وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _ قال «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (25/01/2013) إن "السلطة هي التي تأخذ حق الشعب.. ولا موضوع للحوار إلا بين الشعب والسلطة لإرجاع هذا الحق".
ويأتي ذلك رداً غير مباشراً على ما كشفت عنه وزيرة الدولة لشئون الإعلام، المتحدث الرسمي باسم الحكومة «سميرة رجب» عن أن "الحكومة ستشارك في مؤتمر الحوار السياسي كمنسق لبرامج وفعاليات الحوار الذي دعا له عاهل البلاد، وستتولى تنفيذ التوصيات التي سيتم التوافق عليها ولن تشارك في الحوار كطرف مقابل المعارضة السياسية".
وفي ما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله الشيخ عيسی قاسم:
البحرينُ والإصلاحُ والحوار:
في مقابلةٍ صحفيَّةٍ لوزير الداخليَّة الثاني والعشرين من يناير –الثلاثاء-، جاء هذا الكلام: علماً بأنَّ المطالب الدستوريَّة والقانونيَّة مُرَحَّبٌ بها، وهي موضع الاهتمام والمتابعة من القيادة الحكيمة، فهدف الإصلاح في تحقيق الحياة الكريمة الآمنة لأبناء البحرين وتلمُّس احتياجاتهم وتلبية مطالبهم والعمل على دفع مسيرة التنمية الشاملة لتحقيق الازدهار والنماء، وعليه فإنَّ الديموقراطيَّة يجب أنْ تكون شأناً وطنيَّاً شاملاً للجميع ولكن الديموقراطيَّة الفئويَّة أو الطائفيَّة ليست خياراً وطنيَّاً [1].
وهو كلامٌ جميل، ومتوافقٌ مع المطلب الشعبيّ، ولو أخذ طريقه للتطبيق وفُعِّلَ حقَّاً لما بقيت المشكلة القائمة وانتهى الخلاف وكلُّ الكلام إذا كان هذا القول جادَّاً في التطبيق والتفعيل ؛ فلو أُتِيحَ للديموقراطيَّة أنْ تجد واقعاً على الأرض، وأُعْطِيَ للشعب دوره في اختيار السياسة التي تحكمه، وحقُّ الانتخاب الحرّ النزيه في انتخاب نوَّابه، واحْتُرِمَ رأيه في تشكيل حكومته، واعْتُبِرَ نظره في وضع دستوره، إلى آخر ما تقتضيه الديموقراطيَّة من مستوى هذا السقف، لتمَّت الاستجابة للمطلب الأساسيّ للشعب، ولم يعد هناك موضوعٌ للخلاف [2].
أمَّا عن الديموقراطيَّة الفئويَّة والطائفيَّة، فلا يمكن أنْ تُنْسَبَ المطالبةُ بها والتوجُّه إليها إلى من ينادي بالصوت الواحد للمواطن الواحد مِمَّن لهم حقِّ التصويت من غير تمييزٍ على الإطلاق -وهذا هو صوت الشعب-.الديموقراطيَّة الفئويَّة أوالطائفيَّة كما سمَّتها المقابلة، إذا صدقت الدعوة لها وتبنِّيها فإنَّما يصدق ذلك مِمَّن يعطي لصوت مواطنٍ واحد قيمةً قانونيَّةً في موضوع الانتخاب تعدل قيمة عشرة أصواتٍ وأكثر من عشرة أصوات [3].
وبشأن مسألة الحوار، فإنَّه قد سبق القول وقد يكون ذلك لأكثر من مرَّة بأنَّه خطوةٌ طريقيَّةٌ قد تنتج وقد لا تنتج، وقيمته في غيره، وما يؤدِّي إليه من إصلاحٍ وحلٍّ للمُشْكِلْ- وليست في نفسه -، وقد يأتي نافعاً إذا كانت وراءه نيَّةٌ للإصلاح ووُفِّرَت له المقوِّمات والشروط التي تفضي إلى نجاحه، وقد يؤدِّي إلى مزيدٍ من الفشل والإختلاف ويبتعد بالوضع عن الهدف الصحيح له - وهو الإصلاح - لو جاء على خلاف ما يتطلَّبه الحوار الناجح من مقوِّماتٍ وشروط وبأهدافٍ لا تلتقي مع الإصلاح ولا تتجِّه إليه.
ومسألة الحوار يتعلَّق بها عددٌ من الأسئلة:
قبل الحوار، هل هناك اعترافٌ بوجود مُشْكِلٍ جدِّيٍّ يستحقُّ الحوار الجادّ؟ ويُطْلَبُ له الحلُّ الناجح العادل ؟ لكثيراً ما نسمع أنَّ الأوضاع كلّها بخير .
