وفقاً لما أفادته وكالة أهل البيت (ع) _ ابنا _ كتب «محمد الرصافي المقداد» مقالاً حول الفيلم المسيء للنبي محمد صلی الله عليه وآله وسلم وقال فيه إن ما أتاح للغرب في سبيل التقدم علينا بدأ من اختراق صفوفنا بالمندسين منه، وتحسسهم لنقاط ضعفنا وقوتنا. وأكد أن العيب فينا ولا اعتقد أن هناك اساءة أكبر مما رواه «البخاري» في ما لقب به جامع احاديثه (الصحيح) من كون النبي (ص)...
وفي ما يلي نص هذا المقال:
شهدت الساحة الاسلامية هذه الأيام علی امتدادها، حراكا متواصلا، خرجت فيه جماهير الأمة، بمختلف أعراقها واتجاهاتها الفكرية والعقائدية، منددة بآخر عدوان شنه الغرب المعادي للاسلام علی للنبي (ص)، والذي كشف فيه عن حقد لمقدساتنا من خلال سماحه بانتاج وترويج (فيلم) مسيئ للنبي (ص).
لقد تعددت أساليب الغرب في الاساءة إلی مقدساتنا، بدأ من اختراق صفوفنا بالمندسين منه، وتمرير عقائدهم المنحرفة عن أصولها، وتحسسهم لنقاط ضعفنا وقوتنا، أمكن لهم من خلال هؤلاء أن يجمعوا من المعلومات، ما أتاح لهم سبيل التقدم علينا علی جميع الأصعدة، فاحتلونا وامتهنونا وأذلونا، حتی لم يعد هنالك شيء لم يفعلوه بنا وتأخروا في القيام به، وعوض أن نتمسك بديننا ونستلهم منه قوتنا وعزتنا، انخرطنا في مؤامرات الغرب علی ديننا بعنوان المدنية والحضارة والثقافة، بل وذهبنا إلی أبعد من ذلك فوقف من وقف بيننا بوقا للفتن، وانضوی من انضوی تحت لواء جاهليتها، باسم الاسلام وبعنوان الدفاع عنه.
واستطاعوا أن يسلطوا علی رقابنا، أنظمة لم تعرف من الاسلام سوی رسمه، ومن الدين غير ما لعق علی ألسنتهم يدارون به الناس، فجثمت علی الحجاز بمساعدة الانكليز، أسرة غرقت في العمالة للغرب إلی آذانها، واستوطن بالمشرق والمغرب، من ران علی قلوبهم ما كانوا يكسبون، حتی أفضوا بنا إلی حضيض الأمم، جسدا بلا حركة ولا روح تنهشنا الذئاب والضباع.
وكان ديننا الاسلامي الأكثر ضررا، حيث ظهرت ارهاصات الحقد الاعمی عليه من خلال كتابات وصور تشويهية للنبي (ص)، وانتهاء باصدار صور وانتاج أفلام، تصور معتقداتنا في محصل العقلية الغربية المعادية للاسلام.
ما يحزنني هنا أننا أصبحنا دمية بين أيدي الأعداء يحركوننا كلما أرادوا استفزازنا، كأنما يريدون صرفنا مجددا عن الالتفات إلی بيتنا وتراثنا الاسلاميين، هذا البيت الذي اشتمل علی ثلمات افتعلتها أيديهم الآثمة، عندما تغلغوا بيننا، ووصلوا إلی كسب ثقة أسلافنا، ومن ثم دس سمومهم المسيئة لديننا....
قد يستغرب بعضنا من كتابتي، وقد يراها من باب صرفه عن وجهته التي هو موليها، في تثبيت جرم الاساءة إلی النبي (ص)، علی الغرب العدو الحقيقي، لكنه عندما له أعراض الاساءة من تراثنا ومصادرنا، التي طبل لها اسلافنا ومجدوها، إلی درجة اضفاء لقب الصحة عليها بلا استثناء، سيقتنع أن الاصلاح يبدأ من الداخل، ثم يتدرج إلی ما وراء ذلك.
