وكالة أهل البيت (ع) للأنباء

المصدر : خاص ابنا
الأربعاء

١١ أبريل ٢٠١٢

٧:٣٠:٠٠ م
308176

الحمیری‏ شاعر أهل البیت(ع)

یبدو من الصعب ان ندرس سیرة«السید الحمیری»و حیاته السیاسیة دراسة سویة؛لان شأنه و مقامه یتراوح بین‏ رأیین متناقضین:فبعض رفع درجته و أعظم مکانته و الآخر عدّه من الغلاة و المترفین.

ابنا: و نحن نعتقد أن عدّه من الغلاة و وصفه ببعض الاوصاف القبیحة من قبل المخاصمین ناشی‏ء من امور نذكرها:

أ)یعتبر السید من الشعراء السیاسیین،فمن دخل نطاق السیاسة و اشتغل بها لم یسلم من الطعن اللاذع و الناب‏ اللادغ.

ب)الشعراء الذین ینتمون الی الشیعة و یحبون أهل البیت علیه السّلام علی أربع طبقات:«المجاهرون»و«المقتصدون»و «المتقون»و«المتكلفون»؛و أمثال السید الحمیری من المجاهرین بحقهم علیه السّلام.

ج)إننا نجد فی كلّ فرقة أو جماعة تفتخر بما لدیها من المعارف و الثقافة و التأریخ،فقال الحكیم فی كتابه الكریم:

كل حزب بما لدیهم فرحون1

و من المؤسف حقا إنّ هذه الفرق مع نحلهم المختلفة و الاتجاهات العدیدة لا ترهق‏ نفسها فی البحث عن الحقیقة و الوصول الی الواقع،و من ثمّ یتورّط بعضهم فی الخصام و العداوة و حكم الإفك علی‏ الآخر،كما نری أن«الدكتور طه حسین»المصری ذكر فی كتابه تجدید ذكری أبی العلاء التناسخ،و قال:«إنه معروف‏ عند العرب منذ أواخر القرن الأول،و الشیعة تدین به و ببعض المذاهب التی تقرب منه كالحلول و الرجعة،و لیس بین‏ أهل الأدب من یجهل ما كان من سخافات السید الحمیری.»1.

یا للعجب من هذا الكلام المرمی علی عواهنه،فان كان الكاتب الشهیر الدكتور طه حسین الذی له سمعة عالمیة فی‏ الثقافة و الأدب یلصق بالشیعة الإدّ و الزور فكیف بالآخرین؟!

متی سمع الدكتور شیعیا أو قرأ فی كتاب للشیعة أنهم تدین بالتناسخ؟و تنتمی الی الحلولیة و نحوها؟

ألیس هؤلاء الشیعة یتلقّون دینهم و عقیدتهم من علی علیه السّلام الذی هو باب مدینة العلم،و الحق معه یدور حیثما دار، فالشیعة تقتفی أثره علیه السّلام كما هو كان یقتفی أثر النبی صلی اللّه علیه و اله و سلم حذو النعلم بالنعل؟

و أما للإجابة عن قوله-«و لیس بین أهل الأدب من یجهل ما كان من سخافات السید الحمیری»-نأتی بمناقشة صاحب أعیان الشیعة للدكتور:

«...لیس بین أهل العقل-فضلا عن أهل الأدب-من یجهل أن نسبة السخافة الی السید الحمیری و كثیر من أسخف‏ السخافات؛فالسید الحمیری نادرة من نوادر الدهر فی علمه و فضله و شعره و قوّة حجته،و لا یدانیه و لا یقف أمامه أحد من هؤلاء الذین ظهروا فی هذه الأعصار یثلبون أعراض الناس و یتقوّلون علیهم بغیر حجة و لا برهان،و كثیر یأتی فی‏ ترجمته فضله و حسن عقیدته.»3

سیادته

هو إسمعیل بن محمد بن یزید بن ربیعة بن مفرغ الحمیری،و یكنّی أبا هاشم و الحمیری نسبة الی«حمیر»قبیلة معروفة من الیمن.

