اذا كانت "العلمانیة" قد حشرت الدين فی وقت ما فی زوایا التقوقع والانزواء والرهبانیة بعيدا عن الرأي العام، فان ثورة «الامام الخميني (ره)» الاسلامية (11شباط 1979)، قد تمكنت من ابطال هذه الرؤية التسطيحية، ونجحت في اعادة (الدين) الى موقعه الحقيقي بين الامم والشعوب، وليس هذا فحسب، بل انها امتدت بتأثيراتها المعنوية والمبارکة في مضمار تقوية (التدين) حتی لدى اتباع الشرائع السماوية الاخرى.
لقد شکلت ملحمة عودة زعيم الثورة الاسلامية الى ارض الوطن قادما من المنفى بعد نحو خمسة عشر عاما من الاغتراب المقرون بالجهاد والمثابرة ومقاومة جميع التحديات، لوحة فسيفسائية منقطعة النظير سواء على مستوى عظمة الحدث او لجهة الاستقبال الملاييني الذي قوبل به الامام الخميني (ره) من قبل جماهير الشعب الايراني المؤمن.
وهنا لابد من القول بان الالتحاق بمسيرة الثورة الاسلامية التی کانت متصاعدة فی ایران، وعلى الرغم من سيطرة اركان النظام الشاهنشاهي البهلوي البائد على مقاليد السلطة آنذاك، هو في حد ذاته (معجزة ربانية) تجاوزت القصورالمعرفي والمعاییر المادية حتى عند بعض الذين كانوا في عداد رجال الثورة وحراس (قائدها الثمانيني) الذي كانت له حساباته الخاصة على صعيد الاعتصام بحبل الله عزوجل والتوكل عليه في جميع المراحل، وايضا على مستوى ثقته المطلقة بأبناء شعبه الذين افترشوا العاصمة طهران طولا وعرضا لحماية (الفقيه الثائر) و(القائد الهمام) من أية مخاطر او تهديدات يمكن ان تستهدف حياته.
ومع ذلك ینبغی الجزم بان الامام الخميني (ره) المؤمن بمشيئة الله سبحانه وتعالى، كان اشجع وامضی من ان تستولي عليه الهواجس مخافة الموت او الاغتيال خاصة وان الذين واكبوا رحلة عودته بالطائرة الفرنسية من باريس الى طهران لمسوا في (الزعيم الشيخ) تلک النفس المطمئنة التی لاتتوفر الا فی صمیم الاولياء الصالحين وذوي الكرامات من بني آدم (عليه السلام.)
لقد كان حدث عودة القائد يوم (الاول من شباط 1979) الى البلاد، ثورة نورانية اضاءت في ما بعد للمجاهدين الايرانيين الغیاری آفاقا أرحب لاسقاط معاقل النظام الدکتاتوری العميل الواحد تلو الآخر، کما وقلصت فترة استمراره، حیث لم یدم بقاء "الشاهنشاهیة" سوی عشرة ایام فقط بعد مجئ المنقذ.
واثر انجلاء ذلک الکابوس المظلم اصبح الامام الخميني (ره) سيد الموقف وصاحب الكلمة الفصل في عملیة تغيير الواقع الفاسد، ووضع ایران الدولة والوطن والشعب والعقیدة في المسار الصحيح المؤدي بها الى التمسک بالثوابت الدينية والاخلاقیة و صیانة القیم الحضاریة والمبادئ الوطنية والدفاع عن القضايا المصيرية للامة الاسلامية كافة وعلى رأسها تطهير فلسطين والقدس الشريف من دنس الاحتلال الاسرائیلی.
وغیر هذا وذاك تحرير (الانسان الايراني) من عبودیة الارتهان والتبعية للسياسات والاملاءات التی کانت تفرضها علیه الدوائر الاستکباریة الاميركية والاوروبية والصهيونية، وذلک قبل ان تجلجل أنباء انتصار الثورة الاسلامیة المظفرة بقیادة سید فقیه مجاهد من احفاد رسول الله محمد (صلی الله علیه وآله وسلم) فی ارجاء المعمورة.
...............
انتهی/212