وكالة أهل البيت (ع) للأنباء _ ابنا_
ولدت الصديقة فاطمة الزهراء (ع) في مكة المكرمة وقد اختلف في تاريخ ولادتها.
فقيل: أنها ولدت قبل البعثة النبوية الشريفة بخمس سنين([1]).
وقيل: انّها ولدت بعد البعثة بسنة واحدة([2]).
وروي عن الامام جعفر الصادق (ع) انه قال: «ولدت فاطمة في جمادى الآخرة يوم العشرين سنة خمس وأربعين من مولد النبي (ص)، فأقامت بمكة ثمان سنين، وبالمدينة عشر سنين»([3]).
وهو الرأي المشهور عند الامامية من أنها ولدت في يوم الجمعة في العشرين من جمادى الآخرة في السنة الخامسة من البعثة.
وقد انحدرت الزهراء (ع) من أسرة عريقة النسب فأبوها رسول الله (ص) وهو غني عن التعريف، وامّها خديجة بنت خويلد التي انحدرت من اسرة عريقة النسب متمسكة بدين إبراهيم (ع)، فابوها خويلد نازع تبّعاً ملك اليمن حين أراد أخذ الحجر الأسود الى اليمن([4]).
وكان جدّها أسد بن عبدالعزّى أحد الناشطين والفاعلين في حلف الفضول الذين تعاقدوا وتعاهدوا فيه على نصرة المظلوم ورد مظلمته، وكان ابن عمها ورقة بن نوفل قد تتبّع الكتب السماوية وقيل: انه كان نصرانياً، وقد صرّح بانتظاره لنبيّ هذا زمانه، وكان ينتظر ظهوره بشوق ويقول: «متى متى؟»([5]) .
وكانت خديجة (ع) كما يقول المحدثون: «أوسط نساء قريش نسباً وأعظمها شرفاً»([6]).
وكانت تسمّى قبل البعثة بالطاهرة([7]).
وكانت تتفاعل مع الأخبار التي تبشر بظهور نبيّ في ذلك الوقت، فقد روي: انّ نساء أهل مكة اجتمعت في عيد لهنّ في الجاهلية، فتمثّل لهنّ رجل، فلما قرب نادى بأعلى صوته يا نساء مكة انه سيكون في بلدكنّ نبي يقال له: أحمد، فمن استطاع منكنّ أن تكون زوجاً له فلتفعل، فحصبنه إلا خديجة، فانها عضت على قوله، ولم تعرض له([8]).
زواج رسول الله (ص) من خديجة (ع)
بزواج رسول الله (ص) من خديجة (ع) تكونت الاُسرة النبوية من شخصيتين عظيمتين، فقد كانا من الموحّدين لله تعالى ومن الرافضين لقيم الجاهلية، إضافة الى مزاياهما الصالحة، فرسول الله (ص) يسمّى بالصادق الأمين، وخديجة تسمّى بالطاهرة، ولم تقترن برسول الله (ص) رغبة في مال أو شيء من حطام الدنيا، وانّما لخصائصه الحميدة.
وكان زواجهما قبل البعثة بخمسة عشر عاماً، وكانت ترى في رسول لله (ص) خصائص فريدة.
فتهيأت للصديقة الزهراء (ع) أفضل بيئة اجتماعية صالحة، منذ نشأتها الأولى، فقد روى: إنّ رسول الله (ص) قال: «أتاني جبرئيل (ع) بتفاحة من الجنة فأكلتها وواقعت خديجة فحملت بفاطمة»([9]).
وعن عائشة قالت: قلت يا رسول الله: مالك إذا جاءت فاطمة قبّلتها...؟ قال: «نعم يا عائشة إنّي لما اُسري بي الى السماء أدخلني جبرئيل الجنة، فناولني منها تفاحة فأكلتها، فصارت نطفة في صلبي، فلمّا نزلت واقعت خديجة، ففاطمة من تلك النطفة، وهي حوراء اُنسية، كلّما إشتقت الى الجنة قبّلتها»([10]).
وحول تسميتها بفاطمة قال رسول الله (ص): «إنّ الله عزّ وجل قد فطمها وذريّتها من النار يوم القيامة»([11]).
وهذه التسمية لم تأت من فراغ وإنّما كان هذا الاهتمام وهذه العناية قائمة على أساس دورها في الحياة الإنسانية فهي حلقة الوصل بين النبوة والإمامة، فزوجها أول الأئمة، واولادها هم الأئمة الذين يتحملون مسؤولية الرسالة بعد رحيل رسول الله (ص) ورحيل أمير المؤمنين (ع).
