ابنا: لم نكن علی موعد للقاء ولكن شاءت ارداة الله أن نلتقي في مواطن الجهاد دون موعد مسبق و ساحات الوغی تجعلك تنفتح علی أحبة یندر امثالهم فهم قد اعاروا الله الجماجم و اتخذوا قراراً باللحاق بركب ملائكي لباسه التقوی و قلبه السلامة . وسط الجبال الشاهقة و الودیان السحیقة سمعنا لأول مرة أن إخوة انضموا الینا وأنهم سمح لهم بالعودة الی العراق في صفقة تبادل اسری نتیجة لامراض قد اصیبوا بها و لكنهم ابوا ذلك و اختاروا البقاء في الجمهوریة الاسلامیة لیس طلبا للراحة و انما كموقف رفضا منهم للبعث الذي حكم الناس بالنار و الحدید و تأییدا لنظام الاسلام الذي عزّ ناصره في وقت تتكالب الدنیا للقضاء علیه و كان الموقف الرسالي للاخوة قد تجلی للعیان و امام أعین الصلیب الاحمر الدولی و هم في المطار مما یعني أن القرار عسیر للغایة و الارادة عصامیة فبینهم و بین اهلهم فواق ناقة و لیس هناك سوی تحلیق الطائرة من طهران لتحط في بغداد و بعدها لقاء الاحبة و الأهل الذین طال فراقهم و كانت رؤیاهم حلماً یداهمهم هذا من جانب و من جانب آخر المخاطر المترتبة علی رفض العودة فذئاب البعث تحسب لذلك ألف حساب و تفتح ألف ملف لأهل هؤلاء «الفتیة» فسوف یواجهون السجون و المضایقات و ربما الاعدام. ان قراراً لا ینفك عنه هاتان المشكلتان لا یتسنّی لكل واحد من الناس و إنما هو بحاجة الی رجال خلقوا لامثال ذلك.
هكذا كانت القصة و هذه حكایة رجالها و كان منهم شاب اسمر اللون نحیف البدن طویل القامة سلیم الروح طیب السریرة تدخل الی اعماقه من أوسع الابواب و تطمئن الیه في اول لقاء عرف بـ « ابي ذوالفقار المحمدي» و اختار لنفسه اسم « سیف علي» و لكن لم یكن اسمه الحقیقي ذلك الا ان انشداده للامام علي (ع) جعله حاضراً في الكنیة و الاسم و الفداء.
لقد تغلغل الی المعسكر خبر اعادة الاسری المصابین بأمراض لاعلاج لها الی العراق و هو خبر سار بطبیعته للكثیر و الشاعر یقول:
بلادي و إن جارت عليّ عزیزة و أهلي و إن شحوا عليّ كرام
یا لها من ایام مصیریة و حساسة ها هو شریط الذكریات یداهمه هاهم امي، ابي، اخوتي. مضی علی فراقهم سنوات و في الضفة الاخری الاسلام، الامام الخمیني.
لقد واجه الحر نفس الموقف قبل قرون فاختار الأخرة علی الدنیا و لم یدع الحسین (ع) منادیا دون ناصر و ها هو ابن الحسین الخمیني یعید النداء من جدید فهل سأكون حراً كالحر أو أرضخ لأیام قلائل و سجن یمتد بامتداد العراق تكتم فیه الاصوات و تحرم فیه قول كلمة الحق و حانت ساعة الصفر و ذلك في مطار طهران و بحضور الصلیب الأحمر الذین اعتمدوا شتی الطرق لاقناع سالم بالعودة و هنا جاء القرار لیوجّه صفعة موجعة لسلطة البعث.
إن سالم لن یترك اسلامه و إمامه
لقد كان سالم چیاد جاسم الجنابي الاسم الحقیقی لسیف علي أو أبوذوالفقاروهو الاسم الذي لازمه منذ الولادة و حتّی مطار طهران .
لقد ولد سالم 1964في أسرة حنفیة المذهب و في بیئتة لم تكن علی اطلاع علی أهل البیت. و البیئة بطبیعة الحال تترك بصماتها علی الفرد خصوصا و أن المنطقة التي عاش فیها لم تسمع الصوت الاخر و ربّما كان هناك من یسعی لبناء الجدران بین الإخوة في الاسلام و یحاول طمس اثار أهل البیت.
