وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : الصحافة
الجمعة

٢٨ سبتمبر ٢٠١٢

٨:٣٠:٠٠ م
352083

التوتّر الطائفي الغريب على تونس؛ باحثون يؤكدون:

تصفية حسابات سياسية خارجية وليست صراعات مذهبية

...من يقتل مسلما لا يمكن ان يكون مسلما ومن يقتل انسانا لا يمكن بحال ان يكون انسانا فاحذروا من اثارة النعرة الطائفيّة والمذهبيّة لان الذي يقتل في العراق او في سوريا ليس باسم المذهب او المذهبيّة او الالتزام بطائفة او مرجعيّة ولكن بسبب تجاذب للقوى الاقليميّة والدوليّة والصهيونيّة تأبى الا ان تُدخل ذلك البلد في أتون المعارك السياسية وإنّ الذين يستثمرون ويستغلون حال جهلنا هم نفس أعدائنا الذين يوحون لنا ان المعركة هي ما بين اهل السنة واهل الشيعة.

ملابس غريبة، لحيّ طويلة، شعر كثّ ومغطّى عادة بلحاف، حديث في أكثر الاوقات بعربية فصحى حتى وان كانت في معظمها غير سليمة، عادات خاصة، طرق زواج لا يعلمها الا الله، تجمعات خاصة، والسير والتجوّل لا يكون عادة الا في مجموعات لا يقل عدد افرادها عن خمسة، يشتغلون أغلب الاوقات في بيع السندوتشات والحلويات والبيض وغيرها من المواد التي لا تتطلب راس مال كثير، وتكون عادة في عربة يدفعونها أمامهم في الانهج والشوارع.

هذه المجموعات التي اصطلح التونسيين على تسميتهم بالسلفية، رغم انهم في داخلهم يتوزعون الى ملل ونحل لا تُحصى عدّا، ولا تتفق في مذهب واحد، لكن ما يجمعهم هو خروجهم عن النموذج المجتمعي التونسي، الذي يرون فيه نموذجا كافرا وجب تغييره حتى يلتزم بسيرة السلف الصالح.

ورغم انهم لا يتدخلون عادة في السياسة، الا انهم مؤخرا أسسوا عديد الأحزاب وتحصلوا على رخص قانونية للعمل السياسي، لكنهم  واصلوا تدخّلهم في الشان الثقافي والاجتماعي، وفي كثير من العادات التي يرونها باطلة وترمز للشرك والكفر، وواجب القضاء عليها.

لكن هذه المجموعات، أقدمت هذه الايام بالذات، وخلال الاحتفالات بعيد الفطر على استجلاب ظاهرة غريبة على بلادنا وشعبنا وعقليتنا وتفكيرنا الجمعي وتراثنا الحضاري كلّه، وهي ظاهرة استعداء الناس وشحنهم ضدّ المسلمين الشيعة.

فعبارات التكفير الوافدة من الخليج، كعبارة "الرافضة" و"الصائبة" وغيرها من عبارات الشحن الطائفي والتجييش المذهبي واشعار الناس أن هذه الطائفة أشد خطرا على الإسلام حتى من الاحتلال والصهيونية، هي محاولة تأتي فجأة في العشر الاواخر من شهر رمضان، وتحديدا منذ بدء زيارة عميد الاسرى العرب «سمير القنطار» وبالضبط منذ حضوره ضيفا على شريط أنباء الثامنة  يوم الثلاثاء الفارط.

ويربط بعض المراقبين بين ذاك الحضور التلفزي الذي تحدى فيه «الشيخ الغنوشي» ان يقود مظاهرة بمناسبة مهرجان القدس السنوي وان يقول ان تونس الثورة ستكون رأس حربة في مواجهة المشروع الصهيوني، وبين الهجمة الشرسة التي شنّها عليه من يسمون السلفية وأنصار الشريعة، في إشارة خفية طبعا يُفهم منها وكأن زعيم حركة النهضة هو الذي يحرّكهم ويأتمرون بأمره.

الغريب في الامر أن الخطاب التعبوي نفسه الذي استعملوه لم يكن مفهوما ولا مهضوما عند سائر التونسيين، فعبارات النجف وكربلاء، وسباب نجد والحجاز، لم يتعود عليها شعب تونس الذي عاش طيلة اربعة عشر قرنا لا يفرّق بين سنّي وشيعي ولا بين اباضي وذمّي، والذي كان يقف في صمت ويحاول جاهدا ان يفهم ما معنى رافضة وروافض وكفّار وسبّابو  عائشة، وقتلة عمر... كان يحاول أن يفهم حتى المصطلحات التي لو لم تعرض القنوات العربية ايام التصفية الطائفية في بغداد سنتي  ألفين وخمسة وألفين وستة، لما سمع عنها أصلا.

