ابنا: أکد آية الله الشيخ "عيسی أحمد قاسم" في خطبة الجمعة بجامع الإمام الصادق (عليه السلام) بـ"الدراز" ان الأوضاع بما فيها من سياسي وحقوقي سقيمة متوتّرة، والفاصلة بين الحكم والشعب واسعة، ولازالت في مزيد من التباعد حتى الاستجابة إلى مطالب الشعب العادلة، ولا دليل من ناحية عملية على استجابة جدّية لهذه المطالب، الحكم على عناده وتصلّبه، والشعب على إصراره وتمسّكه بحقوقه وكرامته وحرّيته، والأوّل متّكئ على البطش والإفراط في استعمال القوّة المادية والآلة القاتلة، والثاني متّكئ على الصبر والقبول بالتضحية....
وفي ما یلي نص هذا الخطبة:
موقف واحد لا موقفان:
يتسائل بعض الصحف المحلية، وعدد من كتابها الشرفاء الذين سخروا أقلامهم في خدمة السياسة الظالمة، ومناهضة قضايا الشعب، وسلبه حقه وحريته، والتحريض عليه، والمطالبة بأشد ألوان التنكيل بأحراره وحرائره، عن موقف هذا المنبر من أحداث سورية المؤسفة.
طرحوا تساؤلهم، وتبرعوا بالإجابة التي يريدونها والتعليل المستهدف لهم، وكل ذلك من منطلق النفسية المريضة، ونية الفتنة السوداء، ومواجهة الحراك الشعبي المحلي وكل من يقف معه، وهي الأمور التي تشكل الإطار لكل ما تنفث به أقلامهم المأجورة من سموم معكرة للجو الوطني على حد ما تفعله الغازات السامة فيه من جهة آخرى.
هذا التساؤل لا يحرج منبر هذا الجامع أبداً، وموقفنا واحد لا يختلف من العدل والظلم بإختلاف الزمان والمكان والإنسان الظالم والمظلوم، ونحن مع حرية الشعوب وحقها في تقرير المصير، ورآينا أن لا مكان لحكومة لا يرضاها الشعب، وأن ليس لأي حكومة أن تفرض نفسها قهرا على شعبها، نحن مع حق الشعب المصري والتونسي والليبي واليمني والبحريني والشعوب الخليجية وكل الشعوب في العالم في اختيار حكوماتها وتقرير مصيرها وتمتعها بحريتها وكرامتها، ولا نختار للشعوب الآخرى غير ما شددنا عليه مراراً بالنسبة للحراك الشعبي في البحرين من الأخذ بالأسلوب السلمي، والنأي بأي بلد من البلدان الإسلامية عن تدخلات الخارج والتمكين للأجنبي من مصير المسلمين والتحكم في ثرواتهم ومقدوراتهم ومقدراتهم.
وهذا الموقف العام هو الموقف الذي يتخذه هذا المنبر من قضايا كل الساحات العربية من غير ولوج في تفاصيل كل ساحة ساحة، وأنتم تجدون أن كل من الساحات العربية قد شغلتها أحداثها الداخلية ومحنة شعبها عن الدخول في تفاصيل أحداث الساحة الآخرى وإن كانت لا تنفصل بهمها عنها.
أريد كلمة واحدة، حرفاً واحداً نطقت به علناً أو سرا، أو وجدتموه مكتوباً فيه اشارة لهذا المعنى من قريب أو بعيد يا أحرار يا شرفاء يا أتقياء يا ورعون يا صحافة موقرة.
الإنصاف أولاً:
لو كانت الأنظمة السياسية التي تحكم الأمة كلها صالحة منسجمة مع مصلحة شعوبها، متحدة في الرؤية معها، حريصة على حاضرها ومستقبلها، منبثقة من إرادتها، معترفة بحقها وحريتها ومرجعيتها السياسية، عادلة في حكمها، لكان في اتحادها نقلة كبيرة في اتجاه قوة الشعوب وعزتها ومنعتها وخيرها وتقدمها، وحماية للأمة كلها أمام كل الأخطار والتحديات.
وكل اتحاد من هذا النوع، وفي ظل هذا الشرط ـ شرط المرجعية السياسية للشعوب ـ فيه قوة وعز وتقدم للكيانات المتحدة ابتداء من الشعوب حتى الحكومات.
أما الاتحاد بين الأنظمة المنفصلة عن شعوبها، المختلفة معها، غير المعترفة بمرجعيتها وحريتها وحقها في الحكم والثروة وتقرير المصير، فلا يمكن لهذه الشعوب أن تعده قوة لها أو يصب في صالحها.
إن قوة الأنظمة قوة للشعوب حيث تلتقي الرؤية عند الأولى مع الرؤية عند الثانية، ومصلحتها مع مصلحتها، وحيث تكون الأنظمة منبثقة من إرادة الشعوب ومن منطلق مرجعيتها، وفيما عدى ذلك إنما تتقوى الأنظمة من النوع الذي لا يحترم إرادة الشعوب ويرى في قوتها مع اصرارها على الحرية ما يستوجب المناهضة أول ما تتقوى ضد شعوبها، واجهاضاً لمطلب الحرية والحقوق السياسية العادلة.
وفي أي وسط يأتي الحديث عن الاتحاد في منطقتنا الخليجية ليبشر الشعوب بآثاره المباركة، ويثير رغبتها العارمة فيه، في وسط قمع جيوش المنطقة للحراك الشعبي الحقوقي والسياسي في هذا الوطن من اجل تصحيح الأوضاع وايجاد علاقات عادلة تضمن الأمن والاستقرار فيه وتتيح له أن يسابق على طريق التقدم والإزدهار.