البخاري في صحيحه يسيئ إلی النبي (ص)
من منا لا يعرف جامع الأحاديث لـ«محمد بن اسماعيل البخاري» (256هج)، الذي عرف بـ"صحيح البخاري" الذي حول قرابة أربعة آلاف حديث، وحسب ما نقلوا عنه أنه كان يحفظ مائة ألف حديث صحيح، وقد قال النووي بشأنه: (أجمعت الأمة علی صحة هذين الكتابين ووجوب العمل بأحاديثهما) يعني البخاري و«مسلم» (تهذيب الاسماء واللغات).
الا ان هاذين الكتابين تضمنا روايات نسبها اصحابها إلی النبي (ص) تحط من مقامه الرفيع وتسيئ إلی شخصه العالي عن الادراك، نری لزاما علينا كمسلمين نريد نصرة الله ورسوله (ص) ان ننبه اليها ونكشف مضامينها الفاسدة ليتبرا منها كل محب لله ورسوله (ص).
لا اعتقد أن هناك اساءة أكبر مما رواه البخاري في ما لقب به جامع احاديثه (الصحيح) من كون النبي (ص) ذهب مرارا إلی رؤوس شواهق الجبال ليتردی منها كلما أبطأ عنه الوحي.(كتاب التعبير/ باب أول ما بدئ به رسول الله من الوحي/ حديث 6581).
تصور اخي القارئ المشهد، هل يمكن أن تتقبله؟ وهل كان البخاري يدرك ما تضمنته هذه الرواية من اساءة للنبي (ص)؟ بصرف النظر عما تخللها من نسبة الجهل اليه بأنه لا يعرف أنه رسول من الله واحتاج في ذلك إلی تسديد من «أم المؤمنين خديجة عليها السلام» و«ورقة بن نوفل» النصراني اليهودي المختلط.
وقد نقلوا عن البخاري قوله: (صنفت كتابي في المسجد الحرام، وما أدخلت فه حديثا حتی استخرت الله تعالی وصليت ركعتين، وتيقنت من صحته). فهل كان يتحری تدوينه بذلك الأسلوب التقوائي فعلا، أم أنه مجرد كلام تفنّده روايات كثيرة لا علاقة لها بالنبي (ص) وأدبه وسيرته، ولا بالدين وعلومه؟
مسلم النيسابوري يتأسي بالبخاري في نقل روايات الاساءة
لم يقف البخاري عند ذلك الحد بل ذهب إلی تسوية النبي (ص) بأدنی الناس فنسب اليه التبول قائما عند سباطة قوم، وجاراه علی ذلك مسلم فنقل الرواية تأسيا به (البخاري كتاب الوضوء/ باب البول قائما وقاعدا ح217 و218 و219/ كتاب المظالم والغصب/ باب الوقوف والبول عند سباطة قوم ح2291// مسلم كتاب الصهارة باب المسح علی الخفين ح402 و403).
فكيف ينهي النبي (ص) عن عمل قبيح كهذا ويدعي هؤلاء الذين اخرجوا هذه الروايات بانه فعله؟ الا يعتبر هذا افتراء وتجنيا في حق أفضل مخلوقات الله؟
ليس هذا فقط، وإنما تتملكك الغرابة من تهافت البخاري وبقية ممن تلقبوا بأصحاب الصحاح، في جمع وتدوين الروايات المسيئة إلی النبي (ص)، دون التفات إلی مضامينها المخالفة لأخلاقه ووظيفته، بل هي متعارضة في متونها مع القرآن الكريم، كرواية سحر النبي (ص) علی يد يهودي ثلاثة أشهر (رواه البخاري كتاب بدء الخلق/ باب صفة ابليس وجنوده// كتاب الطب/ باب هل يستخرج السحر/ ح3268// صحيح مسلم/ كتاب السلام/ باب السحر ح2189).
