ابنا: البحث عن منابع الایمان له مناهل عدیدة لا تحصی ولاتعد لكن الغور عن جواهر الایمان ودرره له معاني عظیمة في نفوسنا نحو آل الرسول (ص) ولاسیما من كانت بعضة منه ألا وهي فاطمة الزهراء علیها السلام. ولدت في بیت النبوة والرسالة ومهبط الوحي فهكذا تأدبت بأدب أبیها الرسول (ص) الذي أدبه ربّه فأحسن تأدیبه وكانت سیدتنا فاطمة الزهراء علیها السلام المثل الأعلی من الخلق الكریم والطبع السلیم.
تناولت في هذا البحث جانباً من الجوانب العدیدة التي اختصت بها السیدة فاطمة الزهراء علیها السلام وهو الشعر. فمن أهم أشعارها هو الرثاء وهي راثیة للنبي (ص) ومفجوعة بمصیبتها من ناحیة ومغصوبة الحق من الناحیة الأخری. فأنشدت الأشعار لا للرثاء فحسب بل تستهدف بهذه الاشعار غایة أهم من الرثاء فهذه ترثي النبي (ص) وهي تدافع عن الولاء أو تبین القضایا في غصب الخلافة وهتك حرمة آل بیت الرسول (ص).
شعرها علیها السلام:
جلّ الشعر الذي ذكره أهل السیر للزهراء (ع) هو في رثاء الرسول الاعظم (ص) وحق لها أن ترثیه فیه مضافاً لما عانته من ألم الفاجعة شدة المصیبة، تشاهد إنحراف الامة وإنقلابها الذي أشار الیه القرآن الكریم في سورة ال عمران أية 144مسبقا: (وما محمد إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علی أعقابكم ومن ینقلب علی عقبیه فلن یضرّ الله شیئا وسیجزي الله الشاكرین) وحتی بكاؤها(ع) الذي ضجر منه أهل المدینة كان للآمرين معاً ولعل انقلاب الأمة وانحرافها كان قد أوجع قلبها وأجری مدامعها.
وجدت لفاطمة الزهراء تسع عشرة قطعة شعریة، تناولت فیها مختلف الاغراض، فكان أكثرها أي أربع عشر منها في رثاء النبي (ص)، اثنتان في ترقیص ابنیها (ع) وثلاث منها في إنفاقهم (ع) المسكین والاسیر والیتیم1.
كانت ألفاظها سهلة بسیطة مأنوسة، یمكن أن یفهمها كل قاريء علی مر العصور، خالیة من الغریب وحوشيّ الكلام. أسلوبها سلس رقیق، یهزّ المشاعر لعظم هول ما تناولته في رثاء النبي (ص) أو التضرع الی الله تعالی ورجاء رضاه.
تقول لیلی الحیالي: " ومن الخیر ما یمثل شعر العاطفة الخاصة المعبرة عن شعور الشخص، قصیدة السیدة فاطمة (ع) فهي تقطر أسیً وحزناً وتتفجّر عاطفة ولوعة، فكلّ بیت فیها لا یقطر دمعاً بل دماً فالحزن یجري في قلبها وفؤادها ویتمثل في حركاتها وسكناتها، بل في كل بیت من قصیدتها في رثاء النبي (ص)2.
1 یقول الشیخ المفید 3: "قالت زینب بنت علي بن أبي طالب(ع):
لما اجتمع رأي أبي بكر علی منع فاطمة الزهراء علیها السلام فدك والعوالي وأیست من أجابته لها عدلت الی قبر أبیها رسول الله (ص) فألقت نفسها علیه وشكت الیه ما فعله القوم بها وبكت حتی بلّت تربته (ع) بدموعها وندبته ثم قالت في آخر ندبتها:
قدكان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخُطَب4
إنا فقدناك فقد الارض وابلها واختلّ قومك فاشهدهم فقد نكبوا5
قد كان جبریل بالآیات یؤنسنا فغبت عنّا فكل الخیر محتجب
فكنت بدراً ونوراً یستضاء به علیك ینزل من ذي العزّة الكتب
تجهّمتنا رجال واستخفّ بنا بعد النبي وكل الخیر مغتصب
سیعلم المتولي ظلم حامتنا یوم القیامة أنی سوف ینقلب6
فقد لقینا الّذي لم یلقه أحد من البریة لا عجم ولاعرب
فسوف نبكیك ما عشنا ومابقیت لنا العیون بتهمال له سكب7
2
اغبرّ آفاق السماء وكوّرت شمسُ النهار وأظلم العصران8
فالأرض من بعد النبي كئیبة أسفا علیه كثیرة الرّجفان 9
فلیبكه شرق العباد وغربها ولیبكه مضر وكلُّ یمان10
ولیبكه الطُّورُ المعظَّم جوّه والبیتُ ذوالأستار والأركان 11
یا خاتم الرّسل المبارك ضؤوه صلّی علیك منزِّل الفرقان12
3
إذا مات قرمٌ قلَّ والله ذكره وذكرُ أبي مذ مات والله أزید13
تذكرتُ لمّا فرّق الموت بیننا فعزَّیتُ نفسي بالنبي محمد
فقلت لها إنّ الممات سبیلنا ومن لم یمت في یومه مات في غد14
4
قل للمغیب تحت أطباق الثری إن كنت تسمع صرختي وندائیا
صبّت عليّ مصائب لو أنها صبّت علی الأیام صرنَ لیالیا
قد كنت ذات حمیً بظل محمد لا أخشی من ضیم وكان جمالیا
فالیوم أخشع للذلیل وأتقی ضیمي وأدفع ظالمي بردائیا
فاذا بكت قمریة في لیلها شجناً علی غصیٍ بكیت صباحیا
فلأجعلنّ الحزن بعدك مؤنسي ولأجعلنّ الدفع فیك وشاحیا15
ماذا ع