وقد عاشت الزهراء (ع) المحنة مع والدها منذ الحصار الاقتصادي والاجتماعي الذي فرضه المشركون على رسول الله (ص) وبني هاشم، حيث استمر الحصار ثلاث سنين، وقد عاشت الأحزان لفقدها امّها وفقدها عمّ أبيها وحاميه «أبو طالب».
وقد عظم حزنهاوهي لا تزال صغيرة اضافة الى انعكاس حزن رسول الله (ص) عليها، فكانت تبكي وتقول: «اين أمي؟ أين أمي» فنزل جبرئيل فقال لرسول الله (ص): «قل لفاطمة، إنّ الله تعالى بنى لأمك بيتاً في الجنة من قصب لا نصب فيه ولا صخب»([12]).
وصبرت فاطمة (ع) على رحيل امّها، وكانت نعم المسلّية لرسول الله (ص) فقد قامت مقام خديجة (ع) في ودها وحبّها لرسول الله (ص) حتى قيل عنها: «كانت كنيتها أم أبيها»([13]).
ووصفها الذهبي قائلاً: «كان النبي يحبّها ويكرمها ويسرّ اليها، ومناقبها غزيرة، وكانت صابره ديّنة خيّرة مصونة قانعة شاكرة لله»([14]).
وقد شاركت فاطمة (ع) رسول الله (ص) في محنته، فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله (ص) وتعرضت له بالأذى حتى اعترضه سفيه من قريش فنشر عليه التراب، فدخل بيته، فاستقبلته فاطمة (ع) وأخذت تغسل عنه التراب وهي تبكي، ورسول الله (ص) يقول لها: «لا تبكي يا بنيّة، فان الله مانع أباك»([15]).
وحينما كان ساجداً في المسجد القى بعضهم على رأسه بعض الأوساخ وهم يتضاحكون، ولم يزل على ظهره حتى جاءت فاطمة (ع) فطرحته عن ظهره، ثم اقبلت علهيم تخاطبهم بما يستحقونه، ولما اتمّ صلاته دعا عليهم فاستجاب الله تعالى دعاءه([16]).
وحينما إشتدّ الأذى والعذاب على رسول الله (ص) والمسلمين ووجد أنصاراً له في المدينة جاءه الأمر الإلهي بالهجرة، فكانت بداية انتهاء المحنة التي عايشتها فاطمة (ع)، فهاجر رسول الله (ص) الى المدينة وتركها مع مجموعة من النساء مع الامام علي (ع)، ليلتحق به بعد ذلك.
ولماوصل رسول الله (ص) «قباء» استقرّ فيها لينتظر علياً (ع) وفاطمة وبقية نساء بني هاشم، ولما التحق به ووصلت القافلة استقبلها (ص) وسار بها الى داخل المدينة.
ودخلت البهجة قلب فاطمة (ع) وهي ترى سادات الأنصار مستبشرين بقدوم رسول الله (ص)، واستقرت (ع) في دار أبيها، وكان (ص) قد فوّض أمرها (ع) الى أمّ سلمة فوجدتها كاملة في ايمانها وفهمها وأدبها وسيرتها، وكانت تقول: «.. وفوّض (ص) أمر ابنته فاطمة (ع) إليّ، فكنت أؤدبّها وأدلّها، وكانت والله أءدب منّي واعرف بالأشياء كلها»([17]).
وقد رافقت الرعاية الإلهية فاطمة (ع) ولم تنقطع عنها لتعدّها إعداداً رسالياً، فقد كان زواجها استثنائياً، فقد شملتها يد الغيب ليكون زواجها من الله تعالى، لأنها الوعاء الطاهر للدوحة النبوية ولأنها الوعاء الطاهر للأئمة الذين يتحمّلون مسؤولية الرسالة الاسلامية بعد رسول الله (ص)، فزواجها من الله تعالى توجيه وإرشاد للبشرية للنظر في مقامها الشامخ ودور ذريتهما في قيادة وإمامة المجتمع البشري لتتواصل من خلالها الإمامة مع النبوة.
وقد أكّد رسول الله (ص) أمر هذا الزواج الإلهي، فقد خطبها أبوبكر فقال (ص): «انتظر بها القضاء» وخطبها عمر بن الخطاب فقال (ص): «انتظر بها القضاء»، وخطبها الامام علي (ع)، فقال لها رسول الله (ص): «ان علياً يذكرك، فسكتت فزوّجها»([18]).
