عديدة هي الانجازات التي حققتها الجمهورية الاسلامية، لعل أهمها تحقيق الاكتفاء الذاتي في مختلف المجالات خصوصاً العسكرية منها. وتمتلك الجمهورية اليوم قوة ردع صاروخية مهمة جعلت أعداءها يحسبون لها ألف حساب. وقد تم ذلك بفضل رجال عملوا في الظل بكل إخلاص من أجل تحقيق تطلعات الشعب الايراني في تحقيق الاستقلال وجعل التبعية للغرب أمراً من الماضي.
أحد هؤلاء الاشخاص «الشهيد اللواء الدكتور حسن طهراني مقدم» رئيس "مؤسسة جهاد الاكتفاء الذاتي والبحوث" في حرس الثورة الاسلامي، وهو يُعد أب الصناعة الصاروخية الايرانية. ويصادف أن هذه الأيام ذكرى مرور عام على استشهاده جراء انفجار في معسكر "ملارد" إثر عملية نقل عتاد حربي بتاريخ 12تشرين الاول /أكتوبر 2012 حيث التحق بقوافل الشهداء.
هو من هولاء الرجال المخلصين، انخرط في الجهاد في سن مبكرة، وشارك في الجهاد على جبهات الحرب التي فرضها نظام «صدام حسين» على الثورة الفتية بدعم اقليمي ودولي. لقد فاجأ الجميع عندما أسس السلاح الصاروخي وأطلق أول الصواريخ على نادي الضباط في بغداد رداً على القصف الصاروخي الصدامي للمدن الايرانية والذي ذهب ضحيته يومياً عشرات الشهداء من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء.
هذه الخطوة الايرانية فاجأت نظام صدام البائد وكذلك الدول الغربية التي احتارت في تفسير كيفية حصول طهران على هذا السلاح الرادع. في حينه لم يدر في خلد هؤلاء أن في ايران شباباً قد تسلحوا بالإيمان والعزيمة والاتكال على الله، وكان اللواء طهراني مقدم واحداً منهم إذ وصفه «سماحة الإمام الخامنئي» بالزاهد المتواضع والعالم البارز.
في حي "سر جشمة" جنوبي طهران، ولد حسن طهراني مقدم في التاسع والعشرين من تشرين الأول / أكتوبر عام 1959. والده «محمود طهراني مقدم»، كان يعمل خياطاً بسيطاً، أما والدته فكانت تحرص على تدينه واخوته منذ نعومة اظافره، لذلك ترعرع الشهيد في مسجد السيدة زينب (ع) وهو المسجد الذي عرف شباناً التحقوا بقوافل الشهداء وآخرين ما زالوا في خدمة الثورة الاسلامية.
مع قيام الثورة الاسلامية بقيادة «الإمام الخميني» الراحل، انخرط الشهيد في هذه الثورة وهو في ريعان شبابه. يتحدث شقيقه احمد فيقول: "إن أخي الشهيد حسن وشقيقي الآخر الشهيد علي كانا يعملان مع الثوار، وفي يوم انتصار الثورة الاسلامية استطاعا أن يعتقلا أحد كبار قيادات جيش نظام الشاه البائد".
بعد أشهر على انتصار الثورة حاز الشهيد شهادة بكالوريوس في الهندسة الميكانيكية، ثم شهادة الدكتوراه. وعند تأسيس حرس الثورة الاسلامي، التحق بقوات الحرس، وشارك في جبهات القتال عند اندلاع الحرب المفروضة. وكشفت هذه المرحلة جوانب استثنائية من شخصيته وشجاعته وإيمانه وذكائه وورعه.
يقول «اللواء محمد علي جعفري»، قائد حرس الثورة الاسلامية "إن الشهيد مقدم كان شخصية استثنائية تمتلك خبرات كبيرة صُقلت في فترة الحرب المفروضة، وهو كان في جميع قراراته يتكل على الله عز وجل".
دافع الشهيد طهراني مقدم عن مدينة خرمشهر، وكان في طليعة المجاهدين الذين كسروا حصار القوات الصدامية على مدينة ابادان. أدركت قيادة الحرس نبوغه في مجال العتاد الحربي، فاختارته للاشراف على تطوير العتاد الذي يحتاجه المجاهدون لتنفيذ العمليات العسكرية. القذائف التي أشرف على تطويرها كانت عاملاً حاسماً في تحقيق الانتصار في عمليات طريق القدس. هذا النجاح دفع قيادة الحرس لاختياره قائداً لسلاح المدفعية التابع لحرس الثورة الذي دك القوات الصدامية في عمليات الفتح المبين المظفرة.
