوقف عزة الاسلام على وجودهم، ثم يكون الهرج من بعدهم.
عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله(ص) يقول: "بعدي اثنا عشر خليفة" ثم اخفى صوته، فقلت لأبي: ما الذي أخفى صوته؟ قال: قال: "كلّهم من قريش".
وعنه قال: سمعت رسول الله(ص) يقول: "لا يزال هذا الدين عزيزاً الى اثني عشر خليفة" فكبر الناس وضجّوا، ثم قال كلمة خفية، قلت لأبي: ياأبة ماقال: قال: "كلّهم من قريش".
فلما رجع الى منزله اتته قريش فقالوا: ثم ماذا؟ قال: ثم يكون الهرج.
وقرن رسول الله(ص) بين انقضاء الأمر وبين مضي اثني عشر خليفة، فقال: "هذا الأمر لاينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش".
وقرن(ص) بين عزة الدين والخلفاء الاثني عشر فقال: "لا يزال هذا الدين عزيزاً الى اثني عشر خليفة كلهم من قريش، ثم يكون الهرج".
وفي رواية: "لايزال الاسلام عزيزاً الى اثني عشر خليفة كلّهم من قريش".
وقرن(ص) بين مضي أمر الناس وولاية الاثني عشر فقال: "لا يزال أمر الناس ماضياً ماوليهم اثنا عشر رجلا كلّهم من قريش".
ووردت روايات عديدة تخصص عموم قريش ببني هاشم، وقد استدل ابن حجر الهيثمي على ذلك من خلال الحديث الشريف: "الناس تبع لقريش في هذا الشأن؛ مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم، والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الاسلام اذا فقهوا".
قال ابن حجر: "فاذا ثبت هذا العموم لقريش فأهل البيت أولى منهم بذلك، لأنهم امتازوا عنهم بخصوصيات لايشاركهم فيها بقية قريش".
وعن رسول الله(ص) قال: "بعدي اثنا عشر خليفة، كلّهم من بني هاشم".
ووردت روايات مستفيضة ومتواترة في تخصيص الائمة بأهل البيت(ع) وصرح بعضها بانّ الامام المهدي(عج) هو آخر الائمة.
عن ابي هريرة قال: قال رسول الله(ص): "أهل بيتي عترتي من لحمي ودمي، هم الائمة بعدي عدد نقباء بني اسرائيل".
وعن عبد الله بن مسعود عن رسول الله(ص) انّه قال: "الأئمة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، والتاسع مهديهم".
وعن الامام جعفر الصادق عن آبائه عن رسول الله(ص) أنّه قال: "الأئمة بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم، هم خلفائي وأوصيائي وأوليائي، وحجج الله على امتي بعدي".
وعلى ما تقدّم من روايات يكون الامام المهدي(عج) هو الامام الثاني عشر، وهو آخر الائمة والخلفاء، وهذا واضح لدى فئة كبيرة من المسلمين وهم الشيعة الامامية، أمّا أهل السنة فانّ رواياتهم تدل على مايتبناه الشيعة أيضاً مع اختلاف في التأويل والتفسير، فرأي الشيعة واضح بينما رأي أهل السنة يحتاج إلى عناية اضافية في تطبيق المفهوم على مصداقه الواقعي.
ومن القرائن الدالة على انّ الامام المهدي(عج) هو الامام الثاني عشر ورود حديث الأئمة أو الخلفاء من قريش عند الكثير من رواة السنة في باب "الملاحم والفتن، الامام المهدي"، وعموم أحاديث آخر الزمان (عج).
انتساب الامام المهدي (عج) إلى أهل البيت (ع)
مفهوم أهل البيت (ع) وإن كان قد أُطلق على عليّ وفاطمة والحسن والحسين (ع) إلاّ أنّ رسول الله(ص) وسّعه ليشمل ذريتهم من بعدهم ولم يخصصه ويقيّده فيهم وحدهم، فقال: "في كل خلق من أمتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين...".
وأهل البيت (ع) عنوان اطلق على سلالة علي(عج) وفاطمة (ع) من قبل رسول الله(ص) ومن قبل الرواة والمتكلمين، وخصوصاً السلالة التي امتدت بها الإمامة الى قيام المهدي(عج).
وتواترت الروايات على انتساب الامام المهدي(عج) الى أهل البيت (ع) والى العترة الطاهرة، ولا يخالف في هذه الحقيقة أحد من المسلمين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم.
قال رسول الله(ص): "نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي".
وقال(ص): "المهدي رجل من ولدي".
وقال(ص): "المهدي منّا أهل البيت يصلحه الله في ليلة".
وفي رواية أخرى انّه(ص) قال: "المهدي من عترتي من ولد فاطمة".
