وکالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا_
محنة فاطمة الزهراء (ع)
عاشت الصّديقة فاطمة الزهراء(ع)المحن تلو المحن طبقاً للسنن الإلهية ومنها سنة الإبتلاء فالله سبحانه وتعالى يبلتي عباده الصالحين بالمحن.
قال الامام جعفر الصادق(ع): «إنّ اشدّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الذين يلونهم، ثم الأمثل فالأمثل»([1]).
فقد عاشت ممتحنة منذ صغرها حينما رأت اشتداد هجمة المشركين على رسول الله (ص) بعد فقدان حاميه أبي طالب وفقدان أمّها خديجة الكبرى بعد الحصار والمقاطعة الشاملة، وعاشت محنة الأذى والملاحقة التي تعرّض لها رسول الله (ص) في المرحلة المكية.
وعاشت مع والدها وزوجها في المدينة وهو يجاهد الكفّار من قريش والكفار من مشركي أهل الكتاب، وعاشت في ظروف تآمر المنافقين على والدها وزوجها، وبقيت تواجه المحن تلو المحن، وكان أشدها وطأة رحيل رسول الله (ص) بعد أن اختتمت المحن بالتمرد على أوامر وتوجيهات رسول الله (ص) ، فحينما أمر رسول الله (ص) أصحابه بتجهيز جيش اسامة، طعن بعضهم بهذا الأمر، ثم تخلفوا عن الالتحاق بجيشه حتى غضب رسول الله (ص) وقال: «جهّزوا جيش إسامة، لعن الله من تخلّف عنه»([2]).
وفي مرض رسول الله (ص) الذي توفي فيه بعد اشتداد وجعه قال: «إئتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً».
فتنازعوا وقال بعضهم «هجر رسول الله»([3]).
وفي رواية قال عمر بن الخطاب: «إنّ النبي غلب عليه الوجع، وعندنا كتاب الله حسبنا» فاختلفوا وكثر اللغط([4]).
فلما أكثروا اللّغط واللّغو والاختلاف; غضب رسول الله (ص) فقال: «قوموا إنّه لا ينبغي لنبيّ أن يختلف عنده هكذا»([5]).
فقد عاشت محنة اتهام رسول الله بالهجر، ومحنة التمرد على أوامره وعصيانه في كتابة الكتاب الذي يحصّنهم من الضلالة الأبدية، وهي محنة ليست بالهيّنة، وقد فهمت أسباب تخلّي رسول الله (ص) عن الكتابة لئلا تؤدي تهمة الهجر الى التشكيك في قضايا أساسية تتعلق بالعقيدة والشريعة في المراحل اللاحقة لرسول الله (ص) .
وبدأت الأحزان تنتابها (ع) بعد أن أحست بدنو أجل والدها (ص) ، فقد روي انه (ص) قال لها: «إنّ جبرئيل (ع) كان يعارضني بالقرآن في كلّ عام مرّة، وأنه عارضني به العام مرتين، ولا أراه إلا قد حضر أجلي، وأنك أوّل أهل بيتي لحوقاً بي، ونعم السلف أنا لك... ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الأمة»([6]).
وبرحيل رسول الله (ص) فقدت الزهراء (ع) والدها الذي يمثل الرسالة فانتابتها الأحزان «فما رئيت ضاحكة بعده»([7]).
وحينما انشغل الامام علي (ع) وبنو هاشم ومعهم بعض الصحابة بتجهيز جثمان النبي (ص) تسارع جمع من المهاجرين والأنصار الى سقيفة بني ساعدة، وتنافسوا على الخلافة وتمخض الصراع على إختيار أبي بكر خليفة.
وكان عامة المهاجرين والأنصار لم يشكوا بأنّ علياً هو صاحب الأمر بعد رسول الله (ص) على حد تعبير ابن إسحاق([8]).
وقد رفض الامام علي (ع) نتائج السقيفة ورفض البيعة ومعه فاطمة (ع) للأسباب التالية:
1 ـ وصايا رسول الله (ص) له بالخلافة من بعده في مواضع عديدة.
