ومن الواضح أن لدی الإمام الصادق (ع) عدد لا بأس به من الكوادر اللذین إستطاعوا إستلام مناصب عديدة في الدولة، وربما كان البعض منهم يجاهر بولاءه للخط الرسالي ومحبته لآل البيت (ع).
ومن بين أولئك الكوادر اللذين تسللوّا وتمكنوا من إحتلال مواقع متقدمة في أجهزة الدولة الباسية «يحيی بن خالد البرمكي» حيث تولی ولاية الأهواز وكان الإمام الصادق (ع) يراسله بإستمرار ويسدي له النصح والتوجيهات الإدارية والقيادية اللازمة، ومنهم أيضاً «ربيع» الذي كان حاجباً (31) للمنصور، الذي كانت له مواقف إيجابية عديدة خدم بها التحرك الإسلامي، ففي اليوم الذي جاء المنصور بالإمام الصادق (ع) قال (ع) لربيع: (ياربيع أنا أعلم ميلك الينا فدعني أصلي ركعتين)(14).
فقال له الربيع: شأنك وما تشاء ... بعد ذلك بكي الربيع فصلی الإمام ركعتين، وبعدها دخل علی المنصور وكان قد جعل سيفاًتحت لبده (وهو الصوف المتلبد) وكلما يحتد النقاش بينه وبين الإمام (ع) كان المنصور يقبض علی السيف فقال الربيع في نفسه: أن أمرني فيه بأمر أعصيه،لأنني ظننت أنه يامرني أن آخذ السيف لأضرب به عنق الإمام (ع) فإن أمرني ضربت المنصور نفسه وإن أتی ذلك عليّ وعلی ولدي..
ومن الكوادر أيضاً الذي أصبح فيها بعد وزيراً آخر للبلاط العباسي ابراهيم بن جبلة.
ومنهم الوزراء أيضاً كالفضل بن يحيی، وخالد والفضل بن سهل، ويعقوب بن داود، وأبي سلمه وابنه، والربيع وابنه الفضل بن الربي,، وعلي بن يقطين وأولاده، وسليمان بن جعفر.
ومنهم الولاة في الإمصار كزياد بن عبد الله عامل المنصور علی المدينة. ووالي الأهواز خالد بن يحيی الرمكي. ومنهم المتنفذين في الجيش ومختلف مراكز القوی في جهاز الدولة العباسية، وكانوا يستفيدون من مواقعهم هذه تحت إشراف قيادة الإمام (ع) في خدمة أهداف وتطلعات التحرك الإسلامي، حيث كان الإمام الصادق يولي إهتماماً بالغاً بهم ويواصلهم باستمرار عبر الرسائل، أو ارسال المبعوثين من كوادر الأمة رغم صعوبة ذلك حينها، ويعطيهم التوجيهات والإرشادات الازمة.
وبالفعل كان تحرك الإمام الصادق (ع) من الناحية السياسية دقيقاً للغاية حيث الظروف المتشابكة والمعقدة في آن معاً، إذ لم يكن من السهل علی قيادة، غير شخص الإمام (ع) قادرة علی توجيه محاور تحرك قد تبدو متعارضة، حين النظر اليها بصورة كليه دون التمعن في جذورها وخلفياتها الواقعية التي أملتها.
وكم خدم هذا التحرك السياسي وبهذا الشكل الذي قام به الإمام الصادق (ع) مسيرة الأمة في الفترات التالية من عمر الصراع.
إذ يمكننا القول إن هذا التحرك من أحد أبرز الأمور التي ساعدت علی انجاح خط الإمام (ع) لصناعة وايجاد جيل من الطاقات والكوادر الكفوءة التي تتحمل أعباء العمل الرسالي لاحقاً. والتي ساهمت بدورها في ابقاء جذوة الأمل وشعاع النور يشع في نفوس أبناء الأمة ولحد يومنا هذا.
المحور الثالث: مواجهة موجة الالحاد والمدارس الفكرية المنحرفة التي تمخضت وسادت في تلك الفترة، لأسباب عديدة لسنا بصدد ذكرها الآن.
فمن المعروف أن الإمام الصادق (ع) فتح باباً عريضا للحوار مع كل أدعياء العلم والمعرفة والخلق. كما إنه فتح بابه لكل من أراد إسقاط الحجة عليه، فقلب عليهم السحر الذي جاءوا به.
وربما يعود توجه الإمام (ع) إلی هذا النمط من المحاججة إلی الأسباب الآتية:
1/ رواج بعض المذاهب الفكرية المبتدعة _ كالتي مر ذكرها_.
2/ ظهور تيارات فكرية جديدة عن طريق ترجمة الكتب الإغريقية والفارسية والهندية التي مهدت الأرضية لشياع بعض المدارس الفكرية المختلفة كالزنادقة والغلاة وغيرهم.
وأراد من وراء ذلك تحقيق عدد من الأهداف أبرزها، تأكيد دوره القيادي في الأمة بتوقه العلمي، الذي عجزت عن مجاراته العقول الملوثة بالأفكار المنحرفة والضالة في الأمة من جميع اتجاهاتها ومصادرها الفكرية، وكذا إعداده لجيل من الطاقات والكوادر الكفوءة المؤهلة للتصدي وتحمل أعباء نشر المفاهيم الإسلامية الرسالية الصحيحة في الأمة، وترشيد المسيرة الفكرية والتشريعية في الأمة حسب الأصول الإسلامية التي جاءت بها الشريعة السمحاء من ربّ العالمين _عزوجل_.
وهنا نورد مقتطفات من بعض المواقف التي دونها التاريخ في هذا الإتجاه للإمام الصادق (ع):
عن عبدالكريم بن عتبة الهاشمي قال: كنت عند أبي عبدالله (ع) بمكة إذ دخل عليه أناس من المعتزلة فهيم عمرو بن عبيد، واختلف أهل الشام بينهم فتكلّموا وأكثروا، وخطبوا فأطالوا، فقال لهم أبو عبدالله جعفر بن محمد (ع): إنكم قد أكثرتم عليَّ وأطلتم، فأسندوا أمركم إلی رجل منكم بحجتكم وليوجز فأسندوا أمرهم إلی عمروبن عبيد فأبلغ وأطال، فكان فيما قال أن قال: قتل أهل الشام خليفتهم، وضرب الله بعضهم ببعض، وتشتت أمرهم فنظرنا فوجدنا رجلاً له دين وعقل ومروَّة، ومعدن للخلافة، وهو محمد بن عبدالله بن الحسن، فأردنا أن نجتمع معه فنبايعه، ثم نظهر أمرنا معه وندعوا الناس إليه فمن بايعه كنا معه، وكان معه، ومن اعتزلنا كففنا عنه، ومن نصب لنا جاهدناه، ونصبنا له علی بغيه وردّه إلی الحق وأهله وقد أحببنا أ