ألا تری أخي القارئ بأن نسبة السحر إلی النبي (ص) تهدم مسألة علاقته بالوحي، ودوره في البلاغ وحضوره الذهني والروحي من أجل ذلك، وفوق هذا ما صرح به القرآن من ان السحر كيد يبطله الله وهو الذي لا يصلح عمل المفسدين فكيف يستقيم سحر النبي (ص) ثلاثة اشهر يعتقد أنه ياتي الشيء ولا يأتيه مع اداء تكليفه الذي كلفه الله به من تعليم وادارة ورعاية وحضور كامل في مختلف أوجه حياته الخاصة وحياة المسلمين العامة؟
ولم يتخلف أصحاب بقية المسانيد والسنن عن اخراج هذه الفرية، وزاد الألباني الطين بلة فصحح الحديث، كما درج عليه خط الاساءة للنبي (ص).
بين نصرة البخاري ومسلم ونصرة النبي (ص)
إلی متی يبقی التهيب من رد هذه الروايات الباطلة، حفاظا علی هالة الصحة التي أضفيت علی تلك الكتب؟ أفلا يكون تنزيه النبي (ص) بردّ تلك الروايات وتكذيبها، أولی من الاصرار علی صحتها سترا لاختلال تلك المدونات وإبقاء علی ما يسيء للنبي (ص) ويشوه نقاء صفحته من كل شائنة؟
ولقد كنت كتبت منذ ما يزيد علی العشرين سنة، مقالا بعنوان: افتراءات علی النبي (ص) جمعت فيه ما أمكنني جمعه من روايات باطلة الصقت بالنبي (ص)، دونها حفاظ الحديث والسيرة، تعتبر مسيئة له، ويجب ردها علی مدونيها، وقد اخترت بعضا منها في هذا المقال، طلبا للاختصار، وتحسيسا لذوي التأسي الحسن وأولي الاعتبار.
وأتيحت لي فرصة الاطلاع علی عقيدة الفرق الاسلامية فوجدت أن أقوم وأصوب عقيدة في النبوة تلك التي يعتقدها المسلمون من أتباع أهل البيت عليهم السلام، ذلك أن النبوة عندهم هي سفارة عن الله، يجب فيها الاصطفاء الالهي، ومن مستلزماتها عصمة المصطفی من الذنوب، صغيرها وكبيرها عمدها وسهوها، وباعتباره قدوة واسوة فان جميع اعماله تعتبر حجة علی المسلمين باستثناء ما كان مخوصا له، في حين أن بقية الفرق تری أن النبي (ص) غير معصوم قبل النبوة، أما بعدها ففي الوحي فقط، كأنما الوحي معني بجانب من الحياة دون آخر، وكأنما النبي (ص) قد خصص قسما من حياته خارج اطار الوحي، فلا يجب فيه اتباعه، كرواية تأبير النخل المشحونة سخافة وتداعيا.
اننا نعيش اليوم في عصر التقت فيه العقول وأفكارها، والقلوب ومعتقداتها، لتنفض عنها سقيم القول، وتبعد موبوء الذكر، في منتهی التعقل، ورجاحة التفكير، القائم علی أساس من الحجة والبرهان، لأن الحق دائما يلعو ولا يعلی عليه، والحق أحق ان يتبع.
من واجبنا كمسلمين أن نلتفت إلی سد هذه الثغرات منع تمددها في بيتنا الاسلامي، فقد ولی الزمن الذي كان فيه العلم حكرا علی فئة قليلة من الناس، وعلی الدارسين اليوم لهذا التراث الضخم الذي تزخر به مكتبتنا الاسلامية، أن يولوا عناية بما نسب إلی خاتم الأنبياء والمرسلين (ص)، فينقوا منه السقيم ويميزوا عنه السليم المطابق لكماله، كعبد اصطفاه الله ورفعه مكانا عليّا، اعترافا بما قدمه للاسلام ولنا كمسلمين.
فمن كان يحب الله ورسوله (ص) فعليه نصرته بما يليق بمقامه ويتناسب مع شخصه الذي أرسله الله سبحانه وتعالی ليكون رحمة للعالمين، وأول ما يمكنه فعله البراءة من هذه الاساءات التي ضمتها مجاميع الحديث، سواء أقصد أصحابها الاساءة أم كان تدوينهم لتلك الروايات عفويا، وهذا أضعف الايمان لمن يريد حقيقة رد الاعتبار للنبي (ص) ودحض ما ألصق به من تشويه.
ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز.
...............
انتهی/212