وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : وكالات
الخميس

١٢ يوليو ٢٠١٢

٧:٣٠:٠٠ م
328889

التصعيد الشيعي لشيعة المملكة العربية السعودية

...حينما خاطب نمر النمر الشباب بشكل متكرر بأن يكونوا على إستعداد للموت بالشهادة، حثهم على أن لا يواجهون "الرصاص بالرصاص" ولكن عليهم ان يستخدموا الطرق السلمية. وهو على معرفة أن الشيعة حينما يواجهون الآلة العسكرية للنظام السعودي سيخسرون، لذلك حث على المظاهرات السلمية والعصيان المدني.

وكالة أهل البيت للأنباء _  ابنا _‌

إعتقال رجل الدين الشيعي المعارض «آية الله الشيخ نمر النمر» في مدينته "العوامية" شرق السعودية الغنية بالنفط مساء يوم الأحد الموافق الثامن من شهر يوليو، كان في الحسبان منذ مدة طويلة.

وبشكل من الاشكال كان المراقبين للوضع يتسائلون لماذا لم يعتقل منذ مدة، بما أنه أصبح القائد الروحي للحراك والتظاهرات في المنطقة الشرقية وتحدث بوضوح وبشكل لاذع عن آراءه تجاه العائلة المالكة. ولكن حينما خاطب نمر النمر الشباب بشكل متكرر بأن يكونوا على إستعداد للموت بالشهادة، حثهم على أن لا يواجهون "الرصاص بالرصاص" ولكن عليهم ان يستخدموا الطرق السلمية. وهو على معرفة أن الشيعة حينما يواجهون الآلة العسكرية للنظام السعودي سيخسرون، لذلك حث على المظاهرات السلمية والعصيان المدني.

في وثيقة من وثائق ويكيليكس، الدبلوماسيين الأمريكان حاولوا السيطرة على دور النمر لكي يكون رجل دين هامشي بدلاً من شخصية قيادية لشباب الشيعة، وقد التقوا به شخصياً لمرة واحدة. كتب المدون الدبلوماسي: "النمر يقيم في العوامية، وهي معروفة على أنها قرية شيعية راديكالية في واحة القطيف، ومعروفة في القطيف من باب المزح والدعابة على أنها الفلوجة الصغيرة". الدبلوماسيين الأمريكان في السعودية يتسائلون لماذا لم يعتقل النمر منذ مدة بما أنه أصبح يشكل حرج متكرر للسلطة، وطالب بإنفصال المنطقة الشرقية عام 2009 . هنالك ثلاثة آراء:

الرأي الأول، هنالك من يؤمن بنظرية التآمر أو المؤامرة حيث يعتقدون أن المتشددين في العائلة الحاكمة، مثل وزير الداخلية السابق الأمير «نايف بن عبدالعزيز» استخدم النمر لتخويف السنة ومعارضة مشروع الملك «عبدالله بن عبد العزيز» لحوار الأديان والتقارب مع الشيعة.

الرأي الثاني: إعتقال النمر سيسبب زيادة حالة الإضطرابات التي لا تريدها الحكومة وتحاول تفاديها. الشيخ نمر أختفى من 2009 إلى 2011، وكان يتواجد فقط في التجمعات الكبيرة، كالجنائز، وفي المسجد الذي يصلي فيه، كل هذه الأماكن يصعب اعتقاله فيها بدون سقوط ضحايا او حدوث إضطرابات.

الرأي الثالث: وثيقة ويكيليكس تتجه للقول أن السلطة سوف تظهر ردة الفعل، ولكن "وفق خطتها وجدولها الزمني" . وفعلت الحكومة ذلك في الثامن من شهر يوليو، وطريقة اعتقال النمر خارج مسجده تشير أنه لن يطلق سراحه في وقت قريب.

وفقاً لوزارة الداخلية  "عندما حاول النمر ومن معه مقاومة رجال الأمن ومبادرته لهم بإطلاق النار والاصطدام بإحدى الدوريات الأمنية أثناء محاولته الهرب، فقد تم التعامل معه بما يقتضيه الموقف والرد عليه بالمثل، والقبض عليه بعد إصابته في فخذه" .

