ابنا: وقعت مؤسسة الإحسان الملكية في البحرين على اتفاقية مع مؤسسة الإحسان الملكية الأردنية في ١٠ سبتمبر، يتم بموجبه بناء ٤ مدارس للأطفال السوريين اللاجئين مخيمات الأردن.
الإتفاقية تسلط الضوء على تدخل البحرين المتزايد في مخيمات اللاجئين السوريين. والأكثر خطورة، أن البحرين وبدعمٍ سعودي، قد بدأت في عملية تجنيس للاجئين سوريين (سنة)، في محاولة منها لزيادة عدد السكان السنة الذين يشكلون أقلية بالنسبة للمعارضة الشيعية في البحرين.
هذه المحاولات ليست سوى إحدى الوسائل التي تحاول دول الخليج الفارسي من خلالها استغلال الأزمة الحالية في سوريا. ومع ذلك، من غير المرجح أن يكون لهذه العملية تأثيراً كبيراً على السكان السنة في البحرين في السنوات القادمة. فمن الممكن أن يكون الوضع الأمني في البحرين مضطرباً في تلك الأثناء.
تحليل
الشيعة يشكلون نسبة الغالبية في تركيبة السكان التي تبلغ مليون نسمة في البحرين، ولكن الحكومة هي سنية في المقام الأول. الحكومة غير مستعدة للإعتراف بهيمنة الطائفة الشيعة، لذا فإن الأرقام الحقيقية للسنة والشيعة غير معروفة.
تاريخياً، قامت أحزاب المعارضة الشيعية بتحدي حكومة آل خليفة في العديد من المرات، والتحدي الحالي الذي لازال مستمراً منذ ١٩ شهراً حتى الآن، هو أحد أطول تلك التحديات.
قانون التجنيس البحريني الذي صدر عام ١٩٦٣ هو أحد نقاط الخلاف الحديثة التي شكلت معارضة للسياسة التي تنتهجها الحكومة. قانون منح الجنسية البحرينية للأجنبي يشترط تمتعه بالمؤهلات التالية : (أ) ان يكون قد جعل بطريق مشروع اقامته العادية في البحرين مدة 25 سنة متتالية على الاقل، أو 15 سنة متتالية على الاقل ان كان عربياً، على ان تبدأ هذه المدة من تاريخ العمل بهذا القانون. (ب) ان يكون حسن السيرة. (ج) ان يعرف اللغة العربية معرفة كافية. (د) ان يكون لديه في البحرين عقار ثابت مسجل باسمه لدى حكومة البحرين.
بالرغم مما ورد في الفقرة السابقة، فإن المادة (6/2) تُمكّن العائلة الحاكمة منح الجنسية البحرينية لأي عربي يطلبها في حال (قدم خدمات جليلة للبحرين)، مما يترك مجالاً واسعاً للتفسير. ويتهم الشيعة العائلة الحاكمة بالتشدد في تطبيق هذا القانون عند بعض الحالات، وبالخصوص عندما يتعلق ذلك بتجنيس الشيعة، في وقت يتم فيه الإسراع بتجنيس السنة العرب، والأجانب السنة كذلك. في حين أن العدد الدقيق للأشخاص الذين تم تجنيسهم غير معروف، قدرت وزارة الخارجية الأمريكية في يناير ٢٠١١ عدد الأشخاص الذين جنستهم البحرين خلال ٥٠ سنة بحوالي ٤٠٠٠٠.
لقد أتاح الصراع الدائر في سوريا للسعودية والبحرين فرصة نادرة لعلاج معضلة التركيبة الديمغرافية. يشير مصدر من موقع "ستراتفور" الى أن الحكومة البحرينية تعمل على تجنيس أكثر من ٥٠٠٠ آلاف شخص من اللاجئين السوريين السنة والذين يعيشون في مخيم الزعتري في الأردن. يوضيف المصدر بأن الحكومة أنشأت مركزاً ثقافياً في مخيم اللاجئين من أجل تعريفهم بالثقافة البحرينية. السعودية هي من حثت البحرين على تجنيس أُسَر اللاجئين السنة ومعهم أطفالهم، وهي خطوة تهدف الى زيادة التمثيل السني من دون الحاجة لضمهم الى القوى العاملة، حيث تواجه البحرين نقصاً في الوظائف. تعاون البحرين مع مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن يأتي ضمن قيام البحرين باستثمارات مالية (في ١٠سبتمبر) من خلال مساعدتها في بناء ٤ مدارس مخصصة لـ٤٠٠٠ طفل في مخيمات الزعتري.
كما هو الحال بالنسبة للعديد من القرارات التي اتخذتها حكومة البحرين، فإن هذه الخطوة جاءت بعد تدخل من الحكومة السعودية التي اختارت دعم جارتها في محاولة منها لتخفيف الإحتقان الطائفي في البحرين.
السعودية حاولت التأثير على الثورة السورية منذ البداية، وذلك من خلال دعمها المعنوي والمالي لعناصر المعارضة السورية. السعودية تنظر الى دعم المعارضة السورية كوسيلة تستطيع من خلالها اضعاف الهلال الشيعي وتقليص نفوذه في المنطقة، وذلك عن طريق اسقاط النظام السوري.
