مفهوم "نهاية العالم" ضرب من الزيف وتشويه للفكر المايوي. الموضوع يتعلق بالتجدُد، أي ببداية حقبة جديدة. فبالنسبة إلى المايويين، يدل 21 كانون الأول/ديسمبر 2012 إلى بداية دورة جديدة طويلة.
لكن القصص والتعليقات المرتبطة ﺑ نهاية العالم تملأ الصحف الشعبية. وبينما يدحض الإعلام الغربي النبوءة المايوية، يلعب السرد القيامي – عندما يتم تكراره بشكل يبعث على الغثيان – دورَه في الإلهاء والتشويه.
يؤكد استفتاء قامت به "رويترز-إسبوس" الإثنين الماضي أن 10% من سكان العالم يؤمنون أن: "التقويم المايوي، الذي يقول البعض إنه ينتهي في 2012، يشير إلى نهاية العالم".
من باب المفارقة، وبتعارض حاد مع نبوءة "التجدُد" المايوية، يتميز العالم الحقيقي الذي نعيش فيه في مطلع القرن الواحد والعشرين بأزمة اقتصادية واجتماعية تُفقر الملايين من البشر وتعمل، بالمعنى الحرفي للكلمة، على تدمير حياة الناس.
بالمعنى المجازي، نعيش الآن وسط "سيناريو قيامي" متكشف ذي طبيعة سياسية واجتماعية واقتصادية معقدة: إنه صناعة إنسانية، وقد "صُنع في أمريكا"؛ إنه نتاج تصَدُع النظام القضائي، وظهور جهاز "الأمن الوطني"، والعبث بتنظيم الأسواق المالية، وإساءة إدارة الاقتصاد الحقيقي.
ترتبط هذه النقلات الأساسية في النسيج المؤسساتي والاجتماعي الأمريكي بأجندة عسكرية كونية واسعة النطاق وسياسة خارجية أمريكية انتهازية وأنانية. وتشير هذه الأخيرة، برعاية وزيرة الخارجية الأمريكية «هيلاري كلينتون» إلى انهيار محتمل لأقنية الدبلوماسية الدولية.
"الحرب" و "الأزمة الاقتصادية" شيئان متلازمان. فبينما يعاني الاقتصاد الكوني من الفوضى، التي تتميز بانهيار النظام الإنتاجي، شرعت الولايات المتحدة وحلفاؤها – بما في ذلك الناتو وإسرائيل – في مغامرة عسكرية، "حرب طويلة" تحت قناع "الحرب الكونية على الإرهاب".
إن التصميم العسكري الكوني للبنتاغون مبني على الغزو العالمي. إذ يتم نشر القوات الأمريكية وقوات الناتو العسكرية في عدة مناطق من العالم بشكل متزامن. وتركز ألعاب البنتاغون الحربية على محاكاة سيناريوهات "الحرب العالمية الثالثة". وتهدد أجندة "نهاية العالم" العسكرية هذه مستقبلَ البشرية.
التضليل الإعلامي
بينما يتجه انتباه العالم إلى "القيامة المايوية" لا تحظى "الأزمة الفعلية" التي تؤثر على البشرية بأي نقاش جدي. إذ إن "حربَ (البنتاغون) الطويلة" التي تترافق مع سيناريو قذر للإفقار الكوني والانهيار الاقتصادي لا تحتل أي حَيز على الصفحات الإخبارية الأولى.
تلعب وسائل الإعلام الرسمية دوراً مركزياً في إضفاء الشرعية على أجندة عسكرية مدمرة. حيث يتم بشكل روتيني، تصوير ترسانة أسلحة الولايات المتحدة والناتو والانتشار العسكري في كافة مناطق العالم على أنها أدوات لحفظ السلام.
ويقال إن الجيلَ الجديد من الأسلحة النووية التكتيكية الأمريكية "لايؤذي السكانَ المدنيين المحيطين بالمكان الذي يتعرض للقصف". كما يتم تصوير الحرب النووية الاستباقية، والتي تشكل سيناريوهاً قيامياً بطبيعتها، بصفتها "مهمة إنسانية".
إن الحملة الإعلامية التي تضفي الشرعية على الحرب في أعين الرأي العام تحتل أهمية بالغة في فهم الحرب.
هناك هيمنة للتفريق الحاد بين الخير والشر. يتم تقديم صانعي الحروب بصفتهم ضحايا.