مع ذلك، اعتقاله في هذا الوقت محل تسآئل، بعد سنة ونصف من بدأ المظاهرات في المنطقة الشرقية في فبراير 2011، بالتحديد بعد أن هدأت المظاهرات منذ شهر مارس. الحراك الشبابي الذي أدى إلى تظاهرات كبيرة في المدة مابين شهر نوفمبر 2011 إلى شهر فبراير 2012 الذي سببه مقتل سبعة من الشباب الشيعة الذين تحول تشييعهم إلى أكبر تظاهرات شهدتها البلاد منذ ثورة المنظقة الشرقية عام 1979. يعاني السعوديين الشيعة من سياسة التمييز الطائفي في المملكة، والتي على أيه حال تفتقر إلى حقوق الحريات السياسية الأساسية، وابتهج الشيعة للإستفادة من التغيرات التي حدثت في المنطقة بسبب الربيع العربي.

ولكن فقد المحتجون في المنطقة الشرقية بخار المظاهرات وأصبحت المنطقة في حالة هدوء نسبي لعدة أشهر. الآن، على العكس من ذلك، لدى الشباب الشيعة سبب يجعل الآلاف منهم يخرجوا للشوارع، والمظاهرات الآن في أعلى معدلاتها، والتصعيد حدثت بسبب إعتقال النمر.

مباشرة بعد بعد إعتقاله، اندلعت مظاهرات واسعة في القطيف وقتل اثنين من المتظاهرين بالرصاص، وهما «السيد أكبر الشاخوري» من العوامية و «السيد محمد الفلفل» من الشويكة بالقطيف، وبذلك يصل مجموع القتلى إلى تسعة منذ اندلاع الصراع المشتعل منذ فترة طويلة.

من الذي لديه مصلحة او رغبة في مثل هذا التصعيد؟ اعتقال وإطلاق النار على الشيخ نمر النمر هو بالتأكيد ردا على السؤال عما إذا كان استبدال الأمير نايف بولي العهد الجديد الأمير «سلمان بن عبدالعزيز» وتنصيب وزير الداخلية الجديد الأمير «أحمد بن عبدالعزيز» سيغير موقف الأسرة الحاكمة من الإصلاح السياسي أو تجاه مسألة الشيعة.

وكان الأمير نايف الذي توفي في شهر يونيو في جنيف شخصية متشددة وذو موقف شخصي ضد الشيعة حيث يعتبرهم عنصر اشتباهي ومهدد للأمن، وكان مدافعاً عن سياسة عدم التسامح مع المعارضة والإحتجاجات الشعبية.

ويعتقد الكثير أن نفوذه أدى إلى اتخاذ قرار إرسال قوات سعودية إلى البحرين في مارس عام 2011 لقمع الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية من أجل منع المظاهرات من الامتداد إلى المنطقة الشرقية. والرد على السؤال سيكون بالنفي، حيث وفاته لم تغير من موقف الأسرة الحاكمة، وإعتقال النمر ينظر إليه كتحرك من وزير الداخلية الجديد الأمير أحمد بن عبدالعزيز كتأكيد للموقف المتشدد الداخلي. ولكن أيضاً الشباب الشيعة لم يغيروا من موقفهم. في حين ذهب بعض وجهاء الشيعة لمبايعة ولي العهد الجديد، احتفل آخرون بوفاة الأمير نايف في شوارع القطيف والعوامية مستلهمين ذلك من وحي خطب النمر المحرجة.

في الواقع يملك النمر الكثير من شعبيته بين صفوف الشباب الشيعة، وعلى العكس من ذلك فهنالك الكثير من السعوديين ممن يكنون له الكره. في كثير من الأحيان يتعرض النمر للشتم على شبكات التواصل الاجتماعي كـ"الفيسبوك" و"التويتر" بسبب خطبه التي على مدى السنوات الماضية كسرت كثير من المحرمات السياسية في المملكة العربية السعودية بما فيها الدعوة لسقوط العائلة المالكة. قد يكون بعد ذلك ان أفراد العائلة المالكة الكبار المعينين حديثاً يريدون أن يزيدوا من حدة الضغط على الشيعة بإعتقالهم رجل الدين المثير للجدل مما قد يعزز شعبيتهم بين أهل السنة في أجزاء أخرى من البلاد. ولكن هناك بعد آخر أكثر مدعاة للقلق، أن إعتقال النمر جاء وسط حشد عسكري في الخليج الفارسي وحملة مماثلة لفرض النظام في البحرين.

وفي يوم الإثنين التاسع من يوليو تموز، حكم على الناشط البحريني البارز المدافع عن حقوق الإنسان «نبيل رجب» بالسجن لمدة ثلاثة أشهر بسبب بعض تغريداته في شبكات التواصل الإجتماعي وقد أقتيد من منزلة للسجن على يد ملثمين من قوات الأمن.

