وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا _ قال «آية الله الشيخ عيسی أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (21/12/2012) في جامع "الإمام الصادق (ع)" بـ"الدراز" ان "الصوت المطالب بالحقِ والتغيير والإصلاح والحرية لم يصمت، لم يخفت، لم يتوارى، لم يتراجع، لم يخف، وأن كلما زاد البطش والتنكيل والقسوة في وجهه زاد ارتفاعاً واتسع دائرةً وعظم إصراراً وعنادا".
وفي ما يلي نص الخطبة الثانية لسماحة آية الله عيسی قاسم:
البحرين بخير:
هكذا يقول فريقان متقابلان في البحرين وكل يقول هذا من وجهة نظره ومن الزاوية التي تتوافق مع توجهه وما يريد، فريق من الحكومة والموالاة يقول: آلت الأمور إلى خير، وذهب السوء، وتقشَّعت المشكلة.
لماذا؟هل لأن البلد خرجت من أزمتها بلا رجعة؟ لأن الوضع قد تصحح؟ لأن الظلم تبدل عدلا؟ لأن الفساد انقلب إلى صلاح؟ لأن الأمور سوِيت بين الحكومة والمعارضة بما يعطي للوطن فرصةً الاستقرار والانتعاش؟ لأن الدستور محل النِزاع قد حسم أمره بما نال موافقة الشعب؟ لأن الناس قد تمت لهم القناعة بالعدل المثاليّ للحكومة؟ لأن كل الملفات محل الصراع انتهى أمرها إلى الأخذ بالحقِ والعدل ؛ فانتهى بذلك كل خلاف؟
لا شيء من ذلك على الإطلاق كما تنطق الأرض ويشهد الواقع، إذاً لماذا؟ لا يدرى، لا نجد من واقعٍ إلا أن السجون قد امتلأت، والإجراءات المتشددة في استمرار إن لم تكن في تصاعد، وعدد الشهداء قد ارتفع، ولا واحد من الملفات التي تقف وراء الأزمة وتفاقمها قد حل، وقد جد سحب جنسيات لعدد من المواطنين، وزاد التضييق على الشعائر الدينية وحرية التعبير، واستدعي عدد كبير من العلماء وخطباء المنبر الحسيني، وكل ذلك زاد من السخط العام ووسع الهوة بين طرفي الصراع في ساحة الوطن.
قد يقول البعض: لا بأس بكلِ ذلك إذا أعطى النتيجة المطلوبة وأوصل إلى الغاية المهمة. وما هي؟ هي أن تصمت الدعوة إلى التغيير والإصلاح، أن تندحر المعارضة، أن يسكت الناس على الظلم، أن يبقى ما كان على ما كان، أن يقهر صوت الحرية، أن لا يطالب أحد بحق، أن يصبر الناس على التهميش والحرمان والتمييز ولو عن قهر وتحت ضغطٍ عال [1].
والجواب أن الصوت المطالب بالحقِ والتغيير والإصلاح والحرية لم يصمت، لم يخفت، لم يتوارى، لم يتراجع، لم يخف، وأن كلما زاد البطش والتنكيل والقسوة في وجهه زاد ارتفاعاً واتسع دائرةً وعظم إصراراً وعنادا.
فنتيجة الإذعان للفساد والتراجع عن المطالبة بالحقوق تحت طائلة سياسة التعذيب والعنف والإرهاب والتنكيل والتي يراها هذا الرأي خيراً على سوئها ومنافاتها للدين والحقِ والعدل ومصلحة الوطن ومسار التقدم، لا وجود لها على الأرض ويستحيل على هذا الشعب التراجع عن مطالبه العادلة أو التهاون فيها في ظلِّ وعيه وعزمه وتصميمه ومعاناته ومكابدته، فتبقى هذه النتيجة وهماً في ذهن من يذهب إليها الآن وبعد الآن وعلى طول المدى.
وما الوجه للقول الآخر والذي يرى أن البحرين بخير؟
المعارضة تدرك جيِداً أن الأزمة قائمة، وأن الوضع متعب، والوطن متضرِر، والخسائر متلاحقة، وكل ذلك مؤلم لمن له غيرة دينية وإنسانية ووطنية ويحمل تقديراً للإنسان والثروة ولقيمة الأمن الاستقرار.