يتحدث «اللواء مصطفى ايزدي» مساعد هيئة أركان القوات المسلحة، عن الشهيد فيقول :إن "سلاح المدفعية، أسسه الشهيد بخبرته وذكائه. لقد تحول خلال الحرب الى سلاح فاعل ومؤثر في كل العمليات العسكريّة التي نفذها الحرس الثوري في جبهات القتال طوال الحرب".
وعندما استهدف نظام صدام حسين المدن الايرانية بالصواريخ الأمريكية والسوفييتية، أسس الشهيد بأمر من قيادة الحرس عام 1984م القوة الصاروخية، وكانت هذه خطوة غير مسبوقة في تاريخ ايران العسكري.
ويقول شقيقه «العميد محمد طهراني مقدم» إن "الشهيد حسن قام في تلك المرحلة بتأسيس منظومة صواريخ أرض ـ أرض، والتي تطورت مع مرور الزمن وتحولت إلى سلاح يرتجف الأعداء منه خوفاً اليوم".
باكورة الصواريخ وأول إنجازاته كانت مع صاروخ النازعات إبان الحرب المفروضة على ايران عام 1986.
وخلال سنوات الحرب وما بعدها واصل الشهيد طهراني مقدم مساعيه وجهوده بعيداً عن الأضواء واستطاع مع مجموعة من شباب النخبة أن يؤسس لإيران صناعة صاروخية ويؤمن الاكتفاء الذاتي في هذا المجال. كما كان للشهيد الفضل في صناعة صواريخ ايرانية تستطيع إرسال الأقمار الاصطناعية إلى الفضاء. كما يعد الشهيد أحد أهم مؤسسي الصناعة الفضائية في الجمهورية الاسلامية. وهو كان يتطلع إلى صناعة الصاروخ الذي ينقل أول رائد فضاء ايراني إلى الفضاء.
لم تمنعه العقوبات المفروضة على الجمهورية الاسلامية منذ انتصار الثورة من أن يحصل على أهم التقينات وبخبرات محلية.
وفي هذا الصدد يقول «العميد زارع» إن اللواء طهراني مقدم استطاع تطوير صاروخ سكود. وخلال سنوات قليلة عقب تأسيس السلاح الصاروخي استطعنا تطوير هذه الصواريخ ما أثار دهشة الدول المصنعة لان الايرانيين تمكنوا من صناعة صواريخ أكثر تطوراً من صواريخهم!. واليوم ايران تمكنت من صناعة عشرات الصواريخ منها، "قيام"، "زلزال"، "فاتح"، "شهاب"، "فجر"، "قاصد"، "آرش"، "خليج فارس"، "حوت"، "طوفان"، "نور"، "محراب"، "شلمجه"، "كوثر"، "شاهين"، "سجيل، وصواريخ ناقلة للأقمار الاصطناعية والعشرات من الصواريخ والقذائف التي تخيف الاعداء.
وقبل اسبوع من استشهاده طلب الشهيد اللواء حسن طهراني مقدم أن يكتب على شاهد قبره: "يرقد هنا شخص كان ينشد فناء الكيان الصهيوني" .... واليوم يظهر واضحاً أن هذا الكيان يخشى ارتكاب اي حماقة خوفاً من الصواريخ الايرانية التي كان اللواء حسن طهراني مقدم أباً لها.
خطاب الإمام الخامنئي في تأبين الشهيد طهراني مقدم
وصف سماحة آية الله العظمى االامام الخامنئي اللواء حسن طهراني مقدم بالعالم البارز الزاهد المتواضع وقال "أن الحاج حسن عندما يعدنا بشي يفي به".
وفي خطاب له عقب استشهاد اللواء طهراني مقدم قال الامام الخامنئي:
"ان الحادث الدامي الذي وقع في أحد المراکز اللوجستية لقوات حرس الثورة الإسلامية وأدى الى استشهاد عدد من الکوادر الممتازة فيها وفي مقدمهتم القائد الکبير والعالم البارز الزاهد المتواضع اللواء حسن مقدم، کان حقيقة مرة وحزينة. ان اولئك الأفراد الدؤوبين الحاملين ارواحهم على أکفهم قد تقدموا الى المخاطر دوماً بصدور رحبة وعزم راسخ، ولم يجعلوا للکلل سبيلاً ليتسلل الى نفوسهم في مرحلة الدفاع المقدس وما بعدها".
وأضاف:" لا شك ان الشهادة کانت أمنيتهم الأسمى إلا ان فقد اؤلئك الرجال العظام في اي بلد ومجتمع يعتبر خسارة ومدعاة لأسف ذلك البلد والمجتمع".
وقال آية الله الخامنئي :" اننا نشکر الله أن حصيلة جهودهم هي الآن تحت تصرف رجال الجهاد، وأن کوادر هذه المؤسسة يتمتعون بالکفاءة اللازمة لمواصلة ذلك النهج المشرق".
...............
انتهی/212