ابنا: قال «آية الله عيسی أحمد قاسم» في خطبة صلاة الجمعة اليوم (14/12/2012) في جامع "الإمام الصادق (ع)" بـ"الدراز" الجانب السياسي- بعنوان "ما هو المسار؟ وما هي الغاية؟" إن "لشعب البحرين مسار واضح وغاية واضحة، أنه لابد من تغيير ولابد من إصلاح، وقد عبرت الجمعيات السياسية المعارضة عن سقف الاصلاح الذي تطلبه واعتمادها الاسلوب السلمي، ونبذها للعنف كما عبرت عن ذلك وثيقتا المنامة واللاعنف".
وفي ما يلي نص هذا الخطبة:
ماهو المسار؟ ما هي الغاية؟:
لشعب البحرين مسارٌ واضح وغايةٌ واضحة، وأنَّه لا بدَّ من تغيير، لا بدَّ من إصلاح، وقد عبَّرت الجمعيَّات السياسيَّة المعارضة عن سقف الإصلاح التي ترى ضرورته ملتزمةً بالأسلوب السلميّ ونبذ العنف ورفضه من كلِّ الأطراف و ذلك في وثيقتين: وثيقة المنامة، ووثيقة اللا عنف.
ولا مطالب أخفض سقفاً في كلِّ التحرُّك العربيّ ممَّا طالبت به الجمعيَّات السياسيَّة في البحرين ووثيقة المنامة، ولا التزام بالسلميَّة في كلِّ هذا الحراك كالتزامه من الحراك في البحرين، ولا تشديد على السلميَّة في مكانٍ كالتشديد عليها من العلماء والجمعيَّات السياسيَّة ورموزٍ سياسيَّةٍ كثيرةٍ في البحرين.
ثمَّ لا حكومة أكثر تشدُّداً وتصلُّباً في مواجهة المطالب العادلة وتنكيلاً بالمطالبين السلميِّين بها في كلِّ الساحة العربيَّة التي شهدت حراكاً شعبيَّاً متواصلاً من حكومة البحرين -هذا لحدِّ الآن-.
وماذا عن المسار الذي تختاره الحكومة؟ والغاية التي تختارها الحكومة؟ ومنتهى الأزمةِ الذي تختاره الحكومة للمستقبل؟
الإصلاح القريب له إشاراته [1] والمبشِّرات الدَّالة عليه ولا شيء من ذلك وما على الأرض أقرب إلى العكس.
الإصلاح المُؤَجَّل و بعد أمدٍ بعيد وهذا في حكم العدم [2] وفيه فتح الباب لعنف الدولة على مصراعيه وما ينتجه هذا العنف من مخاطر على الوطن كلِّه، وما يتسبَّب إليه من تحطيم كلِّ الجسور، وما يفرزه من أحقاد، ويحدثه من دمار، ويسدُّ الطريق إليه [3].
ماهو الحلّ؟
ما هو فيه رحمةٌ بالوطن، ما هو مقتضى العقل، ما يلزم به العدل، ما يحتِّمه الحقّ، ما تضطَّر إليه مصلحة البلد هو الإصلاح القريب جدَّاً و الجدِّيُّ جدَّاً و الصادق جدَّاً و الأساسيُّ جدَّا، فإنْ يكن ذلك فهو خير وإنْ لم يكن فإنَّ الحكومة تكون قد فرَّطت في أمانة هذا الوطن حتَّى النهاية.
إنَّ على السُّلطة أنْ تؤسِّس لعلاقةٍ جديدةٍ مع الشعب تنطلق من نظرةٍ جديدةٍ لقيمته العالية وموقعه الأساسيّ في العمليَّة السياسيَّة، نظرةٍ تنسجم مع رأي الدين وكرامة الإنسان وتعترف بحقِّ الشعوب وتقبل بأنَّ الشعب أولى منها في اختيار مسار حياته وتحديد مصيره وأنَّه الأصل والأساس في العلاقة السياسيَّة بين الطرفين وهذا ما عليه واقع هذه العلاقة في كلِّ البلدان المتقدِّمة وما تتجِّهُ إليه الحياة السياسيَّة بصورةٍ عامَّة في هذا العصر.