وفي رواية انّه(ص) ضرب على منكب الحسين فقال: "من هذا مهدي الامة»( وانتساب الامام المهدي(عج) الى أهل البيت (ع) الى علي وفاطمة والحسين (ع) يجعله ذا سلطان روحي على المسلمين جميعاً، لما يكنونه من حب وولاء وتقديس لأهل البيت (ع)، وقد اثبتت الوقائع التاريخية انقياد المسلمين الى ذرية رسول الله(ص) على طول التاريخ، فكيف بالأمر اذا كان أحد ذرية رسول الله(ص) إماماً منصوصاً عليه ومبشراً به، فيكون الانقياد له آكد وأوسع وأعمق; لانه انقياد بقناعة وانقياد بحب وود لا انقياد جزع أو اضطراب أو انقياد خوف، وبهذا الانقياد يستشعر المسلمون بذوق الطاعة وطعمها الجميل لانها طاعة القاصد المريد العارف بما يفعل والمطمئن لشخص من يطيعه.
وسيكون الامام المهدي(عج) اماما لجميع بني البشر لان البشرية في اخر الزمان ستبحث عن منقذ لها بعد الياس من جميع القادة والاطروحات فتتوجه اليه عليه السلام بعد ان تطلع على منجزاته العديدة التي تحقق لها العدالة والرفاهية، فسيؤمن به جميع المنتمين الى الاديان الاخرى من الباحثين عن منقذ لهم.
الأسباب والعوامل المؤدية لانتهاء الأديان
أولاً: ظهور بعض المعاجز في عصر الظهور، سواء كانت معاجز بالفعل، أو على الأقل بنظر أتباع الأديان، وهذه المعاجز لها تأثيراتها الإيجابية على تبني الإسلام وخصوصاً من قبل المستضعفين من اليهود والنصارى وعموم أهل الكتاب.
ثانياً: الترقب الطويل لظهور المنقذ والمصلح، والشعور بصدقه بعد الاطلاع على إنجازاته.
ثالثاً: الانبهار بشخصيته وسيرته وسرعة انتصاره، والانبهار من أهم العوامل المساعدة على تبني عقيدة من انبهرت به العقول والقلوب.
رابعاً: دور المسيح(عج) في هداية المسيحيين واليهود، حيث يثبت لهم بالأدلة الواضحة انه هو المسيح يسوع، وان الإنجيل والتوراة إنما هي هكذا.
خامساً: كثرة الخيرات في عهد الظهور ابتداءً بكثرة الأمطار، ثم كثرة الزرع، ثم الرفاه الاقتصادي، والصحة العامة، وجميع ذلك يجعلهم يشعرون بأن شخص الإمام المهدي(عج) هو المبشر به في الكتب السماوية.
سادساً: مقتل الرؤوس والقوى المؤثرة، كالسياسيين الكبار والعسكريين الكبار ورجال الدين والمنظرين والتجار؛ في الحرب التي تدور بينهم ، وبقتلهم تضعف الكيانات القائمة للمسيحيين واليهود وغيرهم، ولا يبقى من يجمع قواهم ويخطط لهمسابعاً: اليأس من الانتصار بعد قيام الحكومة الإسلامية العالمية، وبعد إدارتها من قبل الإمام المهدي(عج) والممحصين من أتباعه وانصاره، مما يدفعهم للإيمان به وبالإسلام كعقيدة صالحة وتشريع صالح.
ثامناً: حسن تعامل الإمام المهدي(عج) وأتباعه معهم، وهو من أهم العوامل المؤثرة في عقولهم وقلوبهم والموجهة لهم نحو الهداية.
تاسعاً: دور وسائل الإعلام المهدوية في إرشاد وتوجيه وتربية الناس جميعاً لتبني الإسلام عقيدة ومنهاجاً في الحياة.
عاشراً: الإطلاع الشامل على مفاهيم وقيم الإسلام، وانتهاء المعوقات والعراقيل التي تقف في طريق الهداية.
موقف الامام المهدي (عج) من غير المسلمين
الإسلام دين الرحمة والمسامحة والعفو، دين التعاون والتآلف والوئام، دين السلام والأمان، وهي الأسس التي يتعامل مع غيره من العقائد والوجودات، ويتعامل بها داخل المجتمع الإسلامي، والأصل هو السلام، أما القتال فهو أمر طارئ فرضته الظروف؛ لذا فإن الإسلام ينتهز أقرب الفرص للعودة إلى الأصل.
قال سبحانه وتعالى: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ".
وكان رسول الله(ص) ينهى عن تمني لقاء العدو، فيقول: "لا تتمنوا لقاء العدو، فإذا لقيتموه فاصبروا".
ولا نبالغ إذا قلنا: ان جميع معارك الإسلام التي قادها رسول الله(ص) كانت معارك دفاعية لرد عدوان واقعي أو محتمل الوقوع، ويمكن تحديد دوافع القتال وأهدافه القريبة والبعيدة كما جاء في القرآن الكريم بالنقاط التالية:
1 ــ دفع العدوان.2 ــ الدفاع عن المستضعف