عزائي ولولا ذاك عزَّ عزائي
بأنك حيٌّ رغمَ كلِّ فناءِ
مسستَ الردی فاهتزَّ حیّا مغرِّدا
كما اهتزَّت الأرضُ المواتُ بماءِ
ومثلُك لایفنی فما الفكر میتٌ
وما كان طبعُ الفكرِ غیرَ بقاءِ
وهل ملكَ الدنیا سوی العلم وحدَهُ
وهل خالدٌ فیها سوی العلماءِ
فما أنا إذ أدنو إلیكَ مؤبِّن
ولا مِن دعاةِ الحزن رغمَ شجائي
ولكننی أدنو لأقتبسَ اللظی
وأحملَه جمرا لیومِ لقاءِ
فقد غمر الدنیا الجلیدُ فأجدبت
فلا تنتهی دون اللظی لنماءِ
فما عصفت بالظالمین و رهطِهم
سوی جولةٍ في الساحِ یوم فِداءِ
ولمْ لا و إن الموتَ في الناس یستوي
به اجلُ الشجعانِ و الجبناءِ
فمُت مرة كي لاتری ألفَ موتةٍ
تموتُ بها فی قبضةِ الحقراءِ
هو الوثب اما موتةٌ مشرأبّة1
و أما صعودُ المجدِ فی خیلاءِ2
أبا الفكرِ مَن أردوك ما كان همُّهم
شفاءَ غلیلٍ لاَنتهی لشفاءِ
ولا هو محض الانتقام مِن الذي
تحدّاهم في عزمةٍ و مضاءِ
ولا عطشٌ للدم فالقوم أشبعوا
ثری الوطنِ المنكوب بحرّ دماءِ
فهم من فصیلٍ تستوي في حسابهِ
دِما عبقريٍّ أو هزیلةُ شاء
ولكنهم ألفَوك نسرا بوسعِه
بأنْ یرتقي في نزعةٍ لسماءِ
وخافوا لواءً راح یخفقُ ظلُّه
علی أمةٍ في حاجةٍ للواءِ
فأرداك3 حقدٌ ینتهی بجذوره
إلی دمنة4 غذّته شرَّ غذاءِ
لآكلةِ الاكبادِ للشفّة التي
تبلُّ غلیلاً من دمِ الشهداءِ
وما زال فینا من بنیها عصائب
هی الأمس لكن یختفی بغطاءِ
یمزّق إذ یقوی و یرفع إن كبا5
( مصاحفَه ) الصفراء للبلهاءِ
أبا الفكر عمر الورد حتی لو انتهی
سریعا یضل العطرُ غیرَ نهائي
وعطرُ دماءِ الواهبین ملاحم
مضمّخةٌ ما هنَّ محض شذاءِ
فلیت الذي یبكونهم یندبونهم
بملحمةٍ حمراء لا ببكاءِ
فما أرجع الدمعُ الحقوقَ ولا انتهی
لفتحٍ و لا روّی غلیلَ ظماءِ
فقل للقوافي الهادراتِ فصیحةً
كلامُ المواضي أفصحُ الفصحاءِ
ومَن مرضوا بالذلِّ انّ دواءَهم
كؤوسُ المنایا فهي خیرُ دواءِ
أبا الفكر یربي محنة الفكر لو غدت
تحكم فیه قبضة الجهلاءِ
ولو مشت الظلماء في غمرة الضحی
لتغتال زهو النور غیر فضاءِ
وان تتداعی6 ألسُنٌ حثها الهوی
لتمدح فحوی العار دون حیاءِ
وكنتُ أخال العلمَ دون تعصّب
یعمُّ الوری من عدلهِ بسواءِ
ویثأرُ للمظلومِ دون هویةٍ
و كان الرجا هذا فخاب رجائي
تسألني نفسي أما كان (باقرٌ)
فتیً من جنودِ اللّه و الامناءِ
أما استهدف الالحاد و اهتز للهدی
حساما و رمحا ما التوی باداء
أما كان سبطا للنبی إذا أبی
له البعض ان یُدعی ابنَه بنداءِ
ألیس ابوه و هو فوق خلافة
لدی البعض یدعی (رابع الخلفاء)
ألیس امه الزهراءُ سیدةُ النسا
إذا ذكرت بالفخر أيّ نساءِ
فما بالُ آل اللّهِ اُخوةِ دربِه
نسوه فما أعطوه حقَّ إخاءِ
ولیتَهم ما ارتاح للذئبِ سمعُهم
و قد سمعوا للذئبِ صوتَ عواءِ
فیا باقرَ العلمِ الذی ما أجاره
بنوه سوی أن أكثروا بدعاءِ
ولاقاهُ أبناءُ العقیدةِ بعدما
قضی العمرَ في تكریمهم بجفاءِ
ویا من تحدّی البغیَ جهرا بواضح
من العزم و الایمان لا بجفاءِ
ستبقی و لا یبقی سوی من تجرّدوا
و من أخلصوا للّهِ من حنفاءِ
وتبقی الدِّما هدرا إلی أن یجیءَ من
یُجلجلُ7 بالبارودِ لا برثاءِ
ویا أیها الشلو الدفین ( بكوفةٍ )
من الرمل فی وادی الحمی المتنائي
بوجهٍ یشعُّ النورُ فی قسماتهِ8
دلیلاً علی طهرٍ به و نقاءِ
وثغرٍ كأنَّ الشمسَ فی بسماته
تضیء فما تلقاه غیر مضاء
إلیك علی بُعدٍ مشاعر عانقت
جراحَك تستوحیك رمزَ إباءِ
وتمسح قبرا كلُّ جزء برمله
فمٌ صارخٌ في أوجهِ العملاءِ
وتستمطرُ الانواءَ لطفا و رحمةً
لثاوٍ 9 سقی رملَ الحمی بدماءِ
وقرّب نحراً فی نحور تعاقبت
بدرب ( علی ) والدِ الشهداءِ
یوحّدها دربُ الفداء فتلتقی
كبارُ المنی فی حلبةِ الكبراءِ
وللجرحِ فی وعی الشعوبِ مكانةٌ
و للجرحِ عندَ اللّهِ خیرُ جزاءِ
وعندي و قد عایشت فیك خلائقا
كمثلِ شفیفِ10 النورِ یومَ صفاءِ
سجاحة11 طبعٍ أریحیٍّت مازجت
بمتّزنٍ من هیبةِ الفقهاءِ
فیا صدرُ ما ضافت رحاب فسیحة
علی الاقرب الادنی و لا البعداءِ
وداعا فقد ألقاك إن جادت المنی
بمقعد صدق في أعزّ فناءِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1اشرأب: من ارتفع كي ینظر
2 الغرور، الكبر
3 أردی: أهلك
4 الحقد القدیم
5 سقط، عثر
6تجتمع، تتصدّع
7صوّت
8 ملامح الوجه
9 مدفون بالتراث
10الرّقّة
11اللیّن الخلق
---------
انتهی/125