2 ـ إعلان الخلافة في يوم الغدير في حجة الوداع، وكان ضمن المهنئين للامام علي (ع) بالخلافة أو الولاية أبو بكر وعمر حيث قال له أبو بكر: «أمسيت ياابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة»([9]).
وقال له عمر بن الخطاب: «بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مسلم»([10]).
3 ـ إحتج أبو بكر وعمر على الأنصار بالقرابة من رسول الله (ص) وكان الامام (ع) أقرب منهم الى رسول الله (ص).
4 ـ احتج أبوبكر وعمر بالشورى، وكان أغلب المؤهلين للشورى غائبين.
5 ـ عدم إختيار الأفضل ـ لو تنزلنا عن النصّ ـ وهو الامام علي (ع).
ولم يترك الخليفة الامام عليا (ع) دون ان يبايع فقد بعث اليه قوة لاكراهه على البيعة.
وقد اعترف الخليفة ابو بكرفي مرض موته بتفتيش بيت فاطمة(ع) قائلا : «ما آسى إلا على ثلاث خصال صنعتها ليتني لم أكن صنعتها ، وثلاث لم أصنعها ليتني كنت صنعتها ، وثلاث ليتني كنت سألت رسول الله عنها:
فأما الثلاث التي صنعتها... وليتني لم أفتش بيت فاطمة بنت رسول الله وأدخله الرجال ولو كان أغلق على حرب...»[11].
وورد في كتب التاريخ:إن أبابكر أخبر بقوم تخلفوا، عن بيعته عند علي، فبعث إليهم عمر بن الخطاب، فجاء فناداهم وهم في دار علي وأبوا أن يخرجوا، فدعا عمر بالحطب فقال: «والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها عليكم على ما فيها فقيل له : يا أبا حفص إن فيها فاطمة، فقال : وإن»([12]) !!.
خطاب فاطمة (ع) في المسجد النبوي
دخلت فاطمة (ع) على أبي بكر وهو في حشد من المهاجرين والأنصار وغيرهم، فنيطت دونها ملاءة، ثمّ أنت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، وارتجّ المجلس، ثمّ أمهلت هنيئة حتّى إذا سكن نشيج القوم وهدأت فورتهم، افتتحت كلامها بالحمد لله عزّ وجلّ والثناء عليه والصلاة على رسول الله (ص)، ثمّ قالت: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنّتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم} فإنْ تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم».
إلى أن قالت: «وكنتم على شفا حفرة من النار، حتّى أنقذكم الله برسوله| بعد اللتيا والتي، وبعد أن مني بهم الرجال وذؤبان العرب ومردة أهل الكتاب، وكلما اوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان، أو فغرت فاغرة قذف أخاه في لهواتها، ولا ينكفي حتّى يطأ صماخها بأخمصه ويطفئ عادية لهيبها بسيفه، مكدوراً في ذات الله، وانتم في رفاهية فكونوا آمنون وادعون».
وفي رواية اخرى: «حتّى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه، ظهرت حسيكة النفاق، وشمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خال الاَفكين، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه صارخاً بكم، فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين، ولقربه متلاحظين... بئس للظالمين بدلاً...»([13]).
وفي رواية عبد الله بن حسن بن الحسن (ع): «... نحن وسيلته في خلقه، ونحن خاصته ومحل قدسه، ونحن حجته في غيبه، ونحن ورثة أنبيائه...»([14]).
واستمرت تبيّن عمق المؤامرة على أهل البيت (عليهم السلام) ومما قالته في ذلك : «وما الذي نقموا من أبي حسن، نقموا والله نكير سيفه وشدّة وطأته ونكال وقعته، وتنمره في ذات الله، وتالله لو كافّوا عن زمام نبذه إليه رسول الله (ص) لاعتلقه، ولسار إليهم سيراً سجحا... ولفتحت عليهم بركات من السماء والأرض... استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل...
أما لعمر الله لقد لقحت فنظرةٌ ريثما تُحلب ثمّ احتلبوها طلاع القعب دماً عبيطاً هنالك يخسر المبطلون و يعرف التالون غبّ ما أسّس الأوّلون ثمّ طيبوا عن أنفسكم نفساً وابشروا بسيف صارم وهرج شامل واستبداد من الظالمين يدع فيأكم زهيداً وجمعكم حصيداً فيا حسرة عليكم»([15]).
