وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الاثنين

٢٢ أكتوبر ٢٠١٢

٨:٣٠:٠٠ م
359028

الائمة الأثني عشر(ع) دراسة تحلیلیة في المنهج(10)

الإمام الرضا (ع) وتجربة المشارکة السياسية في الحکم(القسم الأول)

من مؤلفات الاستاذ راشد الراشد، باحث اسلامي وقيادي في تيار العمل الإسلامي البحريني.

إستطاع الإمام الکاظم (ع) أن يمهد الأرضية تماماً للتحرک الإسلامي بقيادة الإمام الرضا (ع) لإستلام زمام الحکم، يدل علی ذلک التلکوء الواضح الذي برز عند العباسيين بعد تنفيذهم عملية إغتيال الإمام الکاظم (ع). وذلک بما يوحي الخوف الشديد من ردة فعل مرتقبة من قبل جماهير الأمة في حال معرفتها بحقيقة علمية الإغتيال، هذا أشد ما کان يخشاه بنو العباس.

ولم تکن هذه الخشية وليدة الفراغ، إنما بسبب تغلغل کوادر وطلائع الرسالة الجيد في صفوف الأمة. وإذا لم تقم الدولة العباسية بإيجاد مبرر کافٍ لإقناع عامة المسلمين بکيفية موت الإمام (ع)، من شأنه أن يثير السخط الشعبي العام، ويؤدي بالتالي إلی زلزلة أرکان الحکم العباسي الذي شيد بنيانه علی أسس من الظلم والطغيان.

وتقول بعض الشواهد التاريخية إن السندي بن شاهک قد أستدعی جماعة من أصحاب الإمام (ع)، وکانوا نيفاً وخمسين رجلاً، يشهدوا جسد الإمام (ع) علی  أنه خال من أية آثار تدل علی موتة غير طبيعية، کما أستدعی بعدهم جماعة أخری من الفقهاء ووجوه أهل بغداد وإستشهدهم علی ذلک بعد أن عرض عليهم جنازة الإمام، کما أنه سجل شهاداتهم مع أسماءهم وأعمالهم ومنازلهم، وقام الرشيد شخصياً بجمع شيوخ الطالبيين والعباسيين ليقول لهم: هذا موسی بن جعفر قد مات حتف أنفه، وما کان بيني وبينه ما أستغفر الله منه، فأنظروا إليه.

والحق إنه لو لم تکن نشاطات الرساليين من طلائع وکوادر الأمة بقيادة الإمام الکاظم (ع) ذات تأثيرات إيجابية واسعة في صفوف الأمة لما کانت السلطة العباسية بحاجة إلی اللجوء إلی مثل هذه الأساليب للتنکر إلی عملية إغتيال الإمام (ع).

ويقودنا هذا إلی الأوضاع السياسية التي تحکم الساحة حينها، وما حققته الأمة خلال جهادها في عهد الإمام الکاظم (ع) إذ کما يتضح:

1_ نمو الوعي الثقافي في صفوف الأمة للإسلام کأطروحة إجتماعية وعقائدية، أي إلی الإسلام کمفهوم حياة ونظرية حضارة، نتيجة للعمل الدؤوب الذي قام به المؤمنون الرساليون خلال الفترات الماضية علی جبهة الفکر والثقافة وتوضيح الأبعاد العلمية والحضارية للإسلام. وکانت المدرسة الرسالية، وصفوة العلماء الأبرار الذين تتلمذوا فيها علی أيدي الائمة المعصومين (ع)، النواة الأساسية والمحور الرئيسي للتغذية في هذا المضمار.

2_ نمو الوعي السياسي إلی حدٍ لم تعد فيه أساليب التضليل والتعتيم کافية لإغواء أبناء الأمة عن الحقائق التي تدور خلف الکواليس. وقد ساهمت مواقف الإمام (ع) الشجاعة من بني العباس في تصعيد الوعي السياسي، وکذا فإن وجود عدد من الکوادر الرسالية الواعية في أجهزة الدولة ساهم في تسيس الأمة.

ولذلک يمکننا الجزم بأن الأمة، وصلت إلی مستوی رفيع من التأثير في مجريات  الأمور علی الساحة مع أنها لم تکن تمتلک سلطة إدارية في البلاد فهي لازالت في يد بني العباس. لکن جباية الأموال الطائلة للإمام (ع) من مختلف أقطار وولايات الدولة الإسلامية ووجود شرائح واسعة من المتفاعلين مع أطروحته الرسالية في أنحاء هذه الولايات کلها تؤکد أن الإمام (ع) أصبح الحاکم الفعلي للأمة. فمن جهة تلعب توجهاتها الفکرية والعلمية دوراً حاسماً في رفع المستوی الفکري والثقافي لدی عامة الناس، ومن جهة ثانية فأن المواقف التي إتخذتها سواعد الرساليين طوال الخمس والثلاثون عاماً _فترة إمامة الإمام الکاظم (ع) تحت ظل مبدأ التقية هي الأخری ساهمت في إيجاد دعائم قوية من جیل الواعين والمثقفين الذين بدأو يتحملون مسئولياتهم في تغذية الأمة بما تستلزم من  مواقف وآراء سياسية أزاء کل الأحداث والأمور التي تجري من حولها.