نظرة أنَّ الأرض والشعب ملكٌ لسلطةٍ تفرض نفسها عليه بالقوَّة والبطش وأنَّ لها أنْ تتصرَّف في الثروة و الإنسان خارج إرداته و كما تهوى وترى فيه مصلحتها، نظرةٌ بالية ولا يمكن أنْ يُعْتَرَفُ بها اليوم في أيِّ بقعةٍ من الأرض ولا من أيِّ شعبٍ من الشعوب أو يستسلم لها الزمن.
إنَّ بقاء البحرين بلا إصلاح، وبقاء شعبها معزولاً عن النظر في أمر نفسه وتقرير مصيره بلا اعتبارٍ لرأيه مع تجريمه لمطالبته بحقوقه، يجعلها -يجعل البحرين- وجوداً شاذَّاً في هذا العالم و كأنَّها ليست من دول هذا العصر وأنَّها تعيش زمناً غير هذا الزمن.
وعندما يقرِّرُ شعبٌ أنَّه لا يريد حرباً و لا عنفاً و لا إرهابا، و يقرِّر مع ذلك أنَّه إمَّا أنْ يحيا عزيزاً أو يموت عزيزا ولا يبخل بحياته على عزَّتهِ لا يأتيه لوم و لا يلحقه نقدٌ ولا تأثيم و لا يلويه عن هدفه شيء و لا يُمْنَى بهزيمة [4].
وقرار هذا الشعب أنْ ينأى بنفسه عن طريق الإرهاب وألَّا يأخذ بأسلوب العنف و أنْ يطالب بحقوقه ما دام حيَّا، و يصرَّ على الإصلاح الجادِّ الحقيقيّ متقيِّداً بدينه و بصورةٍ سلميَّةٍ و حضاريَّةٍ راقية.
هذا الشعب مصرٌّ على أنْ ينتصر و انتصاره في استرجاع الحقّ، و إقرار العدل، و إنصاف كلِّ المواطنين، وتثبيت الأخوَّة الإسلاميَّة و الوطنيَّة في هذا البلد، و تثبيت المرجعيَّة الشعبيَّة في الشأن العامّ بدل أنْ تكون المرجعيَّة الأصل والمبدأ لجانب السُّلطة وأنْ تكون لها الوصاية الشاملة والولاية التامَّة والطاعة المطلقة على الناس.
هو انتصارٌ للشعب كلِّه لا لفئةٍ خاصَّة منه، و للوطن كلِّه لا لجزءٍ منه على حساب جزءٍ آخر، إنَّه انتصارٌ لا يعني ظلم أحد، و لا اضطهاد أحد، أو تدمير أحد، أو استضعاف أحد، أو غبن أحد.
وشعبٌ هذه نيَّته و هذا هدفه، و هذا تصميمه، شعبٌ لا يُلامُ ولا يُقْهَر ونصره مُحَقَّقٌ بإذن الله العزيز الحكيم.
كلُّ الأساليب التي كانت قد فشلت عن قطع الطريق على هذا النصر، وكلُّ الأساليب الأخرى لهذه المحاولة إنَّما مصيرها الفشل بإذن الله.
وسياسة خلق ألف مشكلة [5] وحلِّ بعضها للصرف عن الحلِّ الجادّ ومعالجة أساس كلِّ المشكلات وردم منبع الفساد وهو المشكل السياسيّ، -هذه السياسية- قد توضَّح فشلها وأنَّها عادت بلا تأثير.
وزيادة المشكلات التابعة والأزمات الذيليَّة إنَّما يحفِّز بدرجةٍ بالغةٍ على الاهتمام الشديد والتركيز بقوَّة على حلِّ المشكل الأساس ومصدر كلِّ الأزمات المتفرِّعة، ألا وهو المشكل السياسي.