ترترع سالم بین اهله و في مدینته و درس الابتدائیة و المتوسطة و لكن طاحونة الحرب التي أدارها الطاغیة صدام ضد جارته الفتیة الجمهوریة الاسلامیة في ایران والتی وضعت الدنیا امكانیاتها العسكریة و الإعلامیة و الإقتصادیة و الإستخباراتیة في خدمته لیحول دون الشمس بغرباله لفّت سالما و لم یكن بوسعه الافلات لأنها قسریة و عدم المشاركة تعني أن یسجن الاهل و العیال.
التحق بالخدمة العسكریة الالزامیة و ارسل الی الخطوط الامامیة لیكون وقوداً لنار سجرها مخلوق لنزواته.
و دارت الایام و شاء الله تعالی أن یحطّ رحاله في الجمهوریة الاسلامیة و في معسكرات الاسری و هو یعاني من شلل نصفي كان اقعده علی الكرسي المتحرك و هكذا استمرت المعاناة سنوات لكن الذي یهون علیه ذكر أهل البیت (ع) الذين غرس حبهم في قلبه بصورة عاطفیة سیما الامام المهدي(ع) لیتجذر ذلك الحب بعد ذلك
لقدغادر المطار وذلك سنة 1986كما ذكرنا وقد غمرته سعادة لاتوصف وأخذ یشعر بالحرية التي لايحدها الكون بأسره وبالعبودية لله وحده ففي المعركة هزمت كل الألهة لينتصر إله ابراهيم .
ولاحت في الافق محطة ثانية تمحورت حول المزار المبارك للامام الرضا (ع) لم يكن سالم يعرف هذا الامام وهل ان ما ينقل عنه من كرامات حق كما يقولون .
ومن هنا كانت فكرة الذهاب الى مشهد المقدسة غير متفاعل معها بشكل اساسي ولعل صفاء الروح وشدة صدمة الشلل النفسي دفعاه لسلوك هذا السبيل والذي رسخ الفكرة رؤيا رأها اذ دعاه الامام الرضا(ع) فیها لزيارته .
نقل سالم الى مشهد حيث معين الزائرين غريب الغرباء ابي الحسن الرضا (ع) قد عانقت قبته السحاب وانطلق به بعض اصدقائه الى الحرم الشريف.
قلب حزين وجناح كسير، غريب على بوابة الغريب و(كل غريب للغريب نسيب) الهي بحق الرضا البسني ثوب العافية . وها هو اليوم الثالث وهو يقف على اعتاب الامام اخذت الشمس تميل الى مخدعها بعد نهار من الكد واذا باجفان سالم المبللة بالدموع تستسلم للنوم وهو بجوار الضريح المطهر واذا بالامام يقول له قف على قدميك. فيجيب لا استطيع . فيمسح الامام على جسده ويأمره بالنهوض ففتح سالم عينيه واذا بالمفاجئة التي حيرت العقول ها هو واقف على قدميه دون اعتماد شئ ویعتنق مذهب اهل البيت (علیهم السلام).
وبدت ملامح المحطة الثالثة، سالم اليوم يمكنه ان يذب عن دينه وذلك بالالتحاق بقوافل المجاهدين وطالما كان يتمنى ذلك فانضم الى ركب المجاهدين في فيلق بدر وذلك يوم 24/7/1987م فتلقى التدريبات اللازمة في الدورة التدريبية الثامنة والعشرين ونسب الى الفوج الثالث لينال شرف الجهاد في القاطع الشمالي فكان له حضور في تحرير حلبچة رغم وعورة الطريق وانهیارالامطار بغزارة. وترامی الى مسامع ابي ذي الفقار أن عمليات جدیدة تخفيها الايام وتكتمها الافواه مخافة تسربها الى العدو فطار فرحاً واخذ يتطلع لذلك اليوم الموعود. ودق بوق الهجوم فكان ما لم يكن بالحسبان . فالاسلاك الشائكة التي تعترض المجاهدين يوم تغلغلت مجموعة المعلومات مما يعني اعاقة المسیر وفي هذه اللحظة اعلن ابو ذوالفقار استعداده ليكون جسراً يعبر عليه اخوته فنام علی الاسلاك وتجاوز الابطال هذا المانع وبدأت عملية دك قلاع الظالمين فصمد دون ان تزعزعه اسلحة الحرب الفتاكة وفي أخر المطاف كانت الامنية التي طالما حلم بها قذيفة مدفع ثقيل تمزق اوصاله ليلحق الى ربه