ثم إن العالم كله يدرك اليوم أن الشعوب ليست قطعاناً من الأغنام تساق إلى مصير مجهول من غير إرادتها، ومن غير أن يؤخذ لها رآي أو يعترف لها بكلمة فيما يخص مصيرها والمسائل الكبرى كمسألة هذا النوع من الاتحاد المؤثرة بدرجة عالية وجذرية على واقعها في حاضره ومستقبله، وما تصبوا إليه من حرية وكرامة ومرجعية سياسية هي من حقها.
أنه حتى يتم للوحدة موضوعها وارضيتها من منظور صالح الشعوب، وما يراد لهذه الوحدة من بناء لقوة الأمة وتعزيز لوجودها، واشادة لحياة العدل وتمكين لأجواء الحرية والكرامة في حياتها، لابد من سبق الإنصاف للشعوب، واصلاح الوضع السياسي والحقوقي القائم، والإعتراف بموقعية كل شعب ومرجعيته.
الإنصاف، الإصلاح، الواقع السياسي الجديد الذي يعترف بسيادة الشعب أولاً، ثم يأتي الاتحاد ليكون في صالح المنطقة والأمة وتحتضنه الشعوب من كل قلبها.
الاتحاد الذي (يقوم/يكون) رغماً على انف الشعوب ملغياً لإرادتها، لا تفهم منه إلا أنه مضاد لها، مجهض لحركتها المطلبية والتحررية وضرورية انعتاقها.
مساجدنا:
اعني مساجد المسلمين جميعا ، فليس في الإسلام مساجد للشيعة تخصها ومساجد للسنة تقتصر عليها، كل المساجد لله، وحق المسلم في التعبد فيها بالعبادة التي يرضاها سبحانه يساوي حق اخيه في الإسلام العام.
والمعتدي على حرمة أي مسجد من مساجد المسلمين معتدٍ على الإسلام وحرمة من حرمات الله الثابتة، وفي ذلك اثم كبير ومنكر لا يجوز السكوت عليه أياً كان المعتدي وأياً كان المسجد المعتدى عليه.
وكل اعتداء على مسجد من مساجد المسلمين فيه انتهاك لحرمة الإسلام وتقليل من شأنه، وفتح لباب الجرأة على المقدسات لا يسد بالترميم واعادة البناء. وأي دولة تحمل درجة من احترام الإسلام ومقدساته لا يمكن أن تسمح بهذه التعديات.
ويتحمل الوضع السياسي الرسمي في البحرين وزراً كبيراً بفتح باب الجرأة على المساجد والحسينيات على مصراعيه بما جرى على يده من قبل من انتهاك سافر وتعديات موثقة على بيوت الله وكتابه الكريم.
والحكومة لازالت تمانع اعادة بناء عدد من المساجد التي هدمتها وتمنع حتى من اقامة الصلاة على اراضيها، والشعب المسلم هنا وكأي شعب مسلم اخر مسئول عن حماية مقدسات الإسلام والحفاظ عليها.
البحرين إلى أين؟
الأوضاع بما فيها من سياسي وحقوقي سقيمة متوترة، والفاصلة بين الحكم والشعب واسعة، ولازالت في مزيد من التباعد حتى الإستجابة إلى مطالب الشعب العادلة، ولا دليل من ناحية عملية على استجابة جدية لهذه المطالب، الحكم على عناده وتصلبه، والشعب على اصراره وتمسكه بحقوقه وكرامته وحريته، والأول متكئ على البطش والافراط في استعمال القوة المادية والآلة القاتلة، والثاني متكئ على الصبر والقبول بالتضحية.
حتى الملف الحقوقي وفي حدود ما اضطرت الحكومة للإعتراف به من انتهاكات وثقتها لجنة تقصي الحقائق المشكلة من جانبها، لا يجد استجابة جدية من قبلها، بقدر ما يعانيه من ضبابية الانشائيات والعموميات البعيدة عن التفصيل والتوثيق والشواهد العملية الحية، والتي لازالت تثبت عكس الدعاوى العريضة الفارغة، وما يتعرض له هذا الملف من تسويف وترحيل ومواعيد متجددة ومخادعة وإلتفاف.
فتبقى السجون ملئة بالشرفاء من هذا الوطن من علماء ورموز سياسية عزيزة ومجاهدين من شباب وكهول غيارى يعتز بهم الوطن، وتبقى حياة الخواجة المدافع عن حريته وحرية هذا الشعب مهددة، وتبقى مشكلة المفصولين عالقة لحد الأن، واجواء المناطق السكنية تغطيها الغازات السامة، ولغة التحريض والإتهام على وتيرتها، ووتيرة الشهداء في تصاعد.
أما الملف السياسي فهو ملف مغيب تماماً من جانب السلطة، وكانها تأمل أن يهمل أو ينسى أو تجد ظروف تسمح لها بتعطيله وصرف النظر عنه، وهذا ما يقول عنه الشعب هيهات هيهات.
البحرين إلى أين ؟، إلى شاطئ أمان باستجابة الحكم لمطالب الشعب.
وبالإصرار على سلب الشعب حقه وحريته وقيمة كلمته ومصادرة رآيه إنما يأخذ الحكم هذا الوطن العزيز من نفق مظلم إلى نفق أشد ظلمة، ومن فتنة عمياء إلى فتنة أشد عمى، ومن سوء إلى سوء أكبر، وإنما يسلك به طريق المهالك.
انها مسئولية دينية كبرى ومسئولية وطنية وتاريخية وانسانية تطوق عنق النظام بأن يستجيب لإرادة الشعب ولا يظلم الوطن ويغرق السفين.
................
انتهی/212