وهنا يبيّن الباحث في الحضارة العربية الاستاذ «خالد الزمرلي» أن هذا الامر لم يكن متعارفا عليه في تونس سابقا وعبر تاريخها الطويل حيث يقول في اجابته عن سؤالنا حول المغزى من هذا التصعيد الاخير ضد  الشيعة: منذ دخول الإسلام هذه الربوع و انتصاب سلطة سياسية تعود بالنظر إلى السلطة المركزية في دمشق وحتى بعد استقلال هذا الإقليم في القرن الثامن الميلادي مع الدولة الأغلبية لم تشهد البلاد صراعات مذهبية دينية بل إن الدعوة للدولة الفاطمية (الشيعية) انطلقت من تونس و امتدت إلى مصر ولو كان هناك تنافر بين التونسيين والشيعة لما أمكن لها أن تنشئ الدولة الفاطمية انطلاقا منها وحتى ردة الفعل بعد خروج المعز لدين الله الفاطمي من المهدية إلى القاهرة المعزية لم تكن عامة ولم تعمر طويلا.

إن سلوكيات التونسيين إلى يوم الناس هذا فيها ما يدل على تناغم و انسجام و قدرة على استيعاب الثقافات و التسامح الديني فما زال هناك الكثير من التونسيين في بعض المدن و القرى يحتفلون بعاشوراء، يكحلون العيون ويقفزون على النار و إلى عهد غير بعيد تصرخ المرأة الحامل يا محمد يا علي وما زالت أحب الأسماء إلى مجتمعنا التونسي "محمد علي" أما الصور التي تجسد بطولات الإمام علي (ع) فلم تحذف من بيوتنا إلا قريبا ثم ما زلنا نذكر يوم انتصار الثورة الإيرانية ما كتبه «راشد الغنوشي» على الصفحة الأولى التي تحمل صورة الإمام الخميني (ره) من مجلة "المعرفة" «أما آن لأمريكا أن تفهم؟».

حري بنا أن نتساءل اليوم ما الذي يحدث؟ ولم هذه النعرة الشيعية/السنية بعد إثارة العديد من النعرات الأخرى والتي جعلت المجتمع التونسي يتشظى إن المنطق السياسي وإعادة تشكيل الخارطة الجيوسياسية والصراع الدائر بين قطبين في طور التشكل هما الولايات المتحدة وأوروبا من ناحية وروسيا والصين من ناحية أخرى حتمت تحالفات جديدة عبر وضع بيادق جديدة كانت بالأمس القريب عدوا وليس من باب الصدفة أن يكون أول إنجاز للسلطة السياسية الناشئة في تونس إقامة مؤتمر أصدقاء سوريا بدعم من الولايات المتحدة قبل مؤتمر أصدقاء فلسطين التي كثيرا ما تبجحوا بمساندتها ولأنها اختارت القطب الذي ستمثله فإنها سارت في هذا الركب منقلبة حتى على المنظومة التي كانت بالأمس القريب متحالفة معها ومن بين الأدلة على ذلك تغني الغنوشي بالديمقراطية النموذجية في الدولة الدينية الإيرانية.

إن محور الصراع السني/الشيعي لم يكن مطروحا في بلادنا وما كان له أن يطرح لولا الولاء الأعمى لهذه السلطة لمنظومة بعينها عبر التخندق ضمن الدوائر الأمبريالية وإملاءاتها والتي تحتم عليها التصدي لكل نفس مقاوم و وطني حتى إنهم في بنزرت هاجموا رمز المقاومة سمير القنطار بتعلة أنه شيعي والحال أنه درزي والفرق واضح جلي وهو ما يبرهن على أن مشكلتهم هي المقاومة وليس المذهب الديني.

وهنا يبرز التساؤل المهم، لفائدة من هذه المعارك التي يمكن ان تؤدي الى ما لا يحمد عُقباه لو انها تتطور الى ثقافة حرب أهلية تكمن حينا وتنهض أحيانا؟ وماذا لو أن الهدف منها سياسي لكن الطريقة وظّفت الصراع المذهبي في غير محلّه، لان الوازع  الديني اذا تحررّ لا يمكن أن يتوقّف، في حين ان الوازع السياسي قابل للتكيف مع الوضع كيف ما كان. فالخلاف السياسي في نهاية الامر عادي ويومي ويحدث بين الجميع وعلى الجميع، لكن الخلاف الديني لا يكون فيه الا قاتل ومقتول، وهو الخطر  الحقيقي الذي يتهدد تونس في صوررة استفحال هذه الظاهرة والسكوت عنها.

