ابنا: لكن المعطيات الواضحة وخصوصاً السياسة المتناقضة المتبعة والتدخل السعودي في التحولات الجارية في العالم العربي وخصوصاً في البحرين وسوريا تشير إلى أنه في الظروف الحالية يعتقد الزعماء السعوديين أن استمرارهم في اتباع هذه السياسات لا يخدم مصالحهم الاستراتيجية. فالمسير المتنامي لدور ومكانة إيران على مستوى منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً بعد أحداث 11أيلول، يعد من أهم الأسباب التي أدت إلى هذا التحول في سياسات آل سعود، ويعتقد المسؤولين السعوديين أن احتلال أمريكا لأفغانستان والعراق أدى إلى إسقاط أنظمة كانت معادية لإيران وأوجدت فرصة ملائمة لمد النفوذ الإيراني لهاتين الدولتين، وقد أدى احتلال هذين البلدين إلى إخراجهما من حلقة العداء لإيران وإيجاد مناخ مناسب لتعزز إيران من قدرتها وتبسط نفوذها في ساحات هاتين الدولتين.كما تغيرت معادلة توازن القوى في المنطقة على عكس ما ترغب به السعودية وأغلب الدول العربية، حيث أن وصول نوري المالكي إلى السلطة في العراق والانتصارات التي حققها حزب الله في لبنان سرّع من وتيرة تنامي قوة إيران في المنطقة.
وقد أظهر المسؤولون السعوديون بطرحهم قضايا مثل الهلال الشيعي أنهم غير راضيين عن الظروف والمعطيات التي وجدت بعد أحداث 11 أيلول، ولم يجدوا طريقة لإعلان امتعاضهم سوى تفعيل سياستهم القديمة لإثبات وجودهم على الساحة ولعلها تعيد ترتيب معادلة توازن القوى في المنطقة على ما كانت عليه في السابق، فوجد السعوديين أن التحولات الأخيرة الحاصلة في العالم العربي تشكل فرصة لاختبار سياستهم الجديدة حيث تظهر السياسة العملياتية للمسؤولين السعوديين نسبةً بأحداث العالم العربي وخصوصاً بما يتعلق بمصر والبحرين وسوريا أن المملكة تسعى للعب دور أكثر فعالية في المنطقة بهدف تغيير موازين القوى التي خسرتها السعودية. لذلك فإن تغير موازين القوى في المنطقة لصالح إيران وحلفائها من أهم العوامل التي أدت إلى تغيير سياسة السعودية بشكل كامل، من جهة أخرى شكلت الأحداث والثورات العربية ساحة اختبار لسياسة السعودية الجديدة. استعراض هذه السياسات المتبعة اتجاه الدول التي تجري فيها أحداث وثورات يظهر هذا الأمر جيداً.
مثال ذلك استخدمت السعودية كل الوسائل والامكانيات في البحرين على عكس سياسة النأي بالنفس التي كانت تتبعها من قبل وانتهجت سياسة رسمية وعلنية للحفاظ على الوضع القائم في البحرين، فقامت السعودية بإرسال قوات عسكرية وأمنية تحت عنوان قوات درع الجزيرة إلى البحرين لقمع الشعب. حيث أنها لا تستطيع بأي شكل من الأشكال تحمل سقوط أحد الأنظمة الحليفة لها في المنطقة، فاستخدمت كل الوسائل المتاحة حتى أنها لجئت إلى استخدام القوات الأمنية والعسكرية لتمنع التغيير الذي يبدو أنه يمضي قدماً ضد مصلحة آل سعود، لكن في سوريا الأوضاع مختلفة كلياً، يدرك المسؤولون السعوديون جيداً أن سقوط حكومة الرئيس بشار الأسد إلى أي حد يمكن أن يعيد شيئاً من توازن القوى التي فقدتها السعودية، في سوريا اتبعت السعودية سياسة مختلفة على عكس سياستها التقليدية سياسة الاعتدال والمحافظة على الأوضاع القائمة والابتعاد عن السياسات التي ينتج عنها تبعات.
