وفقاً لما أفادته وکالة أهل البیت(ع) للأنباء ـ ابنا ـ ألقی «العلامة السيد محمدرضا السلمان» إمام جامع الامام الحسين(ع) بالاحساء کلمة حول حياة «آية الله السيد الشهيد محمدرضا السعيدي» وفي حديثه عن الشهيد وكيف استمد علومه الأولية متتلمذا على يد أبيه السيد أحمد ، ومن ثمّ على يد أديبي نيشابور والشيخ هاشم والشيخ مجتبى القزويني وانتقل في تلقي علومه العليا إلى شيخ الطائفة السيد البروجردي في قم المقدسة وذلك بحكم تطلعه إلى آفاق واسعة ذات عمق وانفتاح ،وأغلق ملف الأساتذة بمفردة جامعة مانعة بالتحاقه إلى بحث السيد الإمام الخمیني(ره).
وفیما یلي نص هذه الخطبه:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على أشرف أنبيائه ورسله، حبيب إله العالمين، أبي القاسم محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، ثم اللعن الدّائمُ المؤبَّد على أعدائهم أعداء الدين.
قال تعالى: «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون».
كان الحديث عن رموز الحوزة القمية، ورموز حركة الإصلاح في وسط الأمة، وقد تقضّى الحديث عن عَلمين منهم، الأول هو آية الله الدكتور الشهيد البهشتي (رضوان الله تعالى عليه)، والثاني هو آية الله المعلم الكبير الشهيد المطهري (رضوان الله تعالى عليه)، والحديث اليوم عن آية الله الشهيد السعيد السيد محمد رضا السعيدي (رحمة الله تعالى عليه).
عن النبي الأعظم (ص) أنه قال: «العلمُ وديعةُ الله في أرضه، والعلماء أمناؤه عليه، فمن عَمِل بعلمه أدى أمانته، ومن لم يعمل بعلمه كُتب في ديوان الخائنين».
هذا الحديث الشريف يبين لنا مدى أهمية وخطورة العلم والعالم، والميزان في ذلك أن يستفيد العالم من علمه، ويفيد الأمة من حوله، وإذا ما تخلى عن ذلك، وتنكّب الطريق، وسلك طريقاً آخر، فهي الخيانة العظمى.
وبطبيعة الحال، عندما لا يتحرك العالم على أساس الضوابط الشرعية التي تلقاها عن العلماء كابراً عن كابر، فإن الأمور المغرية أمامه أكثر مما هي متاحة بين يدي الكثير من الناس، فإذا كان الكثير من الناس يتصارعون على حفنة من مال، ربما يصلون من خلالها إلى المبتغى، وربما غرقت سفينتهم في ذلك، فإن أمام رجل الدين الكثير من المشاريع، وأبرز تلك المشاريع وأهمها هو الإنسان نفسه.
وبالعودة إلى الحديث عن الشهيد السعيد آية الله السعيدي (رحمة الله تعالى عليه) نقول: كان الشهيد السعيد مفردة لها الأثر البين الكبير على المشهد التغييري الذي شهدته إيران في عصرها الحديث، ولكن ـ مع شديد الأسف ـ كما أن كوكبة من أئمة أهل البيت (ع) ومجموعة أخرى من أصحابهم والطليعة من علمائهم، لم يحظوا بما يتناسب والثروة التي قدموها للأمة، والعطاء الذي بذلوه، فكذلك هذا السيد الشهيد، لم يحظ بالكثير مما يفترض أن يحظى به.
ولد الشهيد السعيد في إحدى عوامل مشهد الإمام الرضا(ع) وهي منطقة "توغان" في بيت علم وفقاهة وسيادة. ولا شك أن للبيت إذا ما اتصف بهذه الصفات، الأثر الإيجابي في صقل شخصية الفرد، وهو الذي يقدم له الدافع والرادع في الكثير من مواطن الحياة.
حصل الشهيد السعيد على معارفه الأولى على يدي والده السيد أحمد سعيدي (رحمة الله عليه)، وهو أحد العلماء، ثم أكمل دراسته على يدي أديبي نيشابور، الشيخ هاشم والشيخ مجتبى القزويني (رحمة الله عليهما).
ثم هاجر إلى مدينة قم المقدسة، وهي الحالة الطبيعية لمن يتطلع إلى آفاق واسعة ذات عمق وانفتاح في الوقت نفسه، فالملاذ والحصن هو قم في تلك المرحلة الزمنية.