وهنا يقول الاستاذ «زهير مخلوف» رئيس فرع تونس لمنظمة "العفو الدولية": ..."من يقتل مسلما لا يمكن ان يكون مسلما ومن يقتل انسانا لا يمكن بحال ان يكون انسانا فاحذروا من اثارة النعرة الطائفيّة والمذهبيّة لان الذي يقتل في العراق او في سوريا ليس باسم المذهب او المذهبيّة او الالتزام بطائفة او مرجعيّة ولكن بسبب تجاذب للقوى الاقليميّة والدوليّة والصهيونيّة تأبى الا ان تُدخل ذلك البلد في أتون المعارك السياسية وإنّ الذين يستثمرون ويستغلون حال جهلنا هم نفس أعدائنا الذين يوحون لنا ان المعركة هي ما بين اهل السنة واهل الشيعة وحين ننتبه لهم يكون الامر قد اتى على شعوب وعباد ومواطنين ما كان لهم ان يموتوا او ان يُقتلوا لو اننا اقتلعنا المؤامرة المذهبيّة والطائفيّة التي يغذّونها من حين لآخر سواء في العراق او في سوريا او في لبنان او في البحرين او في الباكستان او في اي رقعة ومكان وهي آخر ما يُمكن ان يستعملوه من اسلحة مدمّرة ضدّ الامة لاغتيال عقلها واغتصاب ارضها والاحتيال على خيراتها فاحذروا منها (اي الفتنة ) فانها منتنة وهي اداتهم الوحيدة المتبقّية لاستعمارنا والتحكم بنا والقذف بنا في جهنم الدنيا والآخرة".

وهنا يوضّح الكاتب الصحفي «عبد الجبار المدوري» رئيس تحرير جريدة "صوت الشعب" أن: "ما نشهده من تجييش للنعرات الطائفية في تونس وخاصة في الأيام الأخيرة من شهر رمضان على خلفية زيارة عميد الأسرى اللبنانيين سمير قنطار لحضور فعاليات مهرجان القدس، هو عمل منظم تقف وراءه جهات داخلية وخارجية.

فسلاح الطائفية وقع استعماله في لبنان وفي العراق وفي فلسطين وفي كل الدول التي احتلتها أمريكا أو الكيان الصهيوني، وقدم لهما خدمات جليلة.

ويتم استعمال هذا السلاح بدعم من الأنظمة الرجعية العربية وخاصة رجعيات الخليج (الفارسي) بقيادة السعودية وقطر. والهدف من إثارة النعرات الطائفية وتأجيجها بكل الوسائل حتى تصل مرحلة الاقتتال المسلح هي تفكيك وحدة الشعوب حتى يسهل استعمارها ونهب ثرواتها.

وها أننا اليوم نشهد تنفيذ هذا المخطط في تونس رغم أن بلادنا كنا نعتقد أنها بعيدة كل البعد عن الطائفية، لكن تدفق المال السياسي من الخليج (الفارسي) الرجعي وتغلغل المخابرات الأمريكية والبريطانية والصهيونية في تونس جعل هذا الخطر أمرا واقعا. صحيح أن هناك بعض الشباب المتدين الذي يقع الزج به عن جهل في هذه الصراعات القذرة لكن هناك أيضا جهات منظمة تتلقى أموالا وتعمل بشكل يومي وبتنسيق مع جهات خارجية على تأجيج الصراع الطائفي في تونس لإفشال الثورة وإبعادها عن مسارها وخاصة في ما يتعلق بمعاداة الامبريالية وتجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني وإقرار السيادة الوطنية على ثروات البلاد وحمايتها من النهب. إن مهمة القوى الوطنية والثورية في تونس جسيمة في هذا الاتجاه، وهي مطالبة بتنظيم صفوفها والتصدي لهذا المخطط الامبريالي الصهيوني الرجعي والعمل مع القوى التقدمية في مختلف البلدان العربية والإسلامية لإيجاد جبهة موحدة تؤطّر النضالات وتعمل على دعم المقاومة".

...............

انتهی/212