وقال (ص):«إنّ الله أمرني أن ازوّج فاطمة من علي»([19]).
فقد صرّح رسول الله (ص) بهذا الأمر الإلهي أمام مرأى ومسمع الصحابة، وجعل لزواجها خصوصية فقال: «انّما أنا بشر مثلكم، أتزوّج فيكم وأزوّجكم إلا فاطمة، فان تزويجها نزل من السماء».
وقد تقدم في موضوع زواج الامام علي (ع) من فاطمة (ع) ذكر الأحاديث الواردة في ذلك.
وقد أبدى رسول الله (ص) عناية خاصة بمراسيم الزواج ودعا لهما ليوجه الأنظار الى دورهما ودور ذريتهما في قيادة وإمامة البشرية.
فقد ورد انه (ص) دعا علياً (ع)، ثم دعا فاطمة (ع) فأخذ بيدها ووضعها في يد ـ الإمام ـ عليّ (ع)، وقال: «بارك الله في ابنة رسول الله، يا علي، نعم الزوج فاطمة، ويا فاطمة نعم البعل علي».
ثم قال: «يا علي هذه فاطمة وديعة الله ووديعة رسوله عندك، فاحفظ الله واحفظني في وديعتي»([20]).
ودعا (ص) باناء فيه ماء فتوضأ فيه، ثم أفرغه على عليّ ثم قال: «اللهمّ بارك فيهما وبارك عليهما، وبارك لهما في نسلهما»([21]).
وهذه الرعاية لم تكن رعاية عواطف أبوية، بل هي رعاية رسالية لما لها دور في الحياة الانسانية ولامتداد الإمامة في ذريتها.
وقد تمّ الزواج في ذي الحجة من السنة الثانية من الهجرة، وقيل في شوال بعد الرجوع من معركة بدر([22]).
ومن هذه الرعاية انّ رسول الله (ص) حوّل بيتهما الى جانب بيته كما دلت الروايات([23]).
وبعد عام من الزواج ولد الامام الحسن (ع) في الخامس عشر من رمضان سنة ثلاث للهجرة، فسمّاه رسول الله (ص) بهذا الاسم وكنّاه أبا محمد، ولم يكن هذا الاسم في الجاهلية([24]).
وولد الامام الحسين (ع) في شعبان سنة أربع للهجرة، فسمّاه رسول الله (ص) بهذا الاسم.
وقد سمّى رسول الله (ص) أولادهما باسماء ولد هارون ليوجه الأنظار الى علاقة الوصية بين موسى وهارون، وبينه وبين الامام علي (ع).
قال رسول الله (ص): «سميتهم الحسن والحسين ومحسن بأسماء ولد هارون: شبّر وشبير ومشبّر»([25]).
ووجّه رسول الله (ص) الأنظار اليهما لتكون البشرية على علم بمقامهما ودورهما في حركة الرسالة فقال: «لكل بني أنثى عصبة ينتمون اليه، إلا ولد فاطمة فأنا وليّهم وأنا عصبتهم»([26]) .
وقال (ص) لفاطمة: «انما هما ـ أي الحسن والحسين ـ عندي بمنزلة واحدة، واني واياك وهما وهذا النائم ـ أي عليّ ـ لفي مكان واحد يوم القيامة»([27]).
وأخذ بيد الحسن والحسين فقال: «من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة»([28]).
وقال في حقّ هذه الأسرة المباركة: «أنا حرب لمن حاربكم، وسلم لمن سالمكم»([29]).
ووجه رسول الله (ص) الأنظار الى مقام فاطمة (ع) وكراماتها فقال: «خير نساء العالمين أربع: مريم وآسية وخديجة وفاطمة»([30]).
وقال عبدالله بن عمر: «انّ النبي (ص) كان إذا سافر كان آخر الناس عهداً به فاطمه، وإذا قدم من سفر كان أول الناس به عهداً فاطمة رضي الله عنها»([31]).
وكان (ص) يمّر ببيت فاطمة إذا خرج الى صلاة الفجر، فيقول: «الصلاة يا أهل البيت، ثم يقرأ آية التطهير»([32]).
وقد عاشت فاطمة (ع) بالقرب من رسول الله (ص) لتتخلق بأخلاقه وهي أخلاق القرآن، وتتعلم منه القرآن والحديث، فقد أعدّها رسول الله (ص) إعداداً رسالياً، وقد نزلت في حقها وحقّ اسرتها الكريمة سورة الانسان، وآي