سیادته لغویة لا أنه فاطمی أو علوی،قال«الكشّی»فی كتاب رجاله:روی أن أبا عبد اللّه علیه السّلام لقی السید بن محمد الحمیری فقال له:سمّتك أمّك سیدا،و وفّقت فی ذلك،و أنت سیّد الشعراء.

ثم أنشد السید فی ذلك:

و لقد عجبت لقائل لی مرة علاّمة فهم من الفقهاء سمّاك قومك سیّدا صدقوا به‏ أنت الموفّق سید الشعراء ما أنت حین تخصّ آل محمد علیه السّلام‏ بالمدح منك و شاعر بسواء

ولادته و وفاته

أدرك السید فی حیاته خمسة من ملوك بنی العباس:«السفاح»و هو أولهم و«المنصور»أخاه و«المهدی بن‏ المنصور»و«الهادی بن المهدی»و«الرشید بن المهدی»و توفی فی خلافة الرشید.له أخبار و حكایات مع ملوك بنی‏ العباس،و هناك أشعار یهجوهم فیها.

إنه ولد بـ«عمان»و نشأ بـ«البصرة»حكاه فی لسان المیزان عن«أبی الفرج ابن الجوزی»فی المنتظم،و كانت‏ ولادته سنة 105 و توفی بـ«بغداد»سنة 173.

ازدهار اسلوبه فی الأشعار الرائقة و المعانی الفائقة

متن التأریخ و طیّه یفتح قبالنا رتاج الحقائق،فان كلّ فرید فی عصره و كلّ نادر فی قرنه لا تخلو حیاته إمّا من مدح‏ الآخرین و تعظیمهم له و إما من ذمّهم و تحقیرهم إیاه.فثلّة لقّبته سیدا و عرفته بذلك،و أخری أنفته و جهدت فی ثلب‏ عرضه و تعییبه.

و لا ثلمة فی هذه الحقیقة و هی أن من یرد الوقوف علی عقیدة السید الحمیری و الطریق الذی سلكه فلابدّ له من‏ الخوض فی بحر قصائده و أشعاره حتی یقتنص النضود منها،و كذلك إن كنت ترید الردود علی مخالفیه،فلا محیص من‏ الدراسة و التحقیق فی جمهرة اشعاره.هذا،و كفی فی جلالة شأن السید و مكانته الأدبیة و مقامه العلوی بین علماء التأریخ و التراجم تألیف هؤلاء الكتب فی أخباره و أشعاره یرویها العلماء بأسانیدهم عنهم.

و قال«بشّار»4:لو لا أنّ هذا الرجل شغل عنّا بمدح بنی هاشم لأتعبنا.

و سمع«مروان بن أبی حفصة»القصیدة المذهّبة فقال لكل بیت:«سبحان اللّه!ما أعجب هذا الكلام!»

قیل للسّید الحمیری:«لم لا تقول شعرا فیه غریب؟»فقال:«أقول ما یفهمه الصغیر و الكبیر،و لا یحتاج الی التفسیر،و أنشأ:

أیا ربّ إنّی لم أرد بالذی به‏ مدحت علیا غیر وجهك فارحم»

ما أجمل هذا الطراز فی شعر شاعر یتابعه الصغیر و الكبیر،و ما أحسن هذا السبك الشعری یقرأ فی كلّ مصر،و یصغی الیه‏ فی كلّ عصر بذلك-أیها القاری‏ء الكریم-من هذا التساؤل أنه لا یوجد فی قصائد السید من غریب تستغر به مع أنه كان‏ یقدر علی الشعر الغریب،و كلمة السید صریحة فی أسلوب شعره و سبكه،فان شعره واضح المعانی مع رونقها،و جزیل‏ المبانی مع متانتها،و نسیجه سلس و معنیه مستنّ لا یتحیّر أحد فی استیعاب مراده الهادف،و لا یحتاج الی تفسیر و ترجمان.

و مما لا ینتطح فهی عنزان أن تأریخ الأدب العربی لم یعرف بعد«الكمیت»شاعرا استأثر الشیعة بحیاته و نضاله و كفاحه و أفرد لهم مدیحه مثل السید.كان یعلن عقیدته و یدافع عن مذهبه و حزبه و هو فی حضرة الخ