ولكن برغم كلِ ذلك البحرين بخير؛ بلحاظ ما عليه إنسانها اليوم من التهاب وعي، ويقظة ضمير، وفهم دين، وصحة رؤية، ومتانة انتماءٍ للإسلام، وتمسك بالحرية، وإيمان بالتغيير والإصلاح، وسلامة نية، وحب للخير، وحرصٍ على الأخوة الإسلامية والوطنية، واحترام لإنسانية الإنسان، وعزم وتصميم وروح عطاء وفداء بلا تهور، ولا غرور، ولا سفه، ولا عدوانيَة، ولا شهوة انتقام، ولا ميل للعنف والإرهاب وحالات الانفلات البعيد عن قيم الدين وعن العقل والحكمة والرشد والنظر البعيد [2].
وهذا النمط من الإنسان والنموذج من الشخصية مفتاح لكلِ خير، ومنطلق للآمال الكبيرة الحميدة والرجاء الطيِب العريق. إن هذا الإنسان هو ثروة كلِ وطنٍ يطمح للرقيِ والمجد والعدل والرفاه. إنه المقدمة -هذا الإنسان- الأهم في بناء الأوطان المجيدة، وإن وطناً يجد هذا الإنسان لهو وطن مجيد صاعد وكل أوضاعه إلى تصحيح بإذن الله.
ثم إن الوطن بلا إصلاحٍ يعني أن مشكلته بلا حل، الشعب يدرك ذلك، الخارج يدرك ذلك، الحكومة نفسها تدرك ذلك، إذاً هل تنتظر السلطة أن تتغير المعادلة مما يعفيها من الإصلاح؟
أوَّلاً:الإصلاح ضروري في ظلِ أي معادلة جديدة فرِضت إلا أن يراد شر الوطن وخسارته، ثم إن على الحكومة ألا تنتظر من إنسان هذا الوطن أن يتنازل عن حريته وحقوقه وكرامته وأي شيء من دينه أو ينسى ما تتطلبه مصلحة وطنه التي لا انحفاظ لها من دون إصلاحٍ وإصلاحٍ جدي وصادق.
ولو أن أي حكوم استهدفت من مواطنيها ذلك [3] لم تكن حكومة أسوأ نيةً ولا أشر منها.
فما على الحكومات من وظيفة إنَما هي وظيفة البناء لا الهدم، والإعمار لا التخريب، والإصلاح لا الإفساد، فإذا خرجت حكومة عن وظائفها إلى العكس فقدت اعتبارها تماماً ولم تبق لها شرعية سماوية ولا أرضية في نظر عاقل.
كل من الإعراض عن الإصلاح وتسويفه لا ترتكبه سلطة تريد خيراً لوطنها.
وهناك أمر يتصل بشأن هذا البلد المسلم، ينبغي أن يسر له المسلمون في كلِ مكان [4] وهو أنَّه هنا تفتح مراقص وتهدمُ مساجد ويحارب ساعون إليها لذكر الله وتمنع الصلوات!!
لن ينساك شعبك:
رحمك اللهُ «أبا جميل»، وجزاك عن الإسلام وأهله وعن هذه الأرض المؤمنة جزاء المحسنين.
هنا أبا جميلٍ شعب لا ينساك، ومعاناته تزيده ذكراً جميلاً لك، وإحساساً عميقاً بالحاجة إلى دورك.
شعب يحبِك ويكبرك، وتزيده المحنة حباً وإكباراً لك بما تثيره من ذكر وفائك، وإخلاصك، وتضحيتك، وجهادك، وصمودك، وبسالتك.
شعب يستلهم الدروس المربية منك، ويرى في كلِ يومٍ من أيام ذكراك حافزاً يدفع به على طريق المطالبة بالإصلاح والحرية والكرامة، واختيار تقرير المصير في أسلوبٍ حضاري سلمي لا يشذُّ في شيءٍ عن مقررات الشريعة وضوابط الدين الإسلامي القويم.
شعب سيبقى وفياً مخلصاً كما كنت، وكما أحببت له، وكما دعاه الدين لربِه ودينه وشعائر دينه ولوطنه بإنسانه وأرضه، أميناً على ثروة بلاده، غير مفرِط في المطالبة بحقوقه، غير متوان عن استرداد حريته وكرامته.
كنت معلماً لهذا الشعب، وستبقى معلِّماً له، وسيبقى ذاكراً لك الجميل.
-------------
[1] هتاف جموع المصلين: "هيهات منا الذلة".
[2] سماحة الشيخ: -هذا إنسان راق، إنسان نموذجي، إنسان يمثِل رأس الثروة كل الثروة -.
[3] سماحة الشيخ: - أن ينسوا كرامتهم، حريتهم، دينهم، مصلحة وطنهم-.
[4] سماحة الشيخ: - فتحت شهيتك، لكن الأمر يتجه إلى العكس-.
...............
انتهی/212