وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _ قال «آية الله الشيخ عيسی أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (18/01/2012) في جامع الإمام الصادق (ع) بـ"الدراز" ان السلطة البحرينية موقفها شاذ كل الشذوذ، خارج عن كل السياق الذي سلكته الأنظمة المتعقلة التي شهدت هذا الحراك بمستوياته وسقوفه المختلفة.
وفي ما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله الشيخ عيسی قاسم:
موقف مشكور:
عمدت السياسة في البحرين على تأجيج الروح الطائفية، وإحداث الانقسام الطائفي، والاصطدام الطائفي، خاصةً منذ انطلق الحراك المطلبي الإصلاحي الأخير لنقل الخلاف من صبغته السياسية إلى صبغةٍ طائفية، ومن كونه خلافاً بين الشعب والحكومة في ذات المسألة إلى كونه خلافاً شعبياً بين طائفتين، واستجداءاً لنصرة السلطة من طرفٍ على حساب طرف.
ووجدت أصوات منتفعة تسند هذا التوجه عند السلطة، وتنطلق بما يلهب المشاعر، ويثير مخاوف طرفٍ من طرف، ويعتمد في ذلك الأوهام والتصورات الخيالية وما لا يحتمله الواقع بحالٍ من الأحوال، ويخلق الأضغان ويثير الحفائظ، ويتوسل باللغة المستفزة من سبٍ وشتمٍ وتهديد، ويشعل نار الفتنة الطائفية ويوقدها ما استطاع. ويخدم هذا التوجه الانقسام الطائفي في أكثر من بلدٍ إسلاميٍ وعربي، ويساعد على إنجاحه بما يهدِد هذا الوطن المسكين بالدمار.
وكانت المعارضة هنا ذكية -ولا زالت كذلك-، وكان موقفها مشكوراً ومشرِفاً وحائزاً على كلِ التوفيق -ولا زال كذلك-، حيث وقفت موقفاً عنيداً ضد هذا التوجه ومبدئياً من ناحية الحفاظ على هدف الوحدة الإسلامية والوطنية، ولم تستجب لأيٍ من استفزازات السلطة ولا من جاراها فيما كانوا يستهدفونه من إشعال نار الفتنة، وتحويل مسار الأحداث من المسار السياسي إلى المسار الطائفي، وتفجير الوضع على هذا المسار. وعرت المعارضة كل ما يخدم هذا الهدف الهدام، وحاولت أن تصب ماءاً بارداً على كلِ بادرةٍ وشرارة تكاد تنطلق لحرق هذا الوطن الحيبيب.
ومن جهةٍ أخرى، كان الشارع الذي استهدفت كل تلك المحاولات من السلطة وأتباعها استفزازه ضد المعارضة ونيل تعاطفه مع سياستها ودخوله في معركة مع مسيرات واعتصامات الحراك ومواقع تواجده، -كان ذلك الشارع- أذكى من كلِ جهدٍ بذل في هذا السبيل، وأورع من الدخول مع أخوة الدين والوطن في معركةٍ يخسر فيه الطرفان لمصلحة طرفٍ ثالث يستهدف الإضرار بهما معاً وهو يدرك أن دين الله لا يقبل هذا الانقسام ولا يقبل هذا الاحتراب.
وهو موقف [1] موفق مبارك مشكور، يستحق التقدير من كلِ مراقبٍ منصف.
وانسجاماً مع موقف المعارضة الرافض للدخول في نفق الطائفية البغيض المظلم، حافظت على النأي بهذا الوطن عن التدخل في الصراع الطائفي الذي تثيره الجاهلية وألاعيب السياسة في هذا البلد المسلم والعربي أو ذاك ؛ لتعيش على صراعات الأمة وآلامها ودمائها، وتقدِم خدماتها المخلصة لأعداء الأمة والمتربِصين بها الدوائر.
فلم تأتي من المعارضة –هنا- كلمة واحدة يمكن أن تصب في صالح هدف الفرقة بين المسلمين أو تزج بهذا الوطن في نار فتنة عامة، بل دأبت المعارضة هنا على شجب الانقسام الطائفي في أي بلدٍ من بلدان المسلمين، والمطالبة بسد باب الفتنة.
نسأل الله سبحانه أن يجنِب كل بقعةٍ من بقاع المسلمين شر الانقسامات الجاهلية، وحالة الفرقة والتمزق والتشرذم، وأن يصون وحدة الإسلام والمسلمين، ويقطع يد كل يدٍ سياسيةٍ خائنة تكيد بمصلحة الإسلام والمسلمين، وتزرع في صفوف الأمة بذور الفتنة الطائفية وتشعل نارها خدمةً لمصالحها الدنيوية ومصالح أعداء الأمة.
وعلى هذا الشعب الكريم بكلِ مكوِناته المحبة لخير هذا الوطن وسلامه، المحترمة للوحدة الإسلامية والوطنية، المقدرة لإنسانية الإنسان، أن يأخذ العبرة من أي بلدٍ ابتلِي بالفتنة الطائفية بكيد الجهلة والأعداء والسياسة القذرة فعمه الخوف والوهن والشقاء، ونالت نار الفتنة من كلِ أطرافه ومكوِناته، وألا يستجيب لأصوات الغربان الانتهازية المضحية بمصالح الآخرين -كل الآخرين- وحياتهم وبكل المقدسات والحرمات من أجل بذخها الدنيوي، وترفها المادي، وما تتطلع إليه من المناصب، وما ترنو إليه من المكاسب التي لا تعني إلا لذةً وقتيةً عابرة[2].