في هذه الخطبة بينت فاطمة الزهراء (ع) دور أهل البيت (عليهم السلام) في الحياة الإنسانية والإسلامية، وهو دور القدوة والحجة، ولهم دور الإمامة والقيادة، وهم خلفاء الله تعالى في أرضه وعباده، وبيّنت دور أمير المؤمنين (ع) وهو دور الإمامة والخلافة، وبيّنت فضائله ابتداءً بالمؤاخاة بينه وبين رسول الله | ودوره في انتصارات رسول الله |، ثمّ بينت الإنقلاب الطارئ بعد رحيله (ص)، والأسباب والدوافع التي ساهمت في إزاحة الإمام علي (ع) عن الخلافة.
وهي (ع) قد طالبت بفدك كوسيلة لإثبات الحق، فقد كانت خطبتها بالأساس بسبب أخذ فدك ولكنها تحدثت عن دور أهل البيت (عليهم السلام) وعن واقع المسلمين بعد رحيل رسول الله (ص) ، لتصبح فدك وسيلة لتبيان مظلومية أهل البيت (عليهم السلام).
حزن فاطمة (ع) المتواصل
تكالبت عوامل الحزن على فاطمة (ع) فلم تفارقها، وأصبح الألم والأسى وذرف الدموع مرافقاً لها من حين وفاة رسول الله صلى الله عليه واله إلى حين ارتحالها إلى الرفيق الأعلى.
فقد حزنت على رسول الله (ص) وانقطاع الوحي، وعلى ما طرأ على الرسالة من تشويه وتزييف وتحريف، وإلى اتّفاق الأكثريّة على إقصاء عليّ (ع) من منصبه، حقداً وحسداً وخوفاً من عدالته وشدّته في ذات الله، ونفاقاً من بعضهم، والتظافر على هضمها واغتصاب حقوقها مع قلّة المأساة التي عاشتها بالقول:
«اللهمّ الحق روحي بروحه، واشفعني بالنظر إلى وجهه، ولا تحرمني أمره وشفاعته يوم القيامة»، وأخذت تربةً من تراب قبر رسول الله | فشمّتها ثمّ أنشأت تقول:
ماذا على مَنْ شمَّ تُربةَ أحمدٍ أنْ لا يَشمَّ مدى الزمانِ غواليا
صُبَّت عليَّ مصائبٌ لو أنّها صُبَّت على الأيامِ صِرن لَياليا([16])
وقد تقدّمت الرواية من أنّها لم تُرَ ضاحكة بعد رسول الله صلى الله عليه واله.
في ذات مرّة طلبت من بلال أن يؤذِّن – وقد امتنع من الأذان بعد رسول الله (ص) - فاستجاب لها، فلمّا بلغ قوله: أشهد أنّ محمّداً رسول الله شهقت فاطمة وسقطت على وجهها وغشي عليها([17]).
وكانت تبكي أباها ليلاً ونهاراً، فقال لها عليّ (ع): إنّ شيوخ المدينة يسألونني أن أسألك إمّأ أن تبكي أباك ليلاً أو تبكيه نهاراً.
فقالت: يا أبا الحسن، ما أقلّ مكثي بينهم، وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم!
فبنى لها بيتاً خلف البقيع وسمّاه (بيت الأحزان)، فإذا أصبحت قَدَّمت الحسن والحسين (ص) أمامها وخرجت إليه، وهي تمرّ على البقيع باكيةً([18])، فإذا جاء الليل أقبل عليّ (ع) ورافقها إلى منزلها.
وكان لبكائها دور كبير في كشف الواقع المنحرف الذي عاشته(ع).
وكانت الزهراء (ع) تقول: «ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم»([19]).
وبقي بيت الزهراء (ع) مقراً للرافضين للبيعة يخططون لاعادة الخلافة الى الامام علي (ع) امّا اعتماداً على وصية رسول الله (ص) أو اعتماداً على مفهوم ت