وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : ابنا
الخميس

١٠ يناير ٢٠١٣

٨:٣٠:٠٠ م
380668

«آية الله عيسی قاسم» في خطبة صلاة الجمعة:

الحراك لا يمكن أن يتوقف وواحد من رموزها فاقد لحريته

«آية الله الشيخ عيسی أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة: الحراك لا يمكن أن يتوقف وواحد من رموز المعارضة وقادتها أو من سائر أبناء جمهورها الشرفاء مودع في السجن، والمطالبة بالحقوق لا يمكن أن تكف وواحد من هؤلاء كلهم فاقد لحريته.

وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _ قال «آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (11/01/2013) في جامع "الإمام الصادق (ع)" بـ"الدراز" ان الحراك لا يمكن أن يتوقف وواحد من رموز المعارضة وقادتها أو من سائر أبناء جمهورها الشرفاء مودع في السجن، والمطالبة بالحقوق لا يمكن أن تكف وواحد من هؤلاء كلهم فاقد لحريته، إذ كيف تنتهي المطالبة بالحقوق وهؤلاء الأعزاء في السجون فاقدون لحريتهم ومطلب الحرية في مقدمة المطالب وحق الحرية أول الحقوق؟

وفي ما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله الشيخ عيسی قاسم:

النُبُوَّةُ الخَاتِمَة:

بِنُبُوَّة مُحَمَّد ابن عبد الله –صلَّى الله عليه وآله- اخْتُتِمَت النبوَّات الصادقة، وبرسالته اخْتُتِمَت الرسالات السماويَّة، وبآخر كلمةٍ تنزَّلت عليه من كلمات الوحي الإلهيّ انقطع الوحي، وبالكتاب الكريم الذي أتحفت به الألطاف الإلهيَّةُ البشريَّةَ عن طريقه تمَّت الكتب المنزَّلة لهداية الناس، ولم يبقَ للأرض من بعد ذلك إلَّا الإمامة المعصومة على مستوى العلم والعمل التي تمثِّل الضمانة الوحيدة لاستيعاب علم الكتاب والسنَّة وحفظه، والذي ما ضاع منه شيءٌ إلَّا وافتقر إليه الإنسان، والحركة الرشيدة في الأرض، واستقامة أوضاع الحياة، وانشداد التاريخ إلى هدايات السماء، والغاية التي من أجلها خُلِقَ الناس.

رسالة الإسلام، والكتاب الكريم، وشخصيَّة الرسول –صلَّى الله عليه وآله- الساطعة المشعَّة، وجهاده المستميت، وكفاحه الدؤوب، وحكمته العالية، ودوره الكبيرُ الصبورُ الرائع ُالمعجزُ في التبليغ والدعوة والتربية، كلُّ ذلك أحدث انقلاباً هائلاً داخل الإنسان، وزلزالاً عنيفاً في حياة الجاهليَّة، وطوى صفحةً سوداءَ قاتمة وحقبةً مقيتةً شديدة الظلام من تاريخ الأرض، وفتح صفحةً مشرقةً مضيئة وأعطى للإنسان حياةً جديدةً راقية على مستوى إنسانيَّته في كلِّ أبعادها الكريمة وأوضاع خارجه وارتقى به مرتقىً عظيماً وأبلغه قِمَّةً شاهقةً في الفكر والشعور والعمل على خطِّ الرؤيةِ الكونيَّة الحقَّة الواضحة والكمال المفتوح والهدف الأسمى للحياة.

وكان كلُّ ذلك مُعَرَّضاً للضياع بعد رحيله إلى جوار ربِّه الكريم، لو لَمْ تتوفَّر الضمانة لفهم الكتاب والسنَّة الفهمَ الصحيحَ المعصومَ الذي يمثِّل حجَّةً قاطعة، وهدىً تامَّاً ومرجعاً لا يُخْتَلَفُ عليه ولا يُعَارَضُ بالأفهام الاجتهاديَّة التي تخطىءُ وتصيب، وتقتربُ وتبتعدُ من المراد، ولو لَمْ تُوْجَد الشخصيَّة المُؤهَّلة لقيادة المسيرة بما لا يترك فراغاً هائلاً في غياب الشخصيَّة الأولى مرتبةً في الإسلام، وينزل بالدِّين من أفقه البعيد في رؤيته وغايته وهداه وأخلاقه ومنهجه إلى رؤىً أرضيَّةً متضاربة، وغايات شخصيَّةٍ متعارضة، وضبابيَّة فكرٍ وشعور، وأخلاقٍ مريضة، ومنهجٍ مضطرب.

السِيَاسَةُ المُشْكِل:

السياسة التي تحكم بلداً يصرُّ على الإيمان وتصرُّ من جانبها على ألَّا تبقى للدِّين فيه كلمة، لا بُدَّ أنْ تخلقَ مشكلةً عميقةً بينها وبين واقع البلد.