ولكن، يبدو أن الرياض حاولت مؤخراً تخفيف دعمها للمعارضة السورية بسبب خوفها من أن يؤدي ذلك الدعم لظهور الخلايا الجهادية التي يصعب السيطرة عليها في المنطقة مجدداً. على الرغم من ضعف التأثير السعودي في الوضع الداخلي لسوريا، إلا أن المبادرة التي قامت بها الرياض من خلال حث البحرين على تجنيس السوريين تدل على أن السعودية لازالت تخلق فرصاً للإستفادة من الثورة السورية.
الآثار والمخاطر المترتبة على تنفيذ المبادرة
إن تجنيس ٥٠٠٠ سني من شأنه تعزيز ودعم ديموغرافية الأقلية السنية في البحرين في المدى البعيد، من خلال تجنيس السنة ومضاعفة عوائلهم. إلا أن هذه الخطوة ستخلق العديد من التهديدات الأمنية الداخلية في المدى القصير. أولاً، سيشكل استقدام آلاف اللاجئين عبئاً مالياً على البحرين، فاللاجئين السوريين الذين سيتم استقدامهم، ليس لديهم الكثير من الأموال، وبالتالي سيطلبون مواصلات من الأردن للبحرين ومزيداً من الوظائف وسكناً عند وصولهم للبحرين، ومن الممكن أن تقوم الرياض بالتمويل لحل هذه المعضلة.
الأكثر أهمية من العبء المالي هي المخاطر الأمنية التي تترتب على تجنيس ٥٠٠٠ لاجئ سني سوري. ومن وجهة نظر الأمن الداخلي، لازالت الإحتجاجات التي يقودها الشيعة في البحرين مستمرة، ولازال الكثير من الشيعة يطالبون بالمزيد من الحقوق لطائفتهم، وبالإستمرار في تحميل النظام مسؤولية تغيير التوازن الطائفي من خلال قوانين التجنيس المجحفة. منذ أواخر العم الماضي ٢٠١١، تنامت الإحتجاجات العنيفة وبشكل متزايد ضد العمال المغتربين الآسيويين بشكل خاص، وضد العمال الأجانب بصورة عامة. يشتكي بعض الشيعة من هؤلاء المغتربين بسبب أخذهم لوظائفهم، واعتقادهم بأن الحكومة تمنحهم الجنسية كي يقفوا في صفها ويعززوا من دعمها.
على الرغم من أنَّ الحكومة البحرينية تمضي في هذه الخطوة بشكل مطمئن، إلا أن وصول اللاجئين السوريين من شأنه استفزاز الشيعة الراديكاليين نحو اسهدافهم من خلال شنهم حملات عنيفة ضدهم. ولكن الأمر المؤكد بأن بأن ذلك سيؤدي الى تجدد الإحتجاجات التي يقودها الشيعة بسبب ادراكهم بعمليات التجنيس المنحازة.
على الصعيد الإقليمي، فمن الممكن أن لدى بعض هؤلاء اللاجئين السوريين صلات بالمتمردين الجهاديين في سوريا (أو ما يعرفون بالسلفيين الجهاديين) من المحتمل أن يشترك البعض من هؤلاء اللاجئين في الأيدلوجيات نفسها. على أمل اختبار هؤلاء اللاجئين وتقييمهم، فإن من الصعب ضمان عدم ارتباط بعض هؤلاء اللاجئين البالغين بأولئك الأشخاص أو بأيدلوجياتهم. مثل هؤلاء الأشخاص يشكلون تهديداً، ليس على البحرين (التي لازالت حكومتها تواجه تهديداً من قبل عناصر شيعية راديكالية) فقط، ولكن أيضاً على امتداد منطقة الخليج الفارسي. كمواطنين بحرينيين جدد، سيتمكن هؤلاء اللاجئين سابقاً من السفر، والعيش والعمل في أي من دول مجلس التعاون عن طريق استخدام البطاقة الذكية فقط. إنَّ آخر ما تحتاجه المملكة العربية السعودية هو تدفق الأشخاص الذين لديهم ارتباطاً بفكر القاعدة الوهابي، أو شاركوا معهم من قبل. من الممكن استغلال تعاطف الجهاديين، وخصوصاً في دول الخليج الفارسي، حيث المتطرفون الذين لا يصعب العثور عليهم.
كان من الممكن منذ عدة سنوات أن يساهم هؤلاء اللاجئين السوريين في زيادة نسبة السنة والحد من معارضة الحكومة، ولكن هناك مخاطر جدية تترتب على مثل هذه الخطوة. ليس من جانب كلفة تلك الخطوة فقط، ولكن من الممكن أن تزيد من تهديد الاستقرار في البحرين والمنطقة المحيطة بها. أظهرت السعودية والبحرين بأنهما على استعداد لإتخاذ تلك الخطوة. على أقل تقدير، بإمكان المعارضة الشيعية أن تدرك ولو لمرة واحدة بأن هذه النيّة موجودة، عندها ستزيد وستكثف من احتجاجاتها، الأمر الذي من شأنه تهديد حكومة آل خليفة وأجهزة الأمن في البحرين.
...............
انتهی/212