ثمة أسباب عدیدة تدفعنا بإتجاه دراسة حیاة الائمة الإثني عشر(ع) أبرزها لکون أنهم الذین تشکلت علی أیدیهم وجهودهم هذه الحرکة الإسلامیة العملاقة التي نشهدها، وتواصل نماءها و إتساعها لحد الآن، و لأنهم الذین أرسوا منهجها و أقاموا بنیانها.
و علی ذلک فأفضل نتیجة یمکن أن تعیننا علی رسم واقع أفضل لحیاتنا الإسلامیة المعاصرة انما تتم عبر القراءةالجادة و الدقیقة لحیاة الذین أسسوها، و بالنظر إلی طریقة عملهم التي أدت إلی تحقیق کامل الأهداف و الغایات التي من أجلها انطلقت رسالة الإسلام العزیز، والی ما وصل إلیه من قوة و عظمة و شموخ.
وهناک ضرورات أخری عدیدة تدفعنا بلزوم البحث و التدقیق في مسیرة«الإسلام» منذ النشوء مرورا بالتطورات المتلاحقة التي مرَت بها خلال عهد الرسول الأکرم (ص)، و حتی حیاة کل واحد من الأئمة المعصومین (ع) و أبرزها:
أولا: الضرورة الشرعیة:
هناک العدید من الآیات القرآنیة المجیدة ، و الأحادیث الشریفة تدعونا إلی ضرورة قراءة التاریخ لمعرفة السنن الآلهیة الحاکمة في حیاة البشر، و الإستفادة منها في حیاتنا العلمیة علاوة علی ذلک فإن الإسلام متمثلا في حیاة من أقاموا و أسسوا بنیانه أکثر أهمیة بالنسبة إلینا کأصحاب إهتمام بقضایا الإسلام و حاکمیته علی الأرض.
کما أننا مأمورون شرعا بالتأسي بالرسول و عترته الطاهرة علیه و علیهم افضل الصلاة و السلام، یقول عز من قال: { لقد کان لکم في رسول الله أسوة حسنة } الأحزاب/ 21.
و في الحدیث المتواتر عن رسول الله (ص) أنه قال: ( إنی تارک فیکم الثقلین؛ کتاب الله و عترتي أهل بیتي ، ما أن تمسکتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا حتی یردا علي الحوض).
ثانیا: الضرورة الحضاریة:
سنوات التراجع و التخلف التي عاشتها الأمة الإسلامیة إنما کانت بسبب النظرة الخاطئة إلی « الإسلام » حیث کان ولفترة قصیرة من إستعادته نشاطه و حیویته، مجرد طقوس عبادیة حاکمة علی سلوکیات الإنسان المسلم بینه و بین ربه، بعیدا عن کونه فکر حضارة و تقدم یلامس کل الحیاة بمفرداتها المختلفة.
و عودة الإسلام الحضاري، یوجب علینا إعادة النظر في فهمنا لمنهجه و یدعونا لصیاغته من جدید لنتصوره بلبه وأبعاده الحضاریة في الحیاة بالذات و أن الثقافة التي نحملها عن تاریخ « الإسلام » تتلخص في قسم کبیر منها بمعرفتنا المحدودة بالجانب الإعجازي من حیاة روادها و قادتها الأئمة المعصومین (ع) و کیف أنهم یصلون اللیلة الواحدة ألف رکعة و یقرأون ختم القرآن في نهار واحد، لکننا لا نعرف بالشکل المطلوب منهجهم العام في الحیاة و الصراع، و کیف أنهم (ع) تصرفوا في مجابهة أحلک الظروف التي مرَوا بها و کیف نهضوا بأعباء نشر رسالة الإسلام أیام النکسات و الهزائم، و ما هي بصورة مجملة أسالیبهم في العمل و التحرک؟
و هذا یدعونا بالطبع إلی إعادة کتابة التاریخ المشرق لحیاة الأئمة (ع)، من أجل ان نستخرج من دراستنا لحیاتهم المنهج الذي إتبعوه في مسیرة البناء الحضاري للأمة الذي نرمي مواصلته و تحقیقه الآن في حیاتنا المعاصرة.
ثالثا: الضرورة الأخلاقیة؟
لا شک أن من أهم أسرار تفوق الأمم و المجتمعات تکمن في عنصر الأخلاقیات و حینما تتراجع الأمة عن أخلاقیاتها تجر نفسها الی الهاویة، و لکي تنهض منها لابد من إستعادة هذا العنصر الهام من مقومات نجاح أیة حضارة و انتصار أیة أمة.