والسياسة التي تحكم شعباً يعتزُّ بحريَّته ولا يرضى أنْ يعيش مُسْتَرَقَّاً وهي تصرُّ على ألَّا تبقيَ مُتَنَفَّسَاً للحريَّة لهذا الشعب وتصرُّ على استعباده، لا بُدَّ أنْ تحدثَ صراعاً دائماً مع هذا الشعب.

والسياسية التي تصرُّ على أنْ تستأثر بكلِّ شيءٍ من دنيا الناس وتضايقهم حتَّى في اللقمة وما تضطرُّهم إليه ضرورات الحياة، لا بُدَّ أنْ تدخلَ في صراعٍ مستمرٍّ مع من تحكم.

والسياسية التي تجابه شكوى الظلم من شعبٍ تحكمه بالعنف والقسوة والقوَّة المفرطة، لا بُدَّ أنْ تكون الفاصلةُ بينها وبين الشعب واسعة، وتعمِّق الإحساس بالغبن والجور في ضمير الشعب.

والسياسة التي تهين إنسانيَّة الإنسان وتعتدي على شرف المرأة لا يمكن أن يصدِّق بشعاراتها الرنَّانة في المجال رجلٌ ولا مرأة.

السياسة التي تُخلف وعدها المرَّة بعد المرَّة، لا بُدَّ أنْ تُسقط الثقة بها في نفس الشعب ولا يُؤخَذَ بشيءٍ من وعودها.

- فهل تدرك السياسة كلُّ هذا وتتعمَّدُه؟

أنْ تجهلهُ غرابته ُ شديدة، وأنْ تتعمَّدهُ غرابتهُ أشدّ ؛ لأنَّهُ لا يضرُّ بالشعب وحده، ضرره بالغٌ بالشعب وبها وبالأرض التي تقيمُ حكمها عليها.

سياسةٌ من هذا النوع وهذا قصدها، محرقةٌ لكلِّ شيء، وشقاءٌ دائمٌ لكلِّ الأطراف.

- ما الحلّ؟ ماذا ينهي صراعاً يقومُ على هذه الخلفيَّة الصعبة، على هذه المفارقة الشاسعة؟

• هناك صورةٌ للحلِّ تنقذ الجميع، وتؤتي ثماراً طيِّبةً فضلاً عن إنهائها للصراع المرير، ذلك أنْ تعدل السياسةُ كُليَّاً عن خطِّها المعادي للشعب، وتعترف به، وتستند إليه، وتكونَ إرادتها من إرادته، وهمُّها تحقيقُ مصالحه.

وكم من سياسةٍ في الدنيا اليوم مستعدَّةٌ أنْ تفعل ذلك؟

لكن لإنْ ندر هذا الاستعداد حتَّى كاد يُلْحَقَ بالعدم، فإنَّ مسافة التباعد بين الحكومات والشعوب تتفاوتُ بتفاوتِ الحكومات.

• وصورةٌ أخرى تنهي الصراع، ولكنَّها تتراجعُ بالمجتمع والوطن إلى غابر التاريخِ الأسود بل إلى مستوى حياة الحيوان، وذلك بأنْ يتنازل الشعب عن حريَّته وكرامته وكلِّ حقوقه حتَّى اللقمة، ويسلِّم أمر التصرُّفِ في النفسِ والمالِ والحاضرِ والمصيرِ إلى جهةٍ واحدةٍ مُعَيَّنَة اسمها السُّلطة [1].

بهذا الإقرارِ لا يبقى موضوعٌ للصراع ؛ لأنَّ الميِّتَ لا يُصارِع، ولا يملك لساناً يُطالبُ به عن شيءٍ اسمهُ حق، بل إنَّه لا يدرك أنَّ له حقَّا.

لَا فَصْلَ بَيْنَ أَمْرَيْن:

لا فصل اليوم ولا غداً بين الحراك الشعبي وبقاء الرموز من قادة المعارضة وغيرهم من السجناء السياسيِّين المشاركين في هذا الحراك بَالِغَ ما بَلَغُوا في سجونهم.

السجون لنْ تفرغَ ما دام الحراكُ والمطالبة بالحقوق قائمة، فما من سببٍ للسجن إلَّا هذه المطالبة التي يُرَادُ لها من قبل السُّلطة أنْ تختفيَ ولا يتفوَّه بها فم.

والحراك لا يمكن أنْ يتوقَّف وواحدٌ من رموز المعارضة وقادتها أو من سائر أبناء جمهورها الشرفاء مُوْدَعٌ في السجن، والمطالبة بالحقوق لا يمكن أنْ تكفَّ وواحدٌ من هؤلاء كلِّهم فاقدٌ لحريَّته، إذْ كيف تنتهي المطالبة بالحقوق وهؤلاء الأعزَّاءُ في السجون فاقدونَ لحريَّتهم ومطلبُ الحريَّة في مقدِّمة المطالب وحقُّ الحريَّة أوَّلُ الحقوق [2]؟

ويوم يُعْتَرَفُ للشعب بحقوقه لا بُدَّ أنْ تَخْلُوَ السجون من نزلائها الأحرارِ الشرفاءِ الذين ما سُلِبَت حريَّتهم إلَّا لاعتزازهم بها وبحريَّة الشعب، وإصرارهم عليها وعلى حريَّته.