أمَّا عن إدانة العنف فقد تكرَّرت لمرَّاتٍ من طرف المعارضة قبل وثيقة اللَّا عنف وبعدها، وبقي على طرف السُّلطة أنْ يوقف عمليَّات العنف التي تنفِّذها أجهزته وأنْ يدين عنفها بصورةٍ صريحة[6] .
وقد تكرَّرت دعوة المعارضة للخروج من الأزمة عن طريق الإصلاح وبقي على الحكومة أنْ تستجيب لهذه الدعوة من غير تسويف.
وإذا كان الحوار الجدِّي مقدِّمَةً لا بدَّ منها للإصلاح في نظر السُّلطة، فإنَّ المعارضة لم تزل تدعو إليه وتنادي به لسنواتٍ من قبل الحراك الشعبيِّ الأخير وفي أثنائه ولا زالت كذلك.
وإذا كانت السُّلطة تريد للأزمة أنْ تنتهي فعليها أنْ تستجيب بجديَّةٍ لقضيَّة الحوار، وأنْ توفِّر الأجواء المناسبة لنجاح المحاولة، وأنْ تتجاوز بقرارٍ شجاعٍ الأصوات من داخلها ومن التابعين لها والتي ترى أنَّ في الحوار إثما وتحاول بكلِّ جهدها لتعطيل الحلّ وتشديد الأزمة وحرق الوطن.
وعن سماحة «السيِّد أحمد الماجد»، فإنَّ وضع صحَّته وسلامته مقلقٌ لنا جميعا، لكلِّ من يحترم حقَّ المُواطَنة، وكرامة المواطن، وحريَّة الكلمة، ويقدِّر القيمة العالية للإنسان ومدى القيمة المتميِّزة للإيمان والعلم[7] .
وفي شأن المساجد، فإنَّ مساحة مترٍ واحدٍ من مسجد لا تعدلها عشرات آلافٍ من أرضٍ غير مسجديَّة. المساجد ليست محلَّ تجارةٍ دنيويَّة، وليست معروضةً للبيع والشراء، ولا تعويض عن مواقعها بأيِّ مواقعٍ أخرى مهما كانت لها من استراتيجيَّة.
ونحن قبل أنْ ننظر إلى الناحيَّة التاريخيَّة لأيِّ مسجدٍ وقدمه زمنيَّاً وما يحمله ذلك من دلالاتٍ موضوعيَّةٍ خاصَّة لها قيمتها، يتركَّز نظرنا أوَّلاً وبالذَّات على القدسيَّة المسجديَّة ووجوب رعايتها على كلِّ المسلمين.
-----------------
[1] سماحة الشَّيخ: - الإصلاح قريباً له إشاراته ؛ لو كان الإصلاح قريباً فله إشاراته -.
[2] سماحة الشَّيخ: - إذا كان هناك نيَّة إصلاح على المدى البعيد فإنَّه في حكم العدم -.
[3] سماحة الشَّيخ: - الإصلاح المُؤَجَّل إلى المدى البعيد هو نفسه يسدُّ الطريق إليه -.
[4] هتاف جُموع المصلِّين: " هَيْهَات مِنَّا الذِلَّة ".
[5] سماحة الشَّيخ: - هذه السياسة ليست ناجحة مع هذا الشعب -.
[6] سماحة الشَّيخ:- المُطالَب بإدانة العنف الآن إنَّما هي السُّلطة... المعارضة كلُّ تاريخها كان يدين العنف...
رموز المعارضة، العلماء مع المعارضة، كلُّ تاريخهم هو إدانة العنف وهو رفض العنف، والتصريح في هذا متكرِّر، والسُّلطة هي المُطَالَبةُ بأنْ تدين عنف أجهزتها وأنْ توقف عنف أجهزتها -.
[7] هتاف جُموع المصلِّين: "نطالب بالإفراج عن المساجين".
...............
انتهی/212