أيها الشعب الكريم بكل فئاته وشرائحه و مكوناته، قابل هذه الأصوات البائسة المشؤومة بوعيٍ وقاد، ورفضٍ قوي، وصوتٍ وحدوي، وموقفٍ واحد يجمع على الأمر بالمعروف، ويدعو إلى الإصلاح، وينكر المنكر، ويرفض سياسة الفساد والإفساد[3].
وضع شاذ:
واسع هو الحراك الإصلاحي والتغييري الثوري الذي شاهدته الساحة العربية في السنتين الأخيرتين ولا زال قائما. وكل الأنظمة العربية التي حصل هذا الحراك في أرضها استجابت لمطالبه وأمانيه بدرجةٍ وأخرى، بعضها لأول بادرةٍ له تخفيفاً للخسائر وتوقِياً من المجهول، وبعضها من بعد حين، وبعضها عاند كثيراً ثم أعطى ليناً ولكن بعد فوات الأوان حتى انتهى به الأمر إلى السقوط، وبعضها لا زال يعيش معركةً مصيريةً ضاريةً.
وحتى الأنظمة الجديدة التي أفرزها ما اصطلح عليه بالربيع العربي واجهت معارضةً ويظهر منها كلها أو بعضها أنها لا تريد أن تكرر تجربة الأنظمة التي جاءت هي بديلاً لها بفعل ثورات الشعوب في الأخذ بطريق القوة الباطشة التي تفجر الأوضاع أمامها بما تحذر منه كل الحذر. وبذلك صارت هذه الأنظمة الجديدة تميل إلى التفاهم والحوار، وتقدم من التنازلات ما ترى أنه يمكن لها أن تقدمه.
أما البحرين ففريدة من بين كلِ بلدان الحراك العربي، والسلطة هنا موقفها شاذ كل الشذوذ، خارج عن كل السياق الذي سلكته الأنظمة المتعقلة التي شهدت هذا الحراك بمستوياته وسقوفه المختلفة. هنا مطلب إصلاحي ولا شيء يذكر من الإصلاح، هنا مطالبة سلمية تواجه ببطش القوة، هنا شجب للعنف يقابله عنف عملي ودعوة للعنف.
سنتان من عمر الحراك، ثانيتهما على مشارفة الانتهاء ولا جنوح من السلطة إلى سماع نصحٍ ولا خطوة منها في اتجاه الإصلاح.
وبالنسبة للواقع القائم في العراق:
فإن المرجعية الدينية الرشيدة بوعيها الديني، وبصيرتها العملية، ورشدها وحكمتها، وحسها الإيمانيِ العميق، وشعورها بمسؤليتها الشرعية الثقيلة، وتقديرها لمصلحة الوطن، طرحت الرأي الإصلاحي الناضج الذي يقوم على رؤيةٍ إسلاميةٍ ووطنية.
وكل ما يستهدف هذا الطرح هو نزع فتيل الفتنة التي تهدِد العراق، ومن أجل أن يتوحد العراق بكلِ مكوِناته في الاتجاه الصحيح وعلى الطريق الذي يعطي لكلِ العراقيين الأمن والاستقرار، والتمتع بالحرية، والتمتع بكامل الحقوق.
وهذا هو دائماً موقف المرجعية الرشيدة، وموقف العلماء الأحرار.
• اللهم صلِ وسلم وزد وبارك على محمدٍ وآل محمد، واغفر لنا ولأخواننا المؤمنين والمؤمنات أجمعين، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم.
اللهم لا تؤاخذنا بما كسبت أيدينا، واعف عنا، وعاملنا بكرمك، وانصرنا بنصرك، وأعزنا بعزك، وادمر عنا همزات الشيطان الرجيم.
اللهم ارحم «الحاج حبيب ابن إبراهيم» آخر صريعٍ من صرعى الغاز المسيل للدموع ظلماً، واجعل روحه في السعداء الأخيار والشهداء الأبرار، وارزق كل ذويه وجماهير الشعب الصبر والسلوان، وحقق أمل الجميع في النصر، والعزة، والكرامة، واسترداد الحقوق.
اللهم ارحم شهدائنا وموتانا، وفك أسرانا وسجناءنا، واشف جرحانا ومرضانا، رد غرباءنا في عز وكرامةٍ وأمنٍ وسلام.
----------------[1] سماحة الشيخ : - موقف الشارع الذي أرِيد اسثارته ليواجه أخوته في الدين والوطن، هذا الموقف هو موقف ..-.
[2] سماحة الشيخ : - دعوة هذه الأصوات للفرقة، للشتات، للاحتراب بين أهل الدين الواحد، والوطن الواحد، والمصلحة المشتركة، والمصير الواحد-.
[3] هتاف جموع المصلين: "أخوان سنة وشيعة...هذا الوطن ما انبِيعه".
...............
انتهی/212