وبقاء حقوق الشعب مهدورةً يعني بقاء السجون مملوءةً من أحرارهِ تعبيراً صارخاً عن هذا الهدر، وامتهان كرامة الإنسان، ومحق حريَّته. وخروج سجناء الرأي لا يُدْفّع ثمناً للتنازل عن سائر حقوق الشعب، فإنَّه الشيء الذي لا يرضاهُ السجناء ولا يرضاهُ معهم الشعب -هذا من جهة-، ومن جهةٍ أخرى لا يمكن أنْ يَصْدُقَ أنَّ الشعب استردَّ حقوقه والسجون تمتلىء ببنيه وبناته أو أنَّ واحداً من أبناء الشعب يرزحُ تحت وطأة العبوديَّة [3]، وستظلُّ المطالبةُ بالحقوق وتفريغِ السجون من أبناء الشعب الأحرار مَشْغَلَةَ هذا الشعب حتَّى يتمَّ استنقاذ الحقوقِ واسترجاعُ السجناء لحريَّتهم المسلوبة.

أمَّا ما يأتي من تصريحات الدول والمُنَظَّمَات الحقوقيَّة في مناسباتٍ مُتَعَدِّدَة من كلماتٍ تدين تصرُّف السُّلطة والأحكام الجائرة في حقِّ رموز الشعب وسجناء الرأي والتلاعبَ بقضيَّة حقوق الإنسان وإدارة الظهر لمسألة الإصلاح، فكلُّ ما تعنيه أنَّ الجهات المحايدة وحتَّى عدداً من الدول الصديقة للسُّلطة يجبرها الوضع الظالم الذي يعاني منه الشعب والمعاملة القاسية التي يُوَاجَهُ بها من السُّلطة على إدانتها ومطالبتها إعلاميَّاً بالإصلاح، من دون أنْ يمثِّل ذلك مقدِّمةً منتجةً للحلّ إمَّا لأنَّ الجهة المُدينة والمطالبة للسُّلطة بالإصلاح لا تملك أكثر من ضغط الكلمة، أو لأنَّ لها موقفاً عمليَّاً من القضيَّة على خلاف مقتضى الحقِّ ومصلحة الشعبِ تُمليه مصلحتها الماديَّة الخاصَّة.

أَكْثَرُ مِنْ قَانُون:

في ظِلِّ الواقع القائم في هذا البلد، وحتَّى يَصدُقَ أنَّ الوطن وطن القانون تدعو الحاجة إلى أكثر من قانون وقانونين في الموضوع الواحد، في الزمان الواحد، في الوطن الواحد، في القضاء الواحد، ويمكن أنْ يكونَ المبرِّرُ لذلك تفاوُتَ الطبقات وتفاوُتَ الانتماءات ودرجات الولاءِ حتَّى صدق النيَّة.

لا بُدَّ من قانونٍ يقول بأنَّ مُشارَكةً في مسيرةٍ أو اعتصامٍ احتجاجيٍّ سلميٍّ تستوجب السجن لعشر سنوات، وأنَّ الدعوة للمطالبة بالحقوق بالأساليب السلميَّة تصدُرُ من قياداتٍ للمعارضةِ عُقوبتها السجن المُؤَبَّد، أمَّا القتلُ تحتَ التعذيبِ فأقصى عقوبةٍ لهُ السجنُ لسبعِ سنينَ في نظر قانونٍ آخر-نحتاجُ إلى هذين القانونَيْن ؛ حتَّى تُفْهَمَ فلسفة ُهذه الأحكام-.

ولا بُدَّ من قانونٍ يقول بأنَّ شُبهة القتل أو ادِّعاء القتل قاضيةٌ بإعدام المشتبه فيهِ أو المُدَّعى عليه، وقانونٌ آخر يقولُ بإطلاق سراح المُشْتَبَهِ فيه أو من ثبتت إدانتهُ من لجنة تقصِّي الحقائق ولا بُدَّ من تمتُّعهِ بحريَّته وأنَّ المُتَّهَمَ بريءٌ حتَّى تثبُتَ إدانتُه وأنَّ عاقبةَ هذا المُشْتَبَهِ أو المتورِّطِ لا بُدَّ أنْ تكونَ البراءة.

صحيحٌ أنَّنا تضمُّنا جميعاً أرضٌ واحدة، وزمانٌ واحد، والسُّلطة واحدة، ولكن بما أنَّنا طبقاتٌ تتفاوَتُ شأناً وقيمةً وإنسانيَّة فلا يصحُّ أنْ يحكمُنا في الموضوع الواحد، في القضيَّة الواحدة، وفي الحقوق والواجبات قانونٌ واحد، فالحقُّ كلَّ الحقّ أنْ تتعدَّدَ القوانين التي تحكُمُنا رغم وحدة المكان والزمان والسُّلطة والموضوع الذي تقضي فيه هذه القوانين.

نعم، بعد أنْ صُنِّفْنَا طبقات لا بُدَّ أنْ تتعدَّدَ القوانينُ التي تحكُمُنا [4].