كان من جملة هذه السياسات والإجراءات التي تبنتها المملكة تقديم الدعم للقوى المعارضة في الداخل، إرسال أسلحة ومعدات عسكرية ، السعي لإقناع العالم بالاعتراف بالقوى المعارضة على الصعيد الدولي والتدخل السافر والعلني في الشؤون الداخلية السورية.
هذه التطورات تظهر بوضوح السياسة الخارجية الجديدة للسعودية المتأثرة بالتحولات الجارية خلال العقد الماضي في منطقة الشرق الأوسط، ويعتقد السعوديين أن سياستهم الجديدة ستؤمن مصالحهم بشكل كامل مع وجود احتمال أن تصب هذه السياسات في مصلحة السعودية خلال مدة قصيرة، لكن خلال مدة زمنية ليست طويلة ستتغير المعطيات الموجودة بشكل فعلي حقيقي لتتحول إلى معطيات صعبة ستواجه السعودية، إذ يعتقد السعوديون أن تبني مثل هذه السياسات سيضّاعف من قوة ووزن المملكة في الشرق الأوسط و مسير الاحداث والتحولات سيمضي بشكل سيجعل النتائج تصب في مصلحة الدول العربية المنقادة من قبل السعودية حيث يعتقدون أن التغيير في الدول التي تتحالف مع إيران سيؤدي إلى إضعاف محور المقاومة وسوف يعزز قوة التيارات المحافظة التي تقودها السعودية ، في المقابل منع قيام أي تغيير في الدول الحليفة للسعودية كالبحرين وحرمان الشعب البحريني من الحصول على حقوقه سيؤدي إلى تعزيز موقع إيران في هذا البلد، وفي الواقع ربما تعود هذه السياسة خلال مدة قصيرة بالنفع على السعودية، لكن مع مرور الوقت يمكن أن توجد لها مشكلات، فسياستها المؤثرة والهجومية اتجاه المنطقة يمكن أن تشكل خطراً كبيراً عليها، على أي حال تواجه السعودية إلى حد ما المشكلات نفسها التي أدت إلى التغيير في ليبيا، تونس، مصر، اليمن، وظهور حراك شعبي ومطالبات في سوريا والبحرين.
النظام السياسي للمملكة مثل باقي أنظمة الدول العربية يتم ادارته بشكل شخصي ويحكم بواسطة النظام القبلي وعلى عكس إرادات الشعوب، ومن الجانب الاجتماعي والديني أيضاً تتصاعد موجة الانتقادات من قبل الشعب السعودي على الوضع القائم في هذا البلد، كما أن السعودية مثل أغلب الدول العربية فيها أقليات دينية محرومة من أبسط الحقوق السياسية والدينية لذلك هناك احتمال لامتداد وتوسع الموجة المحدودة للمعارضات والحراك الشعبي في هذا البلد، لأنه سيتأثر بالمسير المتصاعد لنجاح التحولات في الدول العربية وسوف يؤدي هذا إلى تصعيد السياسة الهجومية وسياسة التدخل السعودي أيضاً، وعلى ما يبدو أن السعودية تسعى بكل قواها لتخلق معادلة توزان قوى في المنطقة تكون الكفة الراجحة لها وليس لإيران، ويبدو هذا جلياً في السياسات المتناقضة للمملكة إزاء ما يحصل في البحرين وسوريا، كما أن السعودية تواجه مشكلات كبيرة وعميقة في الداخل.
سيحمل الخط الذي سينقل رياح التغيير العديد من الأزمات والمشكلات من الخارج إلى الداخل إلى عقر مملكة آل سعود، في النتيجة نستنتج أن تحول سياسات السعودية المعتدلة والتي كانت تنشد النأي بالنفس عن توترات المنطقة باتجاه سياسة التدخل ودخول لعبة الكبار، يعتبر أحد العوامل التي تزيد من حدة التوتر في منطقتنا وسوف تؤدي إلى أن تواجه المملكة وباقي الدول في المنطقة توترات أكبر وأزمات داخلية أكثر أيضاً.
............................
انتهی/182