هل سيكون مُخَطَّطُ الحوارِ من هندسة السُّلطة وحدها أو سيكون لها شريكٌ في ذلك من المعارضة ؟
هل سيكون الحوار الذي عُبِّر عنه بأنَّه امتدادٌ للحوار السابق - وهو حوارٌ فاشلٌ وطارد - من طبيعته وبمواصفاته، وعلى حدِّ ما كان عليه حدُّ الحوار السابق ؟
من يختار ممثِّلي الشعبِ في هذا الحوار، والشعب كلُّه معنيٌّ بالمسألة التي تدفع إليه وهي مسألة الشأن العام الذي يعاني الشعب فيه من إقصائه وتغييبه عنه ؟
الحوار بين من ومن ؟ بين طرفين أو أطرافٍ من الشعب أو بين الحكم والشعب ؟ ماذا في يد أطراف الشعب من حلول ؟ وهل من أطراف الشعب آخذٌ حقَّاً من آخر، وآخر مأخوذٌ منه ذلك الحقّ ؛ ليكون الحوار بينهما بشأنه؟ هل طائفةٌ انتهبت حقَّ طائفة ؟ هل فئةٌ من الشعب أخذت حقَّ طائفة ؛ ليكون الحوار بين طائفةٍ آخذة وطائفةٍ مأخوذٌ منها الحقّ ؟
الواقع أنَّ الحكم مُسْتَوْلٍ على حقِّ الشعب، والشعب لا يطالبُ إلَّا الحكمَ بما لُهُ في ذمَّته من حقّ، فلا موضوع للحوار إلَّا ما هو بين الشعب والحكم.
إذا كان أطراف الحوار بتعيينٍ من الحكم، فما هو مقياس التعيين ؟ وبأيِّ وجهٍ يلزم رأيهم الشعب ؟ وما هو المقياس في عدد من يمثِّلُ هذه الجمعيَّة السياسيَّة أو تلك ؟
هناك جمعيَّةٌ جمهورها مئة مواطن، وجمعيَّةٌ أخرى جمهورها عشرات الألوف من المواطنين.
ما موقع مئات الألوف من المواطنين الذين يخرجون في المسيرات الحاشدة المطالبة بالإصلاح كمسيرة التاسع من مارس الماضي من هذا الحوار ؟ هل يبقى رأيهم خارج حسابات الحوار؟ وتجري عليهم نتائجه شأنهم شأن الأغنام ؟
إذا ذهب عشرون طرفاً من أطراف الحوار إلى وجهة نظرٍ مُعَيَّنة وكان جمهور هذه الأطراف أربعين ألف مواطنٍ مثلاً، وذهب عشرة أطرافٍ [4] أخرى إلى وجهة نظرٍ ثانية وكان وراءهم جمهورٌ من مئتي ألف مواطن، فالترجيح لمن [5] ؟
ما هو السقف الزمنيُّ للحوار ؟ ما مدى قدرة نتائجه - لو وُجِدَت - على إقناع الشعب ونيل رضاه ؟ وما هي ضمانات تنفيذ هذه النتائج ؟
والكلمة الأخيرة هنا، هي أنَّ الحوار إذا كان بقصد الخروج من الأزمة التي يعيشها الوطن، وهي الأزمة السياسيَّة التي تضغط على كلِّ أوضاعه وتؤثِّر على كلِّ الأطراف، فلا بُدَّ من حلٍّ تُؤْخَذُ فيه موافقة الشعب ؛ لأنَّه الطرف الثاني الأصل في الصراع، وهو صاحب الحراك، ومنه الشُّهداء، ومنه السُّجناء، ومنه المُعَذَّبون والمَفْصُولون، ومنه الجرحى والمعلولون، وهو الذي قدَّم ما قدَّم، وجماهيره هي التي تعاني من سياسة الإقصاء والتهميش والحرمان.
والجمعيَّات السياسيَّة إنَّما هي جزءٌ من هذا الشعب وليست كلَّ الشعب، ولا تملك أنْ تقرِّر عنه وأنْ تلغي إرادته. فلو قُدِّرَ لأيِّ حوارٍ أنْ ينتهي إلى نتائج مرضيةٍ لأطرافه، فلن تكون لها القدرة على اكتساب التوافق الوطنيّ بالمعنى الصحيح وبالصورة التي تمثِّلُ حلَّاً للأزمة ومخرجاً من المأزق إلَّا بموافقة الشعب.
نتمنَّى أنْ يكون العزم والتخطيط لحوارٍ ناجح، بأنْ يكون مفضياً لنتائج تمثِّلُ حلَّاً عادلاً يُؤْخَذُ فيه رأي الشعب، وينال موافقته، ويأمن به هذا الوطن العزيز، وتُحْفَظُ به مصلحته.
----------------
[1] سماحة الشيخ : - انتهى كلام الوزير -.
[2] سماحة الشيخ : - الشعب لا يريد غير ذلك، الشعب ينادي بالإصلاح وهذا الحدُّ من الإصلاح اليومَ يوافق عليه كثيرٌ من أبناء الشعب -.
[3] سماحة الشيخ : - قد تعدل عشرين صوتاً وأكثر من عشرين صوتاً بلحاظاتٍ منافيةٍ لمقياس المواطنة والمساواة فيها -.
[4] سماحة الشيخ : - هناك عشرون وهنا عشرة أطراف -
[5] سماحة الشيخ : - حتَّى نقرب من الفهم الديموقراطيّ والآخذ بالديموقراطيَّة -.
...............
انتهی/212