ولم تکن السلطة العباسية ببعيدة عن ما وصلت إليه الساحة الإسلامية من التفاعل والإندماج مع الرساليين وقياداتهم الرشيدة. وعلی ذلک فقد کانت سياسية العباسيين قد تغيرت بعد مقتل الإمام الکاظم (ع)، بعد أن عرفت أن القمع والقتل لم يجد کوسيلة نافعة للحد من فاعليات الرساليين وشل نشاطاتهم.

ولما طغت نشاطات الرساليين وفاعلياتهم علی الساحة واکتسحت بذلک الموج الجماهيري لم يکن هناک أسلوب أنفع غير الليونة والإنفتاح عليها ومحاولة إظهار التقرب والتودد إليها فبدأت بالفعل بوادر الإنفتاح والتوافق تبرز إلی السطح. بل تعدی في ذلک إلی محاولة العباسيين تقرب الإمام الرضا (ع) إلی سدة الحکم. وبهذا إنقلبت المعادلة من قمع مفرط إلی إنفتاح، فتنازل عن الکثير المبادیء التي کان يؤمن بها بنو العباس. فقد قضی القمع _مثلاً_ علی عدد کبير من الموالين لآل البيت حتی راح قبل فترة وجيزة الإمام الکاظم (ع) _شهيد السجون_.

هنا وفي ظل هذا التقدم الملموس لنشاطات طلائع الأمة في وسط الساحة، تسلم الإمام الرضا (ع) زمام قيادة الأمور وتوجيه الساحة. إلّا أن دراستنا لحياته (ع) بحاجة إلی الإجابة عن أسئلة عديدة، خاصة في مثل هذه الأيام التي تقدمت فيه الحرکة الإسلامية في مناطق عديدة من العالم الإسلامي وأصبحت قاب قوسين أو أدنی من الحکم أو لا أقل هي الآن في طريقها أو وصلت للمشارکة السياسية مع الأنظمة القائمة، وهناک من إتجه الآن بقوة في ميادين العمل  السياسي، فمتی تکون المشارکة السياسية في الحکم أمراً مشروعاً ومتی يکون الأمر مطلوباً وملحاً؟ وما هي حدود التقاطع مع الأنظمة السياسية القائمة؟ وما هو الحال بالنسبة لدخول الحرکة الإسلامية معترک الصراعات السياسية والعمل السياسي؟

وتأتي هذه الإشارات ليس لأننا ندرس حياة الإمام الرضا (ع) کأنموذج حي لمشارکة الائمة (ع) في الحياة السياسية فحسب، وإنما لبروز دوره السياسي في حياة وبإعتباره کولي للعهد للخليفة العباسي، فإن ذلک قد أزاح الکثير من الحجب التي تقف وراء الذهنيات المشوشة التي تحاول فهم حياة الائمة مجردة عن أدوارها المهمة الخطيرة في حياة الأمة بشکل عام والإقتصار علی المعرفة الشکلية التي ربما لا تتجاوز حد التقديس الأعمی لمجموعة من العباد والزهاد!

والآن: کيف تمکن الإمام (ع) من المشارکة السياسية في الحکم؟

هنالک أسباب وعوامل عديدة تظافرت فيما بينها لتجعل من المشارکة السياسية في الحکم للإمام (ع) وبالتالي للتحرک الإسلامي الرسالي أکثر من مسألة ملحة وضرورية:

أولاً: قوة تنامي المد الرسالي في جميع أنحاء الدولة الإسلامية، وکذلک الشعبية الواسعة التي إحتلها خط أهل البيت (ع) في صفوف الأمة.

فلم يکن من السهل تجاهل هذا التيار المتعاظم في الأمة، أو تغافل هذا النفوذ الواسع لشخصية الإمام الرضا (ع) کخليفة شرعي بعد والده الإمام الکاظم (ع)، لتمرير سياسات التضليل والتزوير علی الأمة. ففي کل بقعة من بقاع الدولة الإسلامية هناک الرساليون المخلصون الذين يواصلون نشاطهم بکل إجتهاد وتحت مظلة منيعة من السرية والکتمان بادیء الأمر، ثم ما لبثت أن غطت تحرکاتهم أسماع الدولة الإسلامية بکل مساحتها، وإستطاعوا بذلک أن يکتسحوا الموج الجماهيري الذي ظل ولفترة مخدوعاً بألوان مختلفة من شعارات التضليل والتعتيم، حيث تقف وراء ستار حديدي من القمع والإرهاب.

أمّا الآن فقد أصبح (الإسلام) بقيادة الإمام الرضا (ع) الحاکم الفعلي لإرادة عامة المسلمين، وتجبی للإمام (ع) الأموال الطائلة من کل مکان، ليستعين بها علی أمور إدارة الأمة والعباد، ولذلک کان علی العباسيين أن يواجهوا هذه القوة الفتية التي إستطاعت أن تهيمن علی إرادة الموج الجماهيري وتوجهه حسب أهدافها وتطلعاتها في الساحة، أن يواجهوها لکي لا ينفلت عقال الأمور من أيديهم ومن ثم تنتهي دولتهم إلی البوار.