ابنا: و نحن نعتقد أن عدّه من الغلاة و وصفه ببعض الاوصاف القبیحة من قبل المخاصمین ناشیء من امور نذكرها:
أ)یعتبر السید من الشعراء السیاسیین،فمن دخل نطاق السیاسة و اشتغل بها لم یسلم من الطعن اللاذع و الناب اللادغ.
ب)الشعراء الذین ینتمون الی الشیعة و یحبون أهل البیت علیه السّلام علی أربع طبقات:«المجاهرون»و«المقتصدون»و «المتقون»و«المتكلفون»؛و أمثال السید الحمیری من المجاهرین بحقهم علیه السّلام.
ج)إننا نجد فی كلّ فرقة أو جماعة تفتخر بما لدیها من المعارف و الثقافة و التأریخ،فقال الحكیم فی كتابه الكریم:
كل حزب بما لدیهم فرحون1
و من المؤسف حقا إنّ هذه الفرق مع نحلهم المختلفة و الاتجاهات العدیدة لا ترهق نفسها فی البحث عن الحقیقة و الوصول الی الواقع،و من ثمّ یتورّط بعضهم فی الخصام و العداوة و حكم الإفك علی الآخر،كما نری أن«الدكتور طه حسین»المصری ذكر فی كتابه تجدید ذكری أبی العلاء التناسخ،و قال:«إنه معروف عند العرب منذ أواخر القرن الأول،و الشیعة تدین به و ببعض المذاهب التی تقرب منه كالحلول و الرجعة،و لیس بین أهل الأدب من یجهل ما كان من سخافات السید الحمیری.»1.
یا للعجب من هذا الكلام المرمی علی عواهنه،فان كان الكاتب الشهیر الدكتور طه حسین الذی له سمعة عالمیة فی الثقافة و الأدب یلصق بالشیعة الإدّ و الزور فكیف بالآخرین؟!
متی سمع الدكتور شیعیا أو قرأ فی كتاب للشیعة أنهم تدین بالتناسخ؟و تنتمی الی الحلولیة و نحوها؟
ألیس هؤلاء الشیعة یتلقّون دینهم و عقیدتهم من علی علیه السّلام الذی هو باب مدینة العلم،و الحق معه یدور حیثما دار، فالشیعة تقتفی أثره علیه السّلام كما هو كان یقتفی أثر النبی صلی اللّه علیه و اله و سلم حذو النعلم بالنعل؟
و أما للإجابة عن قوله-«و لیس بین أهل الأدب من یجهل ما كان من سخافات السید الحمیری»-نأتی بمناقشة صاحب أعیان الشیعة للدكتور:
«...لیس بین أهل العقل-فضلا عن أهل الأدب-من یجهل أن نسبة السخافة الی السید الحمیری و كثیر من أسخف السخافات؛فالسید الحمیری نادرة من نوادر الدهر فی علمه و فضله و شعره و قوّة حجته،و لا یدانیه و لا یقف أمامه أحد من هؤلاء الذین ظهروا فی هذه الأعصار یثلبون أعراض الناس و یتقوّلون علیهم بغیر حجة و لا برهان،و كثیر یأتی فی ترجمته فضله و حسن عقیدته.»3
سیادته
هو إسمعیل بن محمد بن یزید بن ربیعة بن مفرغ الحمیری،و یكنّی أبا هاشم و الحمیری نسبة الی«حمیر»قبیلة معروفة من الیمن.
سیادته لغویة لا أنه فاطمی أو علوی،قال«الكشّی»فی كتاب رجاله:روی أن أبا عبد اللّه علیه السّلام لقی السید بن محمد الحمیری فقال له:سمّتك أمّك سیدا،و وفّقت فی ذلك،و أنت سیّد الشعراء.
ثم أنشد السید فی ذلك:
و لقد عجبت لقائل لی مرة علاّمة فهم من الفقهاء سمّاك قومك سیّدا صدقوا به أنت الموفّق سید الشعراء ما أنت حین تخصّ آل محمد علیه السّلام بالمدح منك و شاعر بسواء
ولادته و وفاته
أدرك السید فی حیاته خمسة من ملوك بنی العباس:«السفاح»و هو أولهم و«المنصور»أخاه و«المهدی بن المنصور»و«الهادی بن المهدی»و«الرشید بن المهدی»و توفی فی خلافة الرشید.له أخبار و حكایات مع ملوك بنی العباس،و هناك أشعار یهجوهم فیها.
إنه ولد بـ«عمان»و نشأ بـ«البصرة»حكاه فی لسان المیزان عن«أبی الفرج ابن الجوزی»فی المنتظم،و كانت ولادته سنة 105 و توفی بـ«بغداد»سنة 173.
ازدهار اسلوبه فی الأشعار الرائقة و المعانی الفائقة
متن التأریخ و طیّه یفتح قبالنا رتاج الحقائق،فان كلّ فرید فی عصره و كلّ نادر فی قرنه لا تخلو حیاته إمّا من مدح الآخرین و تعظیمهم له و إما من ذمّهم و تحقیرهم إیاه.فثلّة لقّبته سیدا و عرفته بذلك،و أخری أنفته و جهدت فی ثلب عرضه و تعییبه.
و لا ثلمة فی هذه الحقیقة و هی أن من یرد الوقوف علی عقیدة السید الحمیری و الطریق الذی سلكه فلابدّ له من الخوض فی بحر قصائده و أشعاره حتی یقتنص النضود منها،و كذلك إن كنت ترید الردود علی مخالفیه،فلا محیص من الدراسة و التحقیق فی جمهرة اشعاره.هذا،و كفی فی جلالة شأن السید و مكانته الأدبیة و مقامه العلوی بین علماء التأریخ و التراجم تألیف هؤلاء الكتب فی أخباره و أشعاره یرویها العلماء بأسانیدهم عنهم.
و قال«بشّار»4:لو لا أنّ هذا الرجل شغل عنّا بمدح بنی هاشم لأتعبنا.
و سمع«مروان بن أبی حفصة»القصیدة المذهّبة فقال لكل بیت:«سبحان اللّه!ما أعجب هذا الكلام!»
قیل للسّید الحمیری:«لم لا تقول شعرا فیه غریب؟»فقال:«أقول ما یفهمه الصغیر و الكبیر،و لا یحتاج الی التفسیر،و أنشأ:
أیا ربّ إنّی لم أرد بالذی به مدحت علیا غیر وجهك فارحم»
ما أجمل هذا الطراز فی شعر شاعر یتابعه الصغیر و الكبیر،و ما أحسن هذا السبك الشعری یقرأ فی كلّ مصر،و یصغی الیه فی كلّ عصر بذلك-أیها القاریء الكریم-من هذا التساؤل أنه لا یوجد فی قصائد السید من غریب تستغر به مع أنه كان یقدر علی الشعر الغریب،و كلمة السید صریحة فی أسلوب شعره و سبكه،فان شعره واضح المعانی مع رونقها،و جزیل المبانی مع متانتها،و نسیجه سلس و معنیه مستنّ لا یتحیّر أحد فی استیعاب مراده الهادف،و لا یحتاج الی تفسیر و ترجمان.
و مما لا ینتطح فهی عنزان أن تأریخ الأدب العربی لم یعرف بعد«الكمیت»شاعرا استأثر الشیعة بحیاته و نضاله و كفاحه و أفرد لهم مدیحه مثل السید.كان یعلن عقیدته و یدافع عن مذهبه و حزبه و هو فی حضرة الخ