تبعاً للإعلام الغربي، تعرضت "منطقة الأطلسي" الناتو-أمريكية للهجوم من قبل "قوة أجنبية" (أفغانستان) في 11 أيلول/سبتمبر 2001، وهو افتراض في منتهى العبثية.
تم تقديم عقيدة الناتو حول الأمن الجماعي – المبنية على مفهوم "الدفاع عن النفس" – من قبل هيئة الأطلسي صبيحة يوم 12 أيلول/سبتمبر 2001 بمثابة تبرير لغزو أفغانستان استناداً إلى الزعم القائل إن أفغانستان قد هاجمت أمريكا.
ومع ذلك تقف وسائل الإعلام خرساء: ليس هناك أي تحليل, وليس هناك أي نقاش. هكذا يتم تضليل الرأي العام.
إن تحطيم "الكذبة الكبرى"، التي تنظر إلى الحرب بصفتها مهمة إنسانية، يعني تحطيمَ الجهاز الدعائي الذي يدعم مشروعاً إجرامياً يسعى إلى الدمار الكوني.
لا تكتفي الدعاية الحربية بتوفير الدعم لأجندة عسكرية دافعها الربح، بل تخلق في الوعي الداخلي لملايين الناس قبولاً للحرب بصفتها مشروعاً اجتماعياً. إذ تعمل، بالمعنى الحرفي، على استئصال قيم إنسانية أساسية مثل السلام والتعاطف والعدالة الاجتماعية من التركيبة الذهنية الإنسانية. فهي تحول البشر إلى أشباح غير واعية.
إن الإعلام الرسمي متورط في أعمال التمويه. حيث يتم تَتفيه، أو تجاهل، الآثار المدمرة للحرب النووية. وعلى هذه الخلفية، يجب على كافة الناس، في الغرب والعالم أجمع، أن يفهموا خطورة الوضع الحالي ويعملوا بقوة على كافة أصعدة المجتمع لمنع وقوع الحرب.
استخدام الأموال الضريبية لشن الحروب وقتل البشر
الاقتصاد الحربي مزدهر. سوف تُباع طائرات "إف 35" المقاتلة, كل قطعة مقابل نصف مليار دولار. ولا يشمل هذا السعر 300 ملايين دولاراً أخرى مقابل صيانة وتأهيل هذه المقاتلات الحربية الحديثة. تشتري كندا والنرويج أعداداً كبيرة من هذه المقاتلات على حساب البرامج الاجتماعية. " تُقَدَر الكلفة الكلية للبرنامج على الجيش الأمريكي ﺑ 1.51 تريليون على مدى مايسمى دورة حياة البرنامج, أي 618 مليون دولاراً لكل طائرة".
تدمير الحضارة: بلاد الرافدين ووادي السند
كانت حروب أمريكا في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى تهدف, بشكل كبير، إلى زعزعة وتدمير منطقة بأكملها يعتبرها المؤرخون مهدَ الحضارة.
إن الحروب "القيامية" على العراق ومؤخراً على سوريا جزء حيوي من تدمير بلاد الرافدين، "بلاد مابين النهرين".
لقد تم محو أكثر من 5000 سنة من التاريخ في العراق. ففي بداية الاحتلال في نيسان/أبريل 2003، قام الغزاة بنهب الإرث الآركيولوجي والثقافي.
إن الهجمات التي تشنها أمريكا بواسطة طائرات بلا طيارين ضد المدنيين في باكستان تحت ذريعة "الحرب الكونية على الإرهاب" تحدث في وادي السند الأعلى، وهو مهد آخر للحضارة القديمة التي تعود إلى "العصر البرونزي" (الألفية الثالثة قبل الميلاد) والتي تتعرض للتدمير في الوقت الراهن. وقد بدأت "حضارة وادي السند" – والمعروفة أيضاً ﺑ "حضارة هارابان" التي بدأت في الألفية الثالثة قبل الميلاد (3300 – 1300 قبل الميلاد). بالإضافة إلى "وادي النيل" و "بلاد الرافدين"، كان "وادي السند" واحداً من حضارات الأنهار المدنية.
"غلوبل ريسيرتش"- بروفسور «ميشيل تشوسودوفسكي»- ترجمة: «مالك سلمان»
...............
انتهی/212