ويعتبر رجب من الأصوات القليلة التي تتحدث بشكل علني عن إنتهاكات حقوق الإنسان مطالباً بإصلاح سياسي عميق في مملكة البحرين ولم يعتقل. في الواقع، نظريات المؤامرة التي أحاطت بالنمر هي ذاتها التي تعرض لها نبيل رجب من الحكومة البحرينية حيث اتيح له المجال للتحدث علناً بدون إعتقال وذلك لتخويف السنة، على الرغم من ذلك تعرض رجب لهجمات وترهيب مستمر. أيضاً في التاسع من حزيران الجاري تم حل الجمعية السياسية البحرينية الرسمية "أمل" من قبل السلطة، على الرغم من أنها تعرضت للإبادة حيث معظم قياداتها اعتقلوا منذ العام الماضي. كل من أمل والشيخ نمر يتبعون المرجع الديني العراقي «سماحة آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي» (دام ظله) أخو «السيد هادي المدرسي» الذي اتخذ موقف حازم ضد كل من العائلة الحاكمة في البحرين وفي السعودية.

بالإضافة إلى ذلك، كثفت الولايات المتحدة وجودها العسكري في منطقة الخليج الفارسي، من خلال إرسال سفن حربية إضافية، ووضعت دول الخليج جيوشها في حالة تأهب قصوى في أواخر يونيو حزيران وسط تقارير عن نشر قوات كبيرة في المنطقة الشرقية.

وإسكات الأصوات المعارضة الأكثر جرأة بعد ذلك، يسير جنبا إلى جنب مع الاستعدادات لحرب محتملة، وربما اتخذت أيضا كإجراء وقائي في حال شن هجوم على ايران. في حين أن التهم الموجهة للنمر من قبل السنة بالعمالة لإيران تعتبر مبالغة حيث أنه يرجع في التقليد للمرجع العراقي آية الله السيد محمد تقي المدرسي وليس القائد الإيراني «آية الله السيد علي الخامنئي»، وقد دافع عدة مرات عن إيران وتحدث ضد الحرب على إيران.

وفي هذا السياق، إن النمر على الأرجح سوف يندد بالحرب على إيران ويدعو لمزيد من المظاهرات في المنطقة الشرقية. وقد أصبح النمر مشهوراً في البحرين أيضاً بسبب دفاعة بشراسة عن الثورة البحرينية، وقد رأينا عدة تظاهرات في مختلف القرى البحرينية في الايام القليلة الماضية دعماً للنمر. ويبقى السؤال هل سيتغاضى حلفاء المملكة العربية السعودية وبالخصوص الولايات المتحدة عن هذه الحملة. وقد التقى مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «ديفيد بتريوس» الملك السعودي في جدة في نفس اليوم التاسع من يوليو تموز.

من منظور محلي يعتبر التوقيت غريباً ونتائجه عكسية. الإحتجاجات في المنطقة الشريقة قد توقفت، وبعد سنة ونصف من الحراك اصيب الناشطين الشباب بحالة من خيبة الأمل حيث أنهم لم يحققوا أي من الأهداف السياسية. فقط مقتل عدد من الشهداء وتعبئة عدد معين من الشباب. الآن، ومع ذلك، لديهم الآن معركة صارخة لتعبئة شريحة أخرى من الشباب والمجتمع السعودي. لكن حسابات السعودية والأمن الأمريكي أن وجود النمر خلف القضبان سيوقف الإحتجاجات في نهاية المطاف.

وفوق كل ذلك في حال حصول أي مواجهة في الخليج، قد تم التخلص من شخصية قد تحشد المتظاهرين. الآن من الصعب التنبوء بما سوف تؤول إليه الأمور. ولكن هذا الإعتقال في غير محله، خصوصاً بعد إطلاق النار على رجل الدين في رجله. قد تكون رصاصة واحدة في القدم ستعطي قوة دفع جديدة ليس فقط لحركة الاحتجاجات في شرق المملكة العربية السعودية، ولكن في البحرين أيضاً وقد أظهر الناشطين الشباب أنه حتى مع وجود زعماء المعارضة الأبرز في السجن، يمكنهم تحمل تنظيم المظاهرات، وعادوا على نحو متزايد إلى تكتيكات ما قبل عام 2011 من قتال الشوارع مع الشرطة. يبدو أن ذلك نهايةً غريبٌ أن لا يحصل في المنطقة الشرقية والنمر في السجن.

................

انتهی/212