و کمسلمین فإننا نملک تاریخا ثريا بعظمته، و حرام علینا أن ننفصل عنه و نصبح حلقات مفککة، تائهة، مفرغة في عصر یستمد جذوره و أصالته من تاریخه الماضي، بل لامبرر لوجودنا الیوم سوی أنا متصلون برسالة الإسلام التي جاء بها الرسول الأعظم (ص ) قبل ألف و أربعمائة و نیف من السنوات. و لابد هنا من تعمیق هذا الإتصال و عکس ایقاعاته في حیاتنا المعاصرة و تجدید الروح التي کانت في أیامه تلک، کأخلاقیات الدفاع عن المظلوم، و النهضة إلی نجدته، و التکاتف و الترابط و ما الی ذلک، لتعود إلی حیاتنا روح القیم و المبادیء الرسالیة، و حامتیة الأخلاق و المثل الإسلامیة الرفیعة ، التي عاشها المسلمون الأوائل، تلک الأخلاقیات من العوامل المهمة للرجوع إلی دراسة تاریخ الأئمة (ع) و التأمل في معطیاته، لرسم خارطة مستقبلنا کأمة و حضارة.
رابعا: الضرورة الواقعیة:
واقع الحال الیوم بالنسبة إلینا کمسلمین، و التطلع الجامح الذي نحمله للأمة و الحضارة الإسلامیة یؤکد لزوم الرجوع إلی حیاة الأئمة (ع) و استلهام البصیرة و العبرة لتدمنا و نجاحنا.
إننا نعیش واقعا مرا من کافة جوانبه وأبعاده، في الثقافة، الإقتصاد، السیاسة، الإجتماع، الأمن، و کافة أشکال الصراع الذي تخوضه ضدنا أدوات المصلحیون و النفعویون في أنحاء المعمورة.
و لدینا شغف، و توق بالغ لأن نتجاوز هذا الواقع بما یضمن سلامة انتهائنا للإسلام، و یحفظ هویتنا الإسلامیة. ففي خضم التطورات المتسارعة في صراعنا الراهن ربما تضیع بعض القوة التي نتمتع بها ذا بإسلامنا العزیز، و لکن بتأصیلنا لهذا من صمیم الإسلام و تاریخه المجید، یفوَت الفرصة علی أعدائنا تمریر خططهم اللئیمة لضرب «الإسلام» و یتیح الفرصة لنا بشکل أکبر لکي نواصل مسیرة انتشارة في کافة ربوع الأرض.
و من هنا فالضرورة الواقعیة من العوامل المهمة الأخری التي تدفعنا باتجاه دراسة تاریخ الائمة (ع).
خامسا: الضرورة التاریخیة:
کما ان واقع الحال بالنسبة لتاریخ الأئمة (ع) في التحرک: فبرزت في هذا التاریخ مسائل عدیدة و نقاشات مطولة حول تعدد زوجات الرسول الأکرم (ص) و تواریخ الولادة و الوفاة للأئمة المعصومین(ع)، بل اسم و لون الفرس الذي امتطاه الإمام الحسین بن علي (ع)، في موقعة کربلاء، بینما اغفلت الکثیر من القضایا الجوهریة الهامة في حیاة الرسول (ص) و الائمة.
و لکي یطلع المسلمون خاصة علی جزء متواضع من تلک المسائل الجوهریة، لا بد من تناول ذلک التاریخ بروح حضاریة مسؤولة ترتقي و المستوی الذي کانت علیه رسالة الإسلام من قبل.
إن من أهم أسباب بروز هذا التاریخ المزیف لتاریخ الائمة المعصومین (ع). غیاب الدور الأمین لتدوین هذا التاریخ بغیاب الأقلام الرسالیة المخلصة. فانشغالات کل الرسالیین علی مر العصور بأداء أدوارهم المطلوبة علی مسرح الحیاة أدی إلی ایجاد نقص حاد في الکتابات الرسالیة المخلصة عن التاریخ .
وفضلا عن غیاب الأقلام الرسالیة لتدوین تاریخهم الذي اختطوه، وجود هجوم مصلحي مضاد لرسالة الإسلام، یستهدف تزویر الحقائق فیه و طمس معالمه الأساسیة. وقد نجحت إلی حد بعید أقلام البلاط في تدوین التاریخ کما أرادوه، ساعدهم في ذلک الإعتداءات المتواصلة التي قام بها مناوءوا الإسلام ضد تراثه وکذا قلة و ندرة الکتب التي دونها الرسالیون المخلصون في هذا الجانب.
فرغم کل العطاءات و الإنجازات الهائلة التي حققها المسلمون