وهكذا التحق بالدروس العليا فيها عند محضر سيد الطائفة في عصره، السيد البروجردي (رحمه الله تعالى)، الذي تقدم الكلام حول شطر من شخصيته. ثم أتبع ذلك عند آية الله العظمى الميرزا هاشم الآملي (رحمه الله)، صاحب التعاليق المنيفة، ذات الدقة في النظر والعمق في الفكر. ثم أغلق ملف الأساتذة بمفردة جامعة مانعة تتمثل في سيد الأمة (الإمام الخمیني رضوان الله تعالى على روحه المقدسة).
وبالتحاقه بمحضر بحث السيد الإمام، بدأ التحول الكبير في بنائه الشخصي، وفي منظومة التفكير من حوله. وكثير من أعلامنا يتأثرون بواحد من منظومة الأساتذة، لما يتميز به ذلك الأستاذ على نحو التخصص في جهةٍ ما، والقلة هم أولئك الذين كتب لهم القدر أن يلتحقوا بمدارس ذات أبعاد متعددة، بل إن الإنسان المتعدد الأبعاد هو العملة النادرة في وسط الحوزات العلمية، ناهيك عن المجتمع الكبير.
وبدعوى من أهالي آبادان، المدينة العربية على سواحل الخليج العربي في الطرف الثاني، انتقل إلى هناك لممارسة التبليغ في تلك الأوساط. وقد تأرجح المنبر الذي ارتقاه بين (الوعظ التقليدي) و (الحراك الوعظي). وبين هاتين الجملتين إذا ما رُكّبتا، قواسم اجتماع، على أن ذلك لا يمنع من وجود مواطن الافتراق، بل لا مندوحة لصاحب العنوان الثاني من الاتّكاء على معطيات العنوان الأول، فلا يمكن أن نتصور حراكاً وعظياً ما لم تكن هناك أرضية مُعَدّة ومهيأة على أساس من الوعي التقليدي.
ثم سافر إلى الكويت بعد أحداث 15 خرداد، والقضية المشهورة التي تزامنت مع اليوم العاشر من المحرم، وهي الجذوة والشرارة الأولى التي انطلقت، وعلى أساسها تداعى عرش الشاه بعد خمس عشرة سنة.
وكان السبب في تلك الانطلاقة، أن الشاه منح الحصانة المطلقة لكل أميركي أو إسرائيلي على الأراضي الإيرانية، مما أثار حفيظة العلماء في أوساط الحوزات العلمية، بل حتى العلماء من أبناء المذاهب الأخرى في سنندج وزاهدان وغيرهما.
وقد وجد السيد السعيدي في هذه الانطلاقة ـ وهو خارج الحدود ـ ما يمكن أن يتسبب فيه من إلارباك للنظام الحاكم، من خلال استغلال الإعلام المفتوح في الكويت آنذاك. ويحسب له (رحمه الله تعالى) أنه أعطى لخطاب السيد الإمام في الفيضية في الخامس عشر من خرداد، مساحة الانبساط على أوسع ما يمكن أن يكون عليه الصوت آنذاك.
ثم انتقل إلى النجف الأشرف، ووسّع دائرة العلاقة مع الأعلام والأقطاب فيها، كمراجع وأساتذة بحوث خارج، ليستفيد من ذلك رافداً قوياً ومتيناً لرموز الحركة في داخل إيران. لذا نجد أن السيد الإمام (قدس سره الطاهر) لم يكن يغفل هذه المفردة، وكان يقدم الكثير من الشكر والعرفان بالجميل لعلماء النجف الأشرف.
وبدعوى من أهالي تفرش ـ وهي مدينة قريبة من قم ـ حطّ بين ظهرانيهم عالماً ومربياً. وكان طابع المنطقة قروياً بدائياً ([4]) . لكن هذا العالم الفقيه المجتهد، اختار هذا الطريق، واستجاب لأهلها، ومكث بينهم يمارس التعليم والتربية للنشء. ثم جاءت المحطة الأخيرة الفاصلة في حياته، عندما استدعي من أهالي جنوب طهران ـ وهي المنطقة المستضعفة إذا ما قيست بسائر المناطق فيها ـ على أن يؤم الجماعة، ويتولى الشؤون الشرعية من خلال مسجد الإمام الكاظم من آل محمد(ص).
وعندما وصل إلى المسجد المذكور، جعل منه منطلقاً أربك أوراق قوى الأمن، المسمى آنذاك بالسافاك، فأصبحوا كأن لا شغل لهم إلا هذا المسجد والسيد الشهيد المذكور.
كانت المحطة الأولى في ذلك المسجد خطاب ليلة الجمعة، وهو أمر على غير المألوف، وقد يسأل السائل: لماذا لم يكن الخطاب يوم الجمعة؟ والجواب: أن صلاة الجمعة لم تكن تقام يومئذٍ في أي مكان من إيران، باستثناء مسجد الإمام العسكري